القمة العربية الطارئة: من بيانات جوفاء إلى خيبة أمل تضاف إلى سجل الفشل
محمد عبدالمؤمن الشامي
انعقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة يوم 4 مارس 2025 وسط واقع عربي مأزوم، فرضته العدوانات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أَو الضفة الغربية، إضافة إلى التصعيد على الجبهتين اللبنانية والسورية. ورغم الخطاب المندّد الذي حمله البيان الختامي، فَــإنَّ القمة لم تقدم أكثر من إدانة لفظية، دون أن تلوح في الأفق أية آليات ضغط أَو إجراءات عملية لردع الاحتلال الإسرائيلي.
لغة البيان: مواقف تقليدية بلا فعل ملموس:
جاء البيان الختامي للقمة محملًا بالمواقف المعتادة، حَيثُ جدد التأكيد على ضرورة تحقيق حَـلّ الدولتين، ورفض التهجير القسري، وإدانة الجرائم الإسرائيلية، وكذلك الدعوة لرفع الحصار عن غزة. كما رحب بالجهود الدولية، لا سِـيَّـما الأمريكية، لوقف إطلاق النار، لكن لم يُعطَ أي توجيه عملي لكيفية التعامل مع انتهاكات الاحتلال المُستمرّة لهذا الاتّفاق.
لم يخرج البيان عن نطاق الخطابات السابقة التي أطلقتها القمم العربية لعقود، من دعوات لرفض “العنف والتطرف”، والتعاون مع “القوى الدولية”، إلى مطالبات من مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته. تلك العبارات تظل بلا تأثير حقيقي على الأرض، خَاصَّة أن الاحتلال الإسرائيلي دأب على انتهاك القرارات الدولية دون أي عواقب.
ملف غزة: وعود بالإعمار بلا ضمانات سياسية:
أحد المحاور التي تناولها البيان كان خطة إعادة إعمار غزة، بالتنسيق مع مصر وفلسطين ومؤسّسات التمويل الدولية. ورغم أهميّة الخطة، فَــإنَّها تظل مشروطة بتعهدات غير ملزمة من المجتمع الدولي. إعادة الإعمار بحاجة إلى ضمانات سياسية، إذ إن أي مشروع لإعادة بناء غزة سيظل عرضة لتدمير الاحتلال ما دام لا توجد سيادة فلسطينية فعلية على القطاع.
غياب العقوبات: أين أدوات الضغط؟
رغم التصريحات المتكرّرة حول انتهاكات الاحتلال، لم تُدرج القمة أية إجراءات اقتصادية أَو دبلوماسية لفرض ضغط حقيقي على “إسرائيل”. لم يُذكر حتى تعليق اتّفاقيات التطبيع أَو فرض عقوبات اقتصادية، بل أشار البيان إلى “التعاون مع المجتمع الدولي”، رغم فشل هذا المسار لعقود في تحقيق نتائج ملموسة.
القدس والاستيطان: تحذيرات بلا خطوات تنفيذية:
أكّـد البيان على “رفض أي تغيير في الوضع القائم في القدس”، و”إدانة الاستيطان”، و”دعم وصاية الأردن على المقدسات”، وهي مواقف سبق وأن تكرّرت في بيانات سابقة، ولكنها لم تترجم إلى خطوات عملية لردع الاحتلال. في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال تنفيذ مشاريعه التهويدية في القدس، تبقى المواقف العربية محصورة في التصريحات دون أية إجراءات ملموسة على الأرض.
الملفات الإقليمية: لبنان وسوريا في الهامش:
تطرقت القمة إلى الملفات اللبنانية والسورية، حَيثُ دعت “إسرائيل” للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، وأكّـدت على ضرورة احترام قرار مجلس الأمن 1701. كما أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا. لكن هذه المطالبات لم تترافق مع أي تصور عملي لدعم المقاومة في لبنان أَو سوريا لمواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل.
هل كانت القمة ضرورية؟
في ظل هذا الواقع، يطرح السؤال: ماذا أضافت هذه القمة للقضية الفلسطينية؟ هل قدمت حلولًا حقيقية أم أنها مُجَـرّد حلقة إضافية في سلسلة من القمم التي لا تتجاوز نطاق “التنديد” و”التحذير”؟
الحقيقة أن هذه القمة، رغم انعقادها في توقيت حساس، لم تخرج بأي قرارات حاسمة أَو آليات ضغط فعلية على الاحتلال الإسرائيلي. هي مُجَـرّد خطوة تكرس “إدارة الأزمات” عبر عقد الاجتماعات وإصدار البيانات، بينما يبقى الوضع على الأرض كما هو: “إسرائيل” تواصل عدوانها، والفلسطينيون يدفعون الثمن.
خلاصة: القمة العربية بلا إرادَة… والمقاومة هي الحل الوحيد:
القمة العربية الطارئة في القاهرة كانت بمثابة انعكاس جديد لعجز القيادة العربية عن مواجهة العدوان الإسرائيلي بجدية. بيانات جوفاء، ومواقف ضعيفة، وإجراءات غائبة كانت نتائج القمة التي فشلت في تقديم أي خطوات عملية تردع الاحتلال. في غياب الإرادَة السياسية، أصبح واضحًا أن الحل الوحيد للفلسطينيين هو المقاومة، التي أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات واستعادة الحقوق. بينما تظل القمم العربية مُجَـرّد اجتماعات فارغة، يظل الشعب الفلسطيني هو من يدفع الثمن.
طالما هناك محور مقاومة مع الفلسطينيين، ووجود أحرار العالم الذين يناصرون قضيته، فَــإنَّ عصر التحرّر آت لا محالة، والمقاومة ستظل السبيل الوحيد لتحقيق النصر والحرية.