الاختراق الفكري والثقافي: حرب ناعمة تستهدف الأُمَّــة الإسلامية
محمد عبدالمؤمن الشامي
لم يعد الصراع مع المشروع الصهيوني محصورًا في ساحات القتال أَو في دهاليز السياسة، بل انتقل إلى ميدان أكثر خطورة وأشد فتكًا، حَيثُ تُخاض حربٌ شرسة على العقول والثقافات والعقائد، تُستخدم فيها الأدوات الإعلامية والتكنولوجية لاختراق الوعي الجماعي للأُمَّـة الإسلامية. وكما حذّر السيد القائد عبد الملك الحوثي، فَــإنَّ اليهود في هذا العصر ينشطون بشكل مكثّـف لاختراق الفكر والثقافة والعقيدة، مستخدمين وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمؤسّسات الثقافية، لبثّ سمومهم الفكرية، وإعادة تشكيل وعي الشعوب بما يخدم مشروعهم.
إعلام مضلل.. وخطط ممنهجة:
لم يكن تحكّم اليهود في أدوات الإعلام وليد العصر الحديث، بل هو امتداد لاستراتيجية قديمة اعتمدت على السيطرة على الصحف والمؤسّسات الإعلامية الكبرى، والتأثير على الرأي العام العالمي. فمنذ بدايات القرن العشرين، عملت الحركة الصهيونية على توظيف الصحافة الغربية لترسيخ فكرة “الشعب المختار” و”المظلومية اليهودية”، ممهّدة بذلك لإنشاء كيان الاحتلال على أرض فلسطين.
واليوم، تتخذ هذه الاستراتيجية بُعدًا أكثر تعقيدًا، حَيثُ تسيطر اللوبيات الصهيونية على شبكات إعلامية ضخمة، مثل CNN وBBC وFox News، التي تعمل ليل نهار على تشويه الحقائق، وتلميع صورة الاحتلال، وتقديم الرواية الصهيونية؛ باعتبَارها “الحقيقة المطلقة”. ولا يقتصر الأمر على الإعلام الغربي، بل تمتد الهيمنة إلى بعض الوسائل الإعلامية العربية التي تتبنى خطابًا منحرفًا يهدف إلى تمييع القضايا المصيرية، وتغييب الوعي المقاوم، وترويج ثقافة الانهزام والاستسلام.
الاختراق الثقافي: تطبيع مُقنّع
إلى جانب الإعلام التقليدي، تستخدم الصهيونية القوة الناعمة لاختراق المجتمعات الإسلامية عبر أدوات الثقافة والفنون. فالمسلسلات والأفلام التي تنتجها هوليوود تحمل رسائل خفية تخدم المشروع الصهيوني، حَيثُ يتم تصوير العرب والمسلمين على أنهم إرهابيون ومتطرفون، بينما يتم تقديم اليهود على أنهم ضحايا مسالمون أَو عباقرة ساهموا في تقدم البشرية.
كما أن بعض الإنتاجات العربية، الممولة من جهات غربية، تعمل على ترسيخ التطبيع الثقافي، من خلال تقديم شخصيات إسرائيلية ودودة، والترويج لفكرة “التعايش السلمي”، في محاولة لإعادة تشكيل وعي الشعوب بحيث تتقبل الاحتلال كأمر واقع، وتتخلى عن مقاومته.
مواقع التواصل الاجتماعي: أدوات استعمار رقمي
في العصر الرقمي، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا يستخدمه اللوبي الصهيوني لاختراق العقول والتأثير على الرأي العام. فمن خلال التحكم بالخوارزميات، يتم الترويج للمحتوى الداعم للصهيونية، بينما يتم حجب أَو حذف أي محتوى يكشف جرائم الاحتلال أَو يدعم المقاومة.
ومن أبرز الأساليب المستخدمة في هذا المجال:
الرقابة الرقمية: حَيثُ يتم حظر الحسابات التي تنشر حقائق عن الاحتلال، كما حدث مع العديد من الناشطين الفلسطينيين والعرب الذين مُنعت منشوراتهم أَو أُغلقت حساباتهم على Facebook وTwitter.
التضليل الإعلامي: من خلال نشر الأكاذيب والشائعات، والتلاعب بالمعلومات لصالح الاحتلال.
إغراق الفضاء الرقمي بالمحتوى التافه: بهَدفِ إبعاد الشباب عن قضايا الأُمَّــة وإشغالهم بثقافة الاستهلاك والتفاهة.
الاختراق العقائدي: ضرب الهُوية الإسلامية من الداخل
إلى جانب السيطرة على الإعلام والثقافة، تسعى الصهيونية إلى ضرب العقيدة الإسلامية من الداخل، عبر نشر أفكار منحرفة تستهدف زعزعة الإيمان، وإضعاف الارتباط بالهوية الإسلامية. ومن أخطر هذه المخطّطات:
التشكيك في فريضة الجهاد والمقاومة: عبر تصويرها على أنها “إرهاب” يجب التخلص منه.
الترويج للعلمانية المتطرفة: من خلال نشر فكرة أن الدين لا علاقة له بالحياة العامة، وأن الحل الوحيد لمشاكل المسلمين هو تبني القيم الغربية.
تفكيك المنظومة الأخلاقية: عبر نشر ثقافة الانحلال، والترويج لمفاهيم غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية؛ بهَدفِ إضعاف النسيج الاجتماعي وتفتيت الهوية الإسلامية.
كيف نواجه هذه الحرب الناعمة؟
في ظل هذا الاختراق الخطير، لا بد من تبني استراتيجية مضادة تحصّن الأُمَّــة وتحافظ على هويتها. ومن أبرز الخطوات التي يجب اتِّخاذها:
- تعزيز الوعي الثقافي والإعلامي: من خلال كشف أساليب التضليل، وتوعية الشعوب بمخاطر الحرب الناعمة.
- دعم الإعلام المقاوم: عبر إنشاء منصات إعلامية مستقلة تحمل الرواية الحقيقية، وتفضح المخطّطات الصهيونية.
- إطلاق حملات رقمية مضادة: لمواجهة الدعاية الصهيونية ونشر المحتوى الداعم للقضايا الإسلامية العادلة.
- إعادة بناء الهوية الإسلامية: عبر تطوير المناهج التعليمية، وتعزيز الثقافة الإسلامية في مواجهة الغزو الفكري.
- مقاطعة الأدوات الإعلامية الصهيونية: عبر الامتناع عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تروّج للتطبيع، ودعم الإنتاجات الفنية التي تخدم قضايا الأُمَّــة.
معركة الوعي مُستمرّة:
إن ما نواجهه اليوم ليس مُجَـرّد محاولات اختراق عابرة، بل هو جزء من حرب فكرية شاملة تستهدف جوهر الأُمَّــة الإسلامية، وتسعى إلى تفكيك بنيتها العقائدية والثقافية. وكما أن المقاومة المسلحة هي السبيل لحماية الأرض، فَــإنَّ المقاومة الفكرية والإعلامية هي السلاح الذي يحمي العقول من السقوط في فخ التضليل والانحراف.
وفي هذا السياق، يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي:
“اليهود في هذا العصر لهم نشاط هائل، ويركِّزون على الاختراق الفكري، والثقافي، والعقائدي، ولهم ناشطون، كُتَّاب يكتبون في مواقع التواصل وغيرها، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية التي هي منابر للضلال، وتستخدم للضلال من قِبَلِهِم، القنوات التابعة للمضلين”.
إن الوعي هو خط الدفاع الأول في هذه المعركة، وَإذَا كان العدوّ قد نجح في احتلال بعض الأراضي، فَــإنَّه لن يتمكّن أبدًا من احتلال العقول والقلوب إلا إذَا سمحنا له بذلك. لذلك، فَــإنَّ مسؤولية كُـلّ فرد في هذه الأُمَّــة أن يكون على قدر التحدي، وأن يدرك أن الصراع مع الصهيونية ليس فقط صراعًا على الأرض، بل هو معركة هوية ووجود، لا مجال فيها للتهاون أَو الانهزام.