تداعيات أحداث الساحل السوري ومجازر التكفيريين.. فُــرَصٌ ذهبيةٌ للأعداء
المسيرة: إبراهيم العنسي
قتلُ أكثرَ من 700 علوي في الساحل السوري يعدّ انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان ويؤثر سلبًا على حكم نظام أحمد الشرع لسوريا، هذا النوع من العنف يمكن أن يؤدِّي إلى تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية والأمنية في سوريا؛ مما يهدّد الاستقرار والسلام في البلاد، ويؤجج الصراعات الطائفية التي تسعى أمريكا والكيان الصهيوني إلى تغذيتها كورقة من أوراق التمزيق وخلق التناحر داخل الشعوب والأمَّة.
ومن يقدم نفسَه نظاماً جديدًا للشعب السوري ككل، وهو يرتكب مجازر انتقام بحق أبرياء، لا علاقة لهم بالمواجهات التي حدثت، كشف الحقيقة التي لطالما تستر عنها وحاول إخفاءها.
هذا يعيد مشاهد عنف الجماعات التكفيرية التي تتشارك سلوكاً واحدًا، حَيثُ تميل للتصفيات الجماعية دون إدراك للدور الذي تضطلع به، أَو ما يمثله السلوك العنيف من تهديد وجودي لبقائها، أَو أن ذلك الفعل يمثل صدعًا جديدًا لتفكيك البنية الاجتماعية السورية ويعزز النزعات الطائفية والمناطقية والتي تعزز التنافس على الحكم وتخلق بيئة فوضى، هي في صالح الأمريكان والإسرائيليين على وجه الخصوص.
إن ما يحدث من أعمال قتل كما رأى العالم مع العلويين، هو مؤشر لعدة أزمات يعيشها هذا النظام، حَيثُ تبدو المقارنة في ردة فعله في سياقين وحدثين، الأول يرتبط بموقفه من عدو حقيقي، فمع توغل القوات الإسرائيلية في الجولان وما بعد الجولان صوب العاصمة السورية ظهر الموقف المنذر بالويل، حَيثُ لم تحَرّك قوات الشرع ساكناً لا بموقف كلامي ولا عسكري، أعطى إشارة أن سوريا تتجه إلى مجهول فوضى بالنظر إلى جملة معطيات التركيبة السورية والوضع القائم والأطماع الراهنة ما بين الغرب والأتراك واليهود، فيما أظهر الموقف الآخر من إعمال القتل في علويي الساحل السوري على أن هذا النظام ذو حس سياسي متبلد وضعيف، يدفع لمزيد من التصدعات في الداخل السوري بدلاً من محاولات جبر التصدعات وتلافي الأضرار، باستمالة الشارع السوري بكافة أطيافه.
في سياق سياسي يمكن فهم أن ما حصل ويحصل من عنف مع السوريين، والعلويون لن يكونوا الوحيدين من يطالهم هذا السلوك الإجرامي، على أنه قد يدفع إلى تزايد انكشاف حقيقة نظام الشرع وتأثيره على الشعب السوري، حَيثُ إن مشاهد القتل الوحشي تترك ندبات كبيرة في ذاكرة الشعوب، وتحيل الفاعل إلى خانة المكروه وإن لم يكن في ذلك تصريح، بغض النظر عن عقيدة أَو أيديولوجية ذلك الشارع.
وهذا الفعل قد يستغل دوليًّا لزيادة الضغط على النظام السوري الجديد باسم تحقيق العدالة والمساءلة عن هذه الجرائم، لتقديم تنازلات للغرب والقوى الاستعمارية وتوظيفه سياسيًّا وعسكريًّا لتبرير تواجد إسرائيلي دائم في الجنوب السوري باسم حماية الأقليات من عنف نظام الشرع، حَيثُ منح نظام الشرع اليهود مبرّراً لتبرير تواجدهم الاحتلالي وعلى طبق من ذهب، فضلاً عن أن هذه الأفعال التي لم تعد من سياسات الحاضر ستزيد من حالة التوتر الطائفي الحاصلة في سوريا اليوم.
في السياق الاجتماعي، سيكون هذا العنف أدَاة لتفكيك النسيج الاجتماعي بطوائفه المتعددة، مع زيادة مشاعر الخوف والقلق بين العلويين والدروز والأكراد وبقية الطوائف والأقليات التي تعيش في سوريا، إلى جانب أنه سيخلق وضعًا مغايرًا لما يتخيله الشرع وفصيله، مع تعدد الأطراف والجماعات والقوى السورية المتنازعة على الحكم.
وفوق هذا وذاك ومع التصورات المسبقة للجماعات الحاكمة اليوم في سوريا والتي تتعامل معها القوى العالمية باستغلال للفرص السانحة في الميدان لاغتنام مكاسب الجغرافية والموقع السوري المؤثر على الخارطة، فَــإنَّ تلك القوى وأدواتها ترى أن من الجيد الدفع بهذا النظام للهاوية بغض الطرف والتشجيع على هذه الممارسات التي تظل مادة لخلق مزيد من أوراق الضغط على سوريا الجديدة، والتلويح بورقة انتهاك حقوق الإنسان وما يرافقها من متعلقات التحقيق عن تلك الجرائم ودخول المنظمات الإمبريالية على خط العمل الدولي المهدّد لسلامة واستقرار سوريا.
في سياق أمني فَــإنَّ ما جرى ويجري ستكون له تداعيات تعمق فجوة الخلافات في الداخل السوري (المخترق) أصلًا بالترافق مع قدومه للحكم باسم “نظام جديد”، حَيثُ إن من مصلحة اليهود والمشروع الصهيوني بعد مسلسل الجرائم الموثقة في حق نظام الشرع أن تدفع بالداخل السوري للفوضى ضمن مخطّطات وعمل استخباراتي تقحم فيه جماعات وقوى في بيئة صراع داخلي، استناداً إلى ما جرى من أعمال القتل والتصفيات؛ بهَدفِ تعزيز الانقسام السوري وخلق أجواء عنف بين الجماعات المختلفة في سوريا، من خلال الدعم العسكري والمالي لمعارضي النظام الحالي، وُصُـولًا لإدخَال هذه الجماعات في صراع استنزاف القوى في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، وهذا ما يراه الكيان الإسرائيلي ملائمًا لتثبيت وجوده القائم اليوم في الجنوب والعمل في البيئة السورية؛ مِن أجلِ المزيد من التفتيت والإضعاف، بمعية الدور الأمريكي، حَيثُ إن بيئة الفوضى هي الأنسب للمحتلّ لتحقيق أهدافه الاستراتيجية في التوسع على حساب الدولة السورية.