غزة.. بين العُزلة والصمود في وجه المؤامرة
المسيرة | خاص
في خضمِّ الأزمات والتحديات، تبدو غزة كأنها عالم موازٍ، حَيثُ يُعامل سكانها وكأنهم لا يجوعون، ولا يعانون، ولا يتألمون، رغم أن آلة الحرب والحصار تستهدفهم يوميًّا، القطاع المحاصر منذ سنوات يعاني من شحّ الغذاء والدواء والماء، ومع ذلك فَــإنَّ صموده لم ينكسر، بل زادته المعاناة صلابةً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.
جاءت القمة العربية الأخيرة في القاهرة بمثابة انعكاس ليأس الشعوب من الجامعة العربية، التي تحوّلت إلى كيان عاجز غير قادر على الدفاع عن القضايا العربية الجوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هذا الضعف -كما يراه مراقبون- ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من الانقسامات والتطبيع والتبعية للقوى المهيمنة، حَيثُ أصبح بعض الأنظمة العربية شريكًا في إحكام الطوق على غزة بدلًا عن تقديم الدعم للمقاومة.
وبحسب مراقبين، يبدو أن الحل الوحيد لإنقاذ الجامعة العربية يكمن في إصلاحها جذريًّا، من خلال تحرير الأنظمة العربية من التبعية الخارجية وجعلها تعكس الإرادَة الشعبيّة بدلًا عن أن تكون أدَاة بيد قوى الهيمنة والاستكبار، لكن هذا الحل يواجه مقاومة شديدة من الأنظمة المتواطئة، التي لا تريد كسر القيود التي فرضتها على نفسها.
مؤامرة لإنهاء المقاومة: عندما يُصبح العرب أدَاة للصهاينة
يتعرّض قطاع غزة لمخطّط واضح يهدف إلى تصفية المقاومة، لا بالحرب المباشرة فقط، بل من خلال الحصار والتجويع واستخدام العملاء، ورغم أن الكيان الإسرائيلي فشل في حسم المعركة عسكريًّا، إلا أن رئيس وزرائه المجرم “نتنياهو”، بدعم من الرئيس الأمريكي “ترامب”، يسعى لإنهاء المقاومة عبر مؤتمر يطالب حماس بتسليم سلاحها، وهو مطلب لم يتمكّن الاحتلال من تحقيقه بالقوة.
الأخطر من ذلك، أن بعض الأنظمة العربية تلعب دورًا رئيسيًّا في هذه المؤامرة؛ إذ تتبنى مطالب “إسرائيل” أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وتسعى إلى تحقيق ما فشل فيه المحتلّ من خلال الضغط على المقاومة سياسيًّا واقتصاديًّا.
وعلى النقيض من المواقف العربية المتخاذلة، جاء إعلان قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك الحوثي، في 7 رمضان، بمثابة رسالة قوية إلى “إسرائيل” وحلفائها، وأمهل السيد الحوثي الإسرائيليين 4 أَيَّـام للسماح بإدخَال المساعدات إلى غزة، ملوِّحًا بإجراءات عسكرية في حال عدم تنفيذ ذلك.
المثير في الأمر أن هذا التهديد لم يُؤخذ باستخفاف، بل تعاملت معه الإدارة الأمريكية بجدية تفوق تعاملها مع تهديدات أنظمة عربية لها جيوش وأسلحة متطورة، وهو ما يعكس تراجع النفوذ الإسرائيلي، مقابل تصاعد تأثير القوى الإقليمية غير التقليدية.
“إسرائيل” في مأزق: حماس تفرض شروطها وأمريكا تفتح قنوات اتصال
ومع فشل الكيان الإسرائيلي في إجبار حماس على الاستسلام، اضطرت واشنطن إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع الحركة، وهو تطور يعكس واقعًا جديدًا في الصراع؛ إذ لم تعد أمريكا قادرة على لعب دور الوسيط النزيه، بل باتت طرفًا فاعلًا يعترف ضمنيًّا بفشل “إسرائيل” في فرض إرادتها.
وفي الوقت الذي يفضِّلُ فيه “نتنياهو” المماطلة، يسعى “ترامب” لتحقيق إنجاز دبلوماسي سريع من خلال التفاوض مع حماس، وهو ما يضع “إسرائيل” في موقف حرج، حَيثُ أصبحت مضطرة إلى التنسيق مع واشنطن بدلًا عن أن تفرض شروطها عليها.
واللافت -بحسب خبراء- أن تهديدات السيد الحوثي تزامنت مع تطورات التباطؤ في ملف المفاوضات؛ ما يثير التساؤلات حول مدى تأثيرها على الموقف الإسرائيلي، إلا أن الإجَابَة كانت مفاجئة للكثير؛ إذ أَدَّت تلك التهديدات إلى إجبار “نتنياهو” على التراجع عن تصلبه والدخول في مفاوضات غير مباشرة عبر أمريكا، ما يعني أن اليمن أصبح لاعبًا إقليميًّا قادرًا على التأثير في الحسابات الإسرائيلية أكثر من بعض الأنظمة العربية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه “إسرائيل” إغلاق معبر كرم أبو سالم ومنع المساعدات، بدعم من القوى المهيمنة، يثبت الفلسطينيون، أن إرادَة المقاومة أقوى من الحصار، وبينما يخون بعض العرب القضية الفلسطينية، يبرز آخرون –مثل الشعب اليمني– كداعمٍ حقيقي لغزة، ليؤكّـدوا أن فلسطين لا تحتاج إلى بيانات جوفاء، بل إلى مواقف صادقة على الأرض.
وعليه؛ فَــإنَّ الصراع لم يُحسم بعد، لكن ما هو واضح أن المعركة لم تعد تدور فقط بين “إسرائيل” والمقاومة، بل بين محورين: أحدهما يسعى لتصفية القضية، والآخر يصرّ على الدفاع عنها مهما كلف الثمن.