سلاح التجويع والترهيب.. العودة الصهيونية للابتزاز الرخيص لخنق غزة بمباركة أمريكية وتماهٍ عربي

 

المسيرة | عبد القوي السباعي

تمُـــرُّ حركاتُ الجهاد والمقاومة في غزة والقضية الفلسطينية عُمُـومًا بمرحلةٍ حاسمة؛ عقبَ نكث حكومة الكيان الصهيوني للاتّفاق، وبدعمٍ أمريكي تمارس ابتزازًا رخيصًا يربط حياةَ سكان القطاع بإلغاء المقاومة، بينما تسعى دول عربية لربط إعادة الإعمار بنزع السلاح لمنع الحرب مجدّدًا.

ويسعى المجرم “نتنياهو” لفرض واقع سياسي جديد، عبر لَيِّ ذراع المقاومة في غزة، لا سِـيَّـما مع دخول أَيَّـام شهر رمضان المبارك، واشتداد حاجة أهل القطاع المنكوب للمواد الأَسَاسية التي تبقي على الحياة، الأمر الذي لا يمكن القبول به في غزة مهما كانت الذرائع والأكاذيب التي ينسجها “نتنياهو” وداعموه.

وفي الإطار؛ عقد وزراء الخارجية العرب، جلسة مغلقة في القاهرة، مساء الاثنين، قبل قمة طارئة لجامعة الدول العربية الثلاثاء، لبحث خطة لمواجهة اقتراح الرئيس الأمريكي، “ترامب”، السيطرة على قطاع غزة، وتهجير سكانه.

وعقد الوزراء اجتماعًا تحضيريًّا وتشاوريًّا، لمناقشة الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع، بدون تهجير سكانه البالغ عددهم 2،4 مليون نسمة، وبحسب مصادر عربية فَــإنَّ الاجتماع الذي كان مغلقًا، ناقش الخطة التي سوف تعرض على القادة العرب في القمة، عصر الثلاثاء، للموافقة عليها.

 

القمة العربية الطارئة وتعاملها مع المقاومة والحاضنة:

ورغم الإعلان عن مضمون المشاورات، إلا أن الرئيس الجزائري والرئيس التونسي قرّرا عدم المشاركة شخصيًّا في “القمة العربية الطارئة”؛ لأَنَّ هناك توجُّـهًا عربيًّا يتساوق مع خططٍ أمريكية لإبقاء حماس ضمن المجتمع الفلسطيني لكن دون سلاح استراتيجي، وهو ما لفت إليه ناشطون بالقول: إن “البيان الختامي جاهز.. وجاء مطبوعًا من واشنطن”.

في الإطار؛ يرى مراقبون أن إعلان وسائل إعلام عربية وتأكيدها بأن رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” سيعرض الثلاثاء، خطة لتشكيل لجنة تتولى حكم قطاع غزة بدون مشاركة حماس، يشير إلى أن هذه القمة لا ترقى إلى إصلاح جزء ولو يسير مما أفسدهُ العرب خلال الـ 76 عامًا الماضية، بل ربما تأتي مشاركتهم بمزيدٍ من النكبات لفلسطين الأرض والإنسان.

وفي سياق القمة العربية الطارئة، يؤكّـد مراقبون أنها مطالبة وملزمة باتِّخاذ قرار واضح بكسر هذا الحصار الذي لا سابق له على مقومات الحياة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأن تطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على “إسرائيل” حتى توقف حصارها الإجرامي واللاإنساني.

وفيما أفادت وسائل إعلام عبرية بأن حكومة الكيان “تعطي حركة حماس مهلة 10 أَيَّـام للإفراج عن المحتجزين وإلا فستجدد الحرب”، قال وزير الحرب الصهيوني “يسرائيل كاتس”: “أوقفنا إدخَال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكن لا يجب أن تخطئ حماس في تقدير الموقف؛ فهذا مُجَـرّد البداية. إذَا لم تُفرج عن الأسرى قريبًا، ستُغلق أبواب غزة، وستُفتح أبواب الجحيم”، حَــدّ تعبيره.

غير أن خبراء عسكريين أكّـدوا أن كيان الاحتلال سيظل يماطل ويناور وربما سيفرض تمديد المرحلة الأولى من طرف واحد، ولن يخاطر حَـاليًّا بعودة الأمور إلى عتبة الحرب؛ لأَنَّه يمر بمأزِقَينِ؛ الأول أن أي حديث عن المرحلة الثانية أَو الانتقال لها يعني أن ينفذ شركاؤه في الائتلاف تهديدهم بحل الحكومة.

والمأزق الثاني بحسب الخبراء يتمثل بالقدرة على إقرار الميزانية العامة للكيان 2025م، حتى نهاية شهر مارس الحالي، وهي المهلة المحدّدة للحكومة لتقديمها، وإلا سيجري حَـلّ الحكومة والذهاب لانتخاباتٍ مبكرة لا يريدها “نتنياهو”، ولذلك هو بحاجة إلى التمديد لإنقاذ مستقبله السياسي.

ويؤكّـد الخبراء أن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، أن “ويتكوف سيعمل على إيجاد طريقة لتمديد المرحلة الأولى من الاتّفاق أَو التقدم للمرحلة الثانية”، وكل ما سبق من الرؤى والخطط؛ يفرض على المقاومة الفلسطينية التعامُلَ بحكمةٍ ووحدةٍ مع واقعٍ جديد، في صراع سياسي ونفسي لا يقل صعوبة عن الحرب.

 

ابتزاز رخيص وانتهاكٌ للقانون الدولي والإنساني:

في السياق؛ دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى تحَرّك دولي عربية إسلامي عاجل، لكسر حصار الاحتلال على غزة وإدخَال المساعدات الإنسانية.

واعتبرت الحركة، في بيان لها، مساء الاثنين، أن “استمرار الاحتلال الصهيوني في إغلاق معابر قطاع غزة أمام المساعدات الإنسانية والبضائع، يشكّل جريمة عقاب جماعي بحقّ المدنيين الأبرياء، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني”.

وشدّدت أن “منع وصول الغذاء والدواء والاحتياجات الأَسَاسية يعدّ جريمة حرب موصوفة، ومحاولة بائسة لخنق أهلنا الصامدين، وفرض واقع كارثي على أكثر من مليونَي فلسطيني، في تحدٍّ سافر لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية”.

وأضافت، أنّ “إعلان مجرم الحرب نتنياهو عن قراره منعَ دخول المساعدات إلى المدنيين في قطاع غزة، وعلى الملأ أمام العالم، يعكس استهتاره بالقوانين والاتّفاقيات الدولية، وعدم اكتراثه بعواقب جرائمه، مستفيدًا من الغطاء السياسي والدعم اللامحدود من الإدارة الأمريكية”.

 

مناورة “نتنياهو” الأخيرة لحلحلة أزماته الداخلية:

وفي خطوةٍ لا يمكن وصفها سوى أنّها “ابتزاز رخيصٌ”، يمثل جريمة حربٍ وحشيةٍ وإمعانًا في سياسات استخدام سلاح التجويع ضد مليونَي إنسان فلسطيني، بمباركةٍ أمريكيةٍ وغربيةٍ، انقلب المجرم “نتنياهو” على اتّفاقية الهُدنة بغزة، ورفض المضيّ قدمًا بالمرحلتَينِ الثانية والثالثة، عبر إعلانه منع دخول المساعدات إلى غزة، بمزاعم رفض المقاومة مقترحًا أمريكيًّا جديدًا.

في السياق؛ يرى مراقبون، أن “نتنياهو” ابتدع خدعة مقترح “ويتكوف” للاتكاء عليه في الهروب من التزامات الاتّفاق القائم، واستخدمه كذريعةٍ في خطابه لاتّهام حركة حماس بالتهرب، والمناورة بالمقترح أمام الوسطاء والأطراف الدولية.

ويؤكّـد المراقبون، على اشتراك “ويتكوف” والإدارة الأمريكية كما يظهر في منح “نتنياهو” الوقت والمهلة التي يريدها لحلحلة أزماته الداخلية وترويض اليمين المتطرف، قبل العودة إلى تقييم المشهد والتحَرّك بناء على ما قد يحمله مارس الجاري.

واعتبروا هذه الخطوة بوصفها حربَ تجويع بدأت الآن بكذبة خطيرة، فالاحتلال يروج أن ما دخل القطاع خلال الأيّام الماضية يكفي لشهورٍ قادمة، وهو بذلك يضغط ويعاقب المدنيين ويمرر هذه الكذبة لتخدير المخدرين.

لافتين إلى أن الكثير من الحقائق التي تستطيع كُـلّ المنظمات الدولية والأممية إثباتها، تؤكّـد أن كيان الاحتلال لم يلتزم بالبروتوكول الإنساني أصلًا في الاتّفاق، ولم تدخل البيوت المؤقتة والمعدات الثقيلة، وأن أعداد الشاحنات لم تصل لما هو متفق عليه، فضلًا عن أنّ نوعية البضائع التي كانت تدخل تصنَّف في أغلبها (كماليات) وليست كلها معدات طبية أَو إغاثية ولا وقود.

 

الأسرى الأحياء السلاح الأقوى بيد المقاومة:

وفي مقابِلِ خرق مجرم الحرب “نتنياهو” الاتّفاقية بشكلٍ واضح، وقراره وقف دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وذلك للضغطِ على المقاومة؛ مِن أجلِ تعديل الاتّفاقية بشكلٍ يساعد الاحتلالُ على خنق المقاومة وحاضنتها.

وهذا يضع الوسيطَين “المصري والقطري” أمام حرج كبير، وبحسب مراقبين فإنهما المطالبان حَـاليًّا باتِّخاذ موقف قوي ردًّا على هذا الاستخفاف السافر بهما، وبالاتّفاق الذي تمّ توقيعه، كما أن القمة العربية القادمة ستكون مسؤولة أمام هذا التطور في الموقف؛ إذ ما قيمة الاتّفاقات ورعايتها والتوقيع عليها، إذَا كان بوِسْعِ العدوّ الانقلاب عليها وقتما يشاء.

غير أن المراقبين توقعوا أن القمة العربية الطارئة لن تقدم أَو تضيفَ على المشهد شيئًا؛ لأَنَّ الاحتلال يريد الإفراج عن أسراه مقابل أسرى فلسطينيين، دون إعادة إعمار غزة ودون السماحِ بدخول المعدات الثقيلة وكافة أشكال المساعدات التي كان يعيق دخولها، ودون الانسحاب من محور “فيلادلفيا” والشريط الحدودي.

في المقابل يشير المراقبون إلى أن من يضيف على المشهد ويحدّد مساره هي المقاومة فقط؛ لأَنَّها تمتلك أقوى سلاح بيدها وهم الأسرى الصهاينة -الأحياء تحديدًا- لذا من الحمق القبول بمقترح تعديل الاتّفاق كما يريده العدوّ.

ويرى المراقبون أن لدى المقاومة أوراقَ قوة أُخرى لإجبار الاحتلال على وقف التلاعب من بينها استعدادها لأي تصعيد عسكري قد يحصل رغم أن احتمال حصوله ضعيف؛ كون خطة “نتنياهو” هي إنهاء تبادل الأسرى الأحياء ثم خنق غزة بحصارٍ قاتل أَو حتى استئناف الحرب، ومن الجنون السماح له بتنفيذ ما يريد.

وتجدر الإشارة إلى أن كيان الاحتلال حوَّل قطاع غزة إلى أكبر سجن بالعالم، إذ يحاصره للعام الـ 18 تواليًا، وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونَينِ من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com