ترامب يستأنف العدوان على اليمن إسنادًا لـ “إسرائيل”: نحو هزيمة أمريكية جديدة

بعد استئناف الحصار البحري على كيان العدوّ..

– واشنطن تجدد اعتداءاتها على اليمن وارتقاء شهداء وجرحى من المدنيين

– تطابق دوافع ووسائل إدارتي “ترامب” و “بايدن” يعكس حتمية تكرار الفشل

– نيويورك تايمز: الإدارة السابقة نفذت غارات مماثلة ولم تتمكّن من استعادة “الردع”

 

المسيرة | خاص:

استأنفت إدارة ترامب، السبت، العدوان الأمريكي المباشر على اليمن والذي بدأته إدارة بايدن مطلع العام الماضي؛ إسنادًا للعدو الصهيوني، مندفعة بذلك نحو هزيمة جديدة، لا تحتاج إلى انتظار بروز ملامحها، فاعتراف ترامب نفسه بفشل الإدارة السابقة يشكل خلفية واضحة للفشل الجديد، خُصُوصًا وأن قادة ومسؤولي الجيش الأمريكي قد أكّـدوا على مدار أكثر من عام، وبشكل واضح على انسداد أفق مسار “الردع” ضد اليمن، الذي لا يزال يحرق المراحل في تطوير قدراته العسكرية مثبتاً معادلات التحول التاريخي الذي صنعه في معركة البحر الأحمر، بما في ذلك معادلات تعطيل فاعلية الأساطيل البحرية الأمريكية وتحويلها إلى عبء على أصحابها.

العدوان الجديد -الذي أسفر عن ارتقاء 18 شهيدًا وجريحًا وفقًا لحصيلة أولية- جاء بعد أَيَّـام من إعلان القوات المسلحة اليمنية استئناف حظر مرور السفن الصهيونية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي؛ رَدًّا على قيام العدوّ بمنع إدخَال المساعدات إلى غزة، في خطوة أكّـد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أنها لن تأتيَ ضمن مسار تصعيد مفتوح “كلّ الخيارات فيه مطروحة”، وقد كان العدوّ صريحًا في تعويله على إدارة ترامب للتدخل؛ مِن أجلِ مواجهة القرار اليمني، وبالتالي فَــإنَّ قرار إدارة ترامب جاء متطابقًا مع قرار إدارة بايدن فيما يتعلق بالدافع الرئيسي وهو الإسناد للعدو الصهيوني.

أما ما ذكره ترامب في إعلانه عن العدوان الجديد بشأن الحاجة إلى فتح البحر الأحمر أمام السفن الأمريكية فتضليلٌ مكشوف؛ إذ أكّـدت جميع مراكز المعلومات البحرية خلال الفترة الماضية التزام القوات المسلحة اليمنية برفع الحظر عن السفن غير المملوكة للعدو الصهيوني، منذ وقف إطلاق النار في غزة، وقد تم تسجيل عبور عدة سفن مرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا في أواخر يناير الماضي، وبالتالي فَــإنَّ مساندة العدوّ الصهيوني لمواجهة عودة الحظر البحري اليمني كانت هي المحرك الأَسَاسي للعدوان الأمريكي.

ويمكن القول إن تطابق دوافع العدوان لدى إدارة ترامب وإدارة بايدن، يمثل مؤشرًا على تطابق مصير تحَرّكاتهما ضد اليمن، وبرغم أن ترامب حاول أن يبرّر هزيمة البحرية الأمريكية في معركة البحر الأحمر، بـ”ضعف” إدارة بايدن، وقال إنه “مر أكثر من عام منذ أن أبحرت سفينة تجارية تحمل العلم الأمريكي بسلام عبر قناة السويس أَو البحر الأحمر أَو خليج عدن، وتعرّضت آخر سفينة حربية أمريكية عبرت البحر الأحمر، قبل أربعة أشهر، لهجوم يمني لأكثر من اثنتي عشرة مرة” فَــإنَّ هذه التصريحات تمثل في الواقع دلائل مبكرة على انسداد الأفق أمام الإدارة الجديدة؛ لأَنَّ بايدن لم يقف متفرجًا كما يحاول ترامب أن يدّعي بل أرسل أربع مجموعات من حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية المرافقة لها، وشن مئات الغارات الجوية والبحرية على اليمن، وحاول التحشيد إقليميًّا ودوليًّا ضد اليمن، واستخدم أوراق ضغط سياسية واقتصادية ضد صنعاء، لكنه فشل حتى في حماية السفن التجارية والحربية الأمريكية، فضلاً عن الملاحة الصهيونية، واستئناف القصف الجوي ضد اليمن ليس نهجًا مختلفًا عن نهج إدارة بايدن، كما يحاول ترامب أن يظهر، بل تكرارٌ له.

هذا ما أشَارَت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” أَيْـضًا التي علقت على خبر الغارات الأمريكية الجديدة بالقول: إن “إدارة بايدن نفذت عدة ضربات مماثلة ضد الحوثيين، لكنها فشلت إلى حَــدٍّ كبير في استعادة قوة الردع في المنطقة” مذكرة بأن “أجهزة الاستخبارات الأمريكية واجهت صعوبات في الماضي في تحديد مواقع الأسلحة التي ينتجها الحوثيون في مصانع تحت الأرض” حسب تعبيرها.

وبالتالي فَــإنَّ عنوان “الحسم” الذي وضعه ترامب لعدوانه على اليمن ليس سوى دعاية بلا أَسَاس؛ لأَنَّ المشاكل الأَسَاسية التي تواجه الجيش الأمريكي؛ مِن أجلِ تحقيق هذا الحسم لا زالت قائمة، بما في ذلك مشكلة “العمى الاستخباراتي”، حَيثُ أكّـد مسؤول في البنتاغون مؤخّرًا أن الترسانة اليمنية لا زالت تشكل “لغزاً محيراً” للولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الغارات الجوية مُجَـرّد استعراض إجرامي لا طائل منه، بل إن نتائجه ستكون عكسية؛ إذ كتب كبير استشاريي شركة (إي أو أي ريسك جروب) البريطانية للأمن البحري، أن الغارات على اليمن ستعيد الهجمات اليمنية على السفن الأمريكية.

ومن تطابق الدوافع إلى تطابق القصف الجوي، فَــإنَّ إدارة ترامب لن تمتلك أي حَـلّ جديد لحماية سفنها التي ستصبح في دائرة الاستهداف بلا شك ردًّا على الغارات الجديدة، وستلجأ إلى إرسال سفنها الحربية وحاملات طائراتها، وهي خطوة لن تصبح “حاسمة” فقط لمُجَـرّد أن ترامب قال ذلك، فقد تصدر عنوان “هزيمة البحرية الأمريكية” واجهة المشهد العام الماضي بناء على اعترافات واضحة لقادتها باستحالة تحقيق أي ردع ضد اليمن، وبأن القوات الأمريكية تواجه تحديات غير مألوفة تحول حاملات الطائرات إلى “عبءٍ” وتستنزف الذخائر الدفاعية ذات التكلفة الهائلة، وهي مشاكل لا زالت قائمة ولم تتغير، بل إن تطور قدرات القوات المسلحة قد ضاعف هذه المشاكل، حَيثُ تحدثت تقارير أمريكية مؤخّرًا عن تطور في أنظمة الدفاع الجوي اليمنية، وعن تقنيات جديدة تجعل المسيّرات اليمنية أكثر قدرة على التخفي وقطع مسافات أطول، وهو ما يشكل “عنصر مفاجأة ضد القوات الأمريكية والإسرائيلية” بحسب تعبير باحث عسكري تحدث لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وبالتالي فَــإنَّ حديث ترامب عن “الحسم” لا يعتمد في الحقيقة على أي واقع، وَإذَا كانت الإدارة الحالية تعتقد أن قرار التصنيف، والجرأة على استهداف مواقع مدنية بشكل أكبر، يعتبر تغييراً حقيقيًّا و”حاسماً” في التعامل مع اليمن، فَــإنَّ ذلك يعبر عن سوء تقدير فاضح، فقد سبق لإدارة بايدن أن استخدمت نفس وسائل الضغط السياسية والاقتصادية المرجوة من قرار التصنيف الأخير، وقد استهدف العدوّ الصهيوني مواقع ومنشآت مدنية وأوقع شهداء وجرحى، ولم يتحقّق أي شيء، بل إن هذه الوسائل الإجرامية قد استخدمت بما يفوق نطاقها ودرجتها الحالية في فترة العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن، ولم يتحقّق أي شيء.

وفيما تبدو كُـلّ خيارات إدارة ترامب مكرّرة، ومجرَّبة، وقابلة للتنبؤ، فَــإنَّ هناك على الجهة المقابلة أُفُقاً مفتوحاً من المفاجآت والاحتمالات المرعبة جِـدًّا للولايات المتحدة فيما يتعلق بردود القوات المسلحة، خُصُوصًا في ظل تعمد إدارة ترامب استهداف المدنيين بشكل أوسع، والتطور المُستمرّ للقدرات اليمنية، وقد ناقشت وسائل الإعلام الأمريكية خلال الفترة الماضية، مسألة سقوط قتلى من أفراد البحرية الأمريكية وإصابة سفن حربية بشكل بالغ، ومع ذلك فالمستوى الذي وصلت إليه القوات المسلحة في الجولة السابقة من الاشتباك مع القوات الأمريكية كان متقدماً بما يكفي لإلحاق هزيمة واضحة بالبحرية الأمريكية، واستنزاف قدراتها، وتكبيد الاقتصاد الأمريكي خسائر كبيرة، وهو مستوى لا زالت إدارة ترامب بعيدة مثل إدارة بايدن تمامًا عن تجاوز تحدياته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com