قتلٌ على الهُوية.. الساحل السوري أحيل إلى بركة دم مسفوك بسيف التكفير والإجرام متعدد الجنسيات
المسيرة | خاص
منذُ أَيَّـامٍ قلائلَ والأخبار السورية المفجعة تتوارد، والمشاهد الفظيعة تغطي مواقع التواصل الاجتماعي؛ صورٌ ومشاهدُ يندى لها جبين الإنسانية، مجازر تتنقل بحسب خطوات القتلة ورعاتهم.. إعدامات ميدانية مشهودة، والتهمة إما “علويّ”، وبات الساحل السوري بركة من الدماء المسفوكة بسيف التكفير والإجرام المتعدد الجنسيات.
في المشهد؛ وفي انتهاك صارخ لكل الحرمات والمحرمات؛ تظهر لكل شعوب العالم، أفعال مسوخ على هيئة بشر؛ أعمال مرتزِقة متوحشين تم استقدامهم من كُـلّ أصقاع الأرض لارتكاب كُـلّ ما يمكن من فِعال الإجرام، من سبي واغتصاب وتنكيل وإذلال وسحل وقتل بمختلف الطرق، وبعدها يتم التمثيلُ بالجثث.
تأتي هذه الأفعال التي يتحدث القتلة عنها بكل فخر وفي مقاطع فيديو يوثقونها بأنفسهم، ولا يخجلون من بثها على منصات التواصل، في الوقت الذي يتبجح مؤيدوهم بما يسمونه انتقامًا من “فلول النظام السابق”.. ولو سلمنا جدلًا أن هؤلاء الضحايا وبالأخص الأطفال والنساء هم من مؤيدي النظام السابق، هل يبيح هذا الأمر؛ التنكيل بهم وسحلهم وقتلهم؟!
جرائم تبخرت معها كُـلّ الشعارات الزائفة التي تمجد الديمقراطية وحرية الفكر والاعتقاد؛ إذ لا شيء قد يبرّر هذا المستوى من العنف والإحرام، وهذا التطهير الطائفي، وما الذي قد يدفع بالأنظمة والدول للسكوت عنه بهذا الشكل الذي لا يمكن إلّا أن يكون اشتراكًا في الجريمة؟
وفيما يشاهد العالم؛ أطفال ونساء وعجزة من كبار السن، ورجال بمختلف الأعمار يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب قُبيل قتلهم بدمٍ بارد، يواصل المبتهجون بسقوط النظام السوري السابق رقصهم فوق جثث ضحايا إرهاب النظام الحالي، فينكشف زيف إنسانيتهم للمرة الألف.
هؤلاء الذين بكوا بحرقةٍ لأجل سجناء “صيدنايا” يصفقون اليوم لمجازر الإبادة التي تُرتكب بحق الأبرياء؛ فقط لأَنَّ القاتل لا يعادي أمريكا ولا يوجه بندقيته صوب “إسرائيل”، وهذه الإنسانية المشوهة العاملة بخدمة الشر، هي نفسها التي اختلقت ألف ذريعةٍ وذريعة تبيح للصهيوني أن يدوس بدباباته فوق أجساد الفلسطينيين في غزة.
في الـ 24 الساعة الماضية، أكّـدت مصادر محلية، أنّ قرى “تعنينا والحطانية والجوار، في طرطوس، والرميلة والنقعا، في ريف جبلة في اللاذقية”، تعرّضت لهجومٍ من قبل فصائل مسلحة متعددة الجنسيات.
وأفَادت المصادر باتساع دائرة المجازر إلى أرياف “حماة وبعض قرى أرياف حمص”، وارتكاب أكثر من 10 مجازر، منذ السبت، وحتى مساء الأحد، في قرى وأرياف “اللاذقية وطرطوس وحماة وبعض قرى ريف حمص”، بعد أن قضى أكثر من ألف مدني في المجازر التي ارتكبتها هذه الجماعات.
كما أنّ توزعت عمليات حرق استهدفت عددًا من القرى في محافظة “طرطوس”، وبحسب مصادر محلية، فقد عمدت المجموعات المسلحة إلى إحراق 6 قرى في مناطق الساحل، أبرزها “العمشات والحمزات”، من مناطق الساحل السوري.
وتعليقًا على ذلك، أعلن المتحدّث باسم ما يسمى وزارة الدفاع في حكومة “الجولاني”، أنّ القوات السورية “بدأت تنفيذ المرحلة الثانية من العملية العسكرية، التي تهدف إلى ملاحقة عناصر النظام السابق في الأرياف والجبال، بعد استعادة الأمن في مدن الساحل”.
وبدورها؛ قالت وزارة الداخلية السورية في هذه الحكومة: إنّ “إدارة الأمن العامّ ترسل تعزيزاتٍ إضافيةً إلى منطقة القدموس، في ريف طرطوس؛ بهَدفِ ضبط الأمن”، وفي غضون ذلك، توقّفت خدمات الاتصالات والإنترنت في محافظتَي “درعا والسويداء”، بعد انقطاع الكوابل بين “درعا ودمشق”، بحسب ما أفادت به وكالة “سانا”.
وفي ظلّ ما تشهده سوريا من فوضى أمنية وإعدامات ميدانية ينفّذها عناصر تابعون لوزارة الدفاع والأمن الداخلي توصف بـ”غير منضبطة”، قال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، “أحمد الشرع” الجولاني”: إنّ “ما يحدث في البلاد حَـاليًّا هو ضمن التحدّيات المتوقّعة”.
يُذكر أنّ المرصد السوري لحقوق الإنسان أكّـد، الأحد، أنّ “1018 شخصًا قُتـلوا في الساحل السوري، بينهم 745 مدنيًا”، وكانت مصادر محلية من الساحل السوري أكّـدت، أنّ عدد ضحايا المجازر هو بالمئات، في حين لا تزال عشرات الجثامين متناثرةً عند أطراف الطرقات وفي شوارع القرى، ولم يتمكّن ذووها من دفنها أَو الوصول إليها.
وأفَادت المصادر بأنّ سكان القرى هربوا إلى الجبال والغابات، خوفًا من تعرّضهم للقتل، ولم يجرُؤوا على العودة إلى قراهم بعدُ، وأن مدن الساحل السوري تشهد عمليات تهجير قسرية، ونهب للممتلكات، واختطاف للمدنيين بالآلاف، مؤكّـدةً أن هناك حملة ممنهجة للإبادة الجماعية والتطهير العِرقي وعملية تغيير ديمغرافية في مدن الساحل.
وعليه؛ ما نشاهده اليوم هو ليس مُجَـرّد انكشاف إنسانية مزيّفة وشعارات كاذبة، بل إن الصمت حيال هذه الأحداث الدامية هو اشتراك ميداني بجريمة تطهير عرقي وإبادة جماعية؛ إذ باتت تسكن في الساحل السوري، رائحة الدم المسفوك التي هي أقوى من كُـلّ الكلمات، وأصدق من الصمت التعتيمي أَو السكوت الذي يدفع القاتل إلى مواصلة جريمته.