أربعة أَيَّـام فقط: معادلة “محاصرة الحصار”.. السيد القائد يرسُمُ ملامحَ مشهدٍ جديد

 

المسيرة| عبدالقوي السباعي

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لأكثرَ من ستة عشر شهرًا، ووسط تعنت الاحتلال في إدخَال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر، أعادت المقاومة الفلسطينية مدعومةً بجبهة الإسناد اليمنية، رسم المشهد وفق معادلات الصراع من جديد.

في تفاصيل المشهد؛ جاءت مهلة الأربعة أَيَّـام للعدو وللوسطاء، التي أعلنها السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي كخطوةٍ مفصلية تزامنت مع التصعيد الميداني والسياسي في القطاع المنكوب؛ ما يعكس تنسيقًا عالي المستوى بين أطراف محور المقاومة، ويضع الاحتلال ورعاته في مأزقٍ غير مسبوق، وبات العويل يسمع؛ من الدقائق الأولى للمهلة.

 

أبعاد التحذير.. خطوة يمنية تقلب الموازين:

لم يأتِ تحذير قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك الحوثي في كلمته الأخيرة والمقتضبة؛ منفصلًا عن مجريات الأحداث، بل جاء كامتداد طبيعي للدور الذي لعبته صنعاء منذ بدء معركة “طوفان الأقصى”، وإعلان المهلة اليمنية بوقف العمليات البحرية مقابل إدخَال المساعدات، يضع المعادلة في إطار جديد تحت عنوان “الحصار مقابل الحصار”، ويؤكّـد أن صنعاء باتت لاعبًا إقليميًّا مؤثرًا قادرًا على فرض معادلاتها على الاحتلال الإسرائيلي، بل وحتى على المجتمع الدولي.

الموقف اليمني -بحسب مراقبين- حمل رسائلَ متعددة، تتمثل في سياق إسنادها المباشر للمقاومة الفلسطينية، والضغط على الوسطاء الدوليين لدفع الاحتلال للالتزام بإدخَال المساعدات ورفع الحصار، والتحذير من توسيع دائرة المواجهة في حال استمرار التجويع.

هذا التحذير حمل في طياته رسائل للعدو الإسرائيلي مفادها أن أي استمرار في سياسة الحصار، سيقابَلُ برَدٍّ عسكري مباشر على الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر، ما يعيد رسم خارطة الصراع خارج حدود غزة، وهو الأمر الذي يخشاه الراعي الأمريكي.

 

التنسيق اليمني الفلسطيني.. شراكة متكاملة:

ومن المفارقة اللافتة أن المهلة اليمنية جاءت بعد أقل من 24 ساعة على تصريح الناطق العسكري باسم كتائب القسام “أبو عبيدة”، الذي أشاد بموقف اليمنيين واستعدادهم لاستئناف عملياتهم البحرية، وهذا التزامن يؤكّـد وجود مستوى متقدم من التنسيق بين الطرفين، ويعكس وحدة الجبهات وتكامل الأدوار بين الداخل الفلسطيني وجبهة الإسناد الخارجية.

الخبراء العسكريون يرون في هذا التنسيق تحولًا نوعيًّا في طبيعة الصراع، حَيثُ باتت المقاومة تعتمد على تحالفات إقليمية حقيقية، قادرة على ممارسة الضغط العسكري والاقتصادي على العدوّ الإسرائيلي، ما يوسع دائرة الاستنزاف ويضاعف كلفة الحرب على الاحتلال.

إذ جاء تحذير السيد القائد عبد الملك الحوثي في توقيتٍ حساس للغاية، حَيثُ تتواصل المفاوضات في الدوحة والقاهرة بشأن المرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار، وبحسب مراقبين، فَــإنَّ هذا التحذير شكل ورقة دعم قوية للوفد الفلسطيني المفاوض، ليقطع الطريق على أي محاولةٍ لفرض تنازلات سياسية مقابل إدخَال المساعدات.

كما أن التصريح ألقى بظلاله على الجانب الإسرائيلي، الذي بات يدرك أن أي تصعيدٍ إضافي سيجلب تداعيات كارثية على المستوى الاقتصادي، خَاصَّة في ظل استمرار الضربات البحرية اليمنية التي ألحقت أضرارًا كبيرة بحركة الملاحة الإسرائيلية.

 

المعادلة الجديدة.. قوة التفاوض من موقع القوة:

ما أفرزته المرحلة الأخيرة من التصعيد، هو أن المقاومة الفلسطينية لم تعد تفاوض من موقع ضعف كما في الحروب السابقة، بل باتت تدير المعركة من موقع قوة، مدعومة بجبهة إسناد إقليمية، وعلى رأسها اليمن، وهذا التحول انعكس بوضوحٍ في تصريحات “أبو عبيدة”، الذي أكّـد أن المقاومة مستعدة لكل الخيارات، بما فيها العودة للحرب إذَا فرضت عليها.

اللافت أن هذا الموقف لم يكن مُجَـرّد استعراض إعلامي، بل جاء مقرونًا بقدرة ميدانية ظهرت في نجاح المقاومة بإعادة تموضع تشكيلاتها العسكرية، وإفشال محاولات العدوّ لتفكيك منظومة القيادة والسيطرة داخل القطاع.

كما يتزامن هذا التصعيد العسكري والسياسي مع تحولات واضحة في المشهد السياسي الفلسطيني، حَيثُ أظهر الوفد الفلسطيني في المفاوضات قدرة عالية على الصمود في وجه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

وبحسب الخبراء، فَــإنَّ الموقف الصلب لحماس، المدعوم بتصريحات القيادة الثورية في صنعاء، سيدفع بالولايات المتحدة إلى تجاوز الاحتلال في المفاوضات؛ ما يعكس اعترافًا غير معلَن بحماس كسلطة الأمر الواقع في غزة، مقابل تراجع دور السلطة الفلسطينية.

كل المعطيات الحالية تشير إلى أن التصعيد الأخير قد أسَّس لتحالفٍ إقليمي جديد يضم المقاومة الفلسطينية وصنعاء، في ظل غياب أية أدوارٍ عربية رسمية، وهذا التحالف بدأ يفرض نفسه كلاعبٍ مؤثر في المعادلة الإقليمية، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيدٍ من التوسع نحو جبهات جديدة في المستقبل.

ويؤكّـد الخبراء أن الضغوط التي تمارسها صنعاء على الملاحة البحرية الإسرائيلية، تجعل من اليمن شريكًا استراتيجيًّا للمقاومة الفلسطينية، وهو ما قد يؤسس لتحالفٍ أشمل يجمع قوى محور المقاومة في اليمن وفلسطين ولبنان والعراق وإيران.

 

نحو مرحلة جديدة من الصراع:

ما يحدث اليوم ليس مُجَـرّد تصعيد عابر، بل هو إعلان عن مرحلةٍ جديدةٍ من الصراع المواجهة، تتجاوز الحدود الجغرافية لفلسطين، وتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي، وفي ظل استمرار التعنت الإسرائيلي، يبدو أن التحذير اليمني سيكون نقطة تحول مفصلية قد تفتح الباب أمام مواجهةٍ إقليميةٍ أشمل.

وعليه؛ فَــإنَّ الأيّام القادمة قد تشهد إعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، تحت عنوان “التصعيد بالتصعيد، والحصار مقابل الحصار”، وهو ما يجعل الاحتلال أمام خيارين أحلاهما مر: إما الالتزام بإدخَال المساعدات، أَو مواجهة حرب استنزاف طويلةٍ على أكثر من جبهة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com