الأربعةُ أَيَّـام تُفرِض نفسَها على معادلات المنطقة
الشَّموس العماد
يقول الله عز وجل وقوله الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. وقد شَهِد التاريخ أن هؤلاء القوم هم أهل اليمن، ففي المرحلة التي غُربلَ فيها الناس، كان أهل اليمن هم الصادقون حقًّا، وفي الوقت الذي اضطُهد فيه الشعب الفلسطيني، كانت البلدة الطيبة قد بدأت للتو بتناول مباهج الخير؛ ولكنّ شعب اليمن أبى إلا أن يُشارك أخاه الفلسطيني المصير ذاته، ولا ضير في ذلك فهو من قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”.
في السابع من شهر رمضان، أعلن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، القائد اليمني الشجاع، عن منح أربعة أَيَّـام مهلة للوسطاء في اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، وما يترتب على ذلك إما دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإما استئناف العمليات البحرية التي قام بها منذ 15 شهرًا، والتي شهدت تأثيرًا واضحًا على العدوّ الإسرائيلي وكافة دول الغرب الداعمة له.
هذا التهديد يعرفه الأعداء جيِّدًا، ووعيده حقٌّ؛ لأَنَّهم يعرفون السيد الحوثي جيِّدًا بعد أن قطع شوطًا طويلًا في التنكيل بهم والآن، لقد أُدخلوا في دوامة لا نجاة لهم منها أبدًا، بحيلهم الماكرة أَو بجرمهم وتهديدهم لاستقرار المنطقة، لن يستطيعوا أن يجدوا حلولًا كهذه رغم توافرها؛ ولكن من الصعب اتِّخاذها؛ لأَنَّ ذلك سيقصم ظهورهم بقطع شريان اقتصادهم في البحر الأحمر والعربي، وإلى كُـلّ الممرات التي تصل إليها يد اليمن.
إن الجحيم الذي وضعهم فيه السيد الحوثي نستطيع أن نقول عنه انتصارًا بحد ذاته؛ فهم في مأزقٍ لا يوجد لهم فيه خيار ناجح يتوافق مع مصالحهم، وكأن الطاولة التي أعدوها بدهائهم الزائف انقلبت عليهم وعلى عملائهم ومن يدور في فلكهم، فجميعهم وُضعوا موضع النكرة، ووحده القرار اليمني من يحكم المنطقة بأكملها الآن.
الغرب الآن يعي جيِّدًا ما معنى استئناف العمليات البحرية؛ كونهم الجزء المتضرر جِـدًّا منها، فقد تباكوا كَثيرًا على خسائرهم الفادحة منذ بدء العمليات البحرية في نوفمبر ٢٠٢٣، والتي قُدِّرت بمليارات الدولارات، ووفقًا لنظرتهم المادية الشاسعة، فَــإنَّ هذه الخسائر كانت هزيمةً شعواءَ أحاطت بهم جميعًا، وهي بركات الموقع الاستراتيجي المتميز الذي منّ به الله على البلدة الطيبة، حتى إنه يستطيع أن يعطّل دور قناة السويس.
وأما حال العرب الذليل والمهين، فقد أوضح مدى عمالتهم وكم أن استراتيجية زعامتهم فاشلة للغاية، وكما قال السيد الحوثي، ما يقوله العرب هو عبارة عن تمنيات ودعوات يتباكون بها بطريقة ذليلة جِـدًّا، ليس لها أي تأثير أبدًا ولن يكون، وهذا حال من نسي كتاب الله وحارب تعاليمه، ودجّن شعبه، وطبّع مع الأعداء، وخان دينه وقضيته، ومن رضي بأن يكون تحت أقدام من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وفي الحقيقة، فَــإنَّ المخطّط الصهيوني يشملهم حتى هم ومع معرفتهم الواضحة بذلك، ومع ذلك لا يريدون أن يحركوا ساكنًا يجعل الغرب ميؤوسًا منهم.
لا مآلَ سعيدًا للكيان الغاصب ولا للغرب الداعم له، فكل الطرق حيال مهلة الأربعة أَيَّـام لا تؤدي إلا إلى يافا، وما أعظم من أن يكون في هذا العالم المنافق ذي الإنسانية المزيفة قائدٌ حرٌّ كالسيد عبد الملك الحوثي، وما يُظهره اليمنيون من ولاء له ومن تفاعل شعبي مهيب بقراره، يبرز مدى أصالة هذا الشعب العظيم وتمسكه بالقضية التي تجري في دم كُـلّ مسلمٍ عربي يأبى الضيم. إنهم وقائدهم أناسٌ مصطفون من الله بعناية فائقة، كأن يكونوا القوم الموعودون بإعلاء كلمته ونصرة دينه.
لن يكون العرب كاليمن وقائده؛ لأَنَّ من يتحَرّك وفق كتاب الله وتعاليمه، واتباعًا لرسول الله وعترته آل بيته، يختلف كَثيرًا عمن يعمل لتكون أمريكا و”إسرائيل” راضية عنه، وقد بات ذلك جليًّا.
“فلسطين عربية”، ستتعلم الأجيال ما معنى أن يحملوا هذا الشعار، وسيخبرهم التاريخ كَثيرًا عما جرى ويجري، سيعيشون على مبدأ المقاومة التي ستمتلئ أفئدتهم بعشقها. وستبقى شجرة البن في حنينها الدائم لشجرة الزيتون، ولن تنقضي عزائم اليمنيين، ولن يتيه رشدهم؛ لأَنَّهم كلهم مقاومة.