“التصعيد بالتصعيد”: اليمن يحاصر إدارةَ “ترامب” بمفاعيل هزيمة “بايدن”

– القوات المسلحة تهاجمُ حاملة الطائرات (ترومان) وعددًا من قطعها الحربية بـ18 صاروخًا ومسيرة

– السفن الحربية والتجارية الأمريكية تعود إلى قائمة الأهداف اليمنية

– القائد يعلن امتلاكَ خيارات تصعيد إضافية في حال استمرار العدوان الأمريكي

– مسؤولون أمريكيون سابقون: اليمنيون تكيَّفوا لسنوات مع التصعيد الجوي والغارات لن تردعَهم

 

المسيرة | ضرار الطيب

على وقع رَدٍّ عسكري مباشر نفذته القوات المسلحة اليمنية واستهدف حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان) وعددًا من السفن الحربية التابعة لها، وضع السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي معادلة “مواجهة التصعيد بالتصعيد” كعنوان أَسَاسي لموقف اليمن من العدوان الأمريكي الجديد، معلنًا عن عودة الحظر البحري على السفن الأمريكية في منطقة العمليات اليمنية، وملوحًا بخيارات تصعيدية إضافية في حال استمر العدوان الذي لم تفلح محاولات إدارة ترامب لتضخيمه في التغطية على دلالات الفشل التي حملها منذ لحظة انطلاقه والتي بدأ خبراء أمريكيون يتحدثون عنها بصراحة.

السيد القائد كشف أن القوات المسلحة قامت بالرد على العدوان الأمريكي الجديد في ليلته وبشكل مباشر، في عملية كشف المتحدث العسكري العميد يحيى سريع أنها استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية (يو إس إس هاري ترومان) شمالي البحر الأحمر، وعددًا من السفن الحربية التابعة لها شمال البحر الأحمر، بـ18 صاروخًا بالستيًّا ومجنحًا وطائرة مسيرة، وهو ما شكل صفعة سريعة لإدارة ترامب التي وضعت عنوان “الحسم” لعدوانها على اليمن، وصورته كعملية خاطفة و”قاضية”، حَيثُ برهنت العملية على استمرار فشل الجيش الأمريكي ليس فقط في التأثير على القدرات العسكرية اليمنية المادية، بل حتى في التأثير على جاهزية القوات المسلحة للتعامل مع أي تطور مهما كان حجم العدوان.

القوات المسلحة أعلنت في بيانها أَيْـضًا عن إعادة كافة القطع الحربية الأمريكية إلى قائمة أهداف اليمن، في منطقة العمليات بالبحرَين الأحمر والعربي، ضمن عنوان “مواجهة التصعيد بالتصعيد” الذي أكّـد عليه السيد القائد، وأعلن أَيْـضًا أنه سيشمل حظر الملاحة التجارية الأمريكية في منطقة العمليات اليمنية، وهو ما يوجه صفعة إضافية لإدارة ترامب التي حاولت تبرير عدوانها بعنوان “حماية السفن الأمريكية الحربية والعسكرية”، حَيثُ يشكل الرد اليمنية نتيجة عكسية مباشرة للعدوان الأمريكي، خُصُوصًا بالنظر إلى أن الحظر على السفن التجارية الأمريكية كان قد رُفع بعد وقف إطلاق النار في غزة، حتى أنّ مراكز المعلومات الملاحية وثقت عبور عدة سفن مرتبطة بالولايات المتحدة في منطقة العمليات اليمنية نهاية يناير الماضي.

ويشكل الرد اليمني في مسار استهداف السفن الحربية والتجارية الأمريكية تحديًا مهينًا لإدارة ترامب التي قال وزير حربها: إن “الغارات على اليمن لن تتوقف حتى تعلن صنعاء أنها ستوقف الهجمات على السفن الأمريكية”، حَيثُ يضع مثل هذا الإعلان الولايات أمام حرب “طويلة” تتناقض تمامًا مع الحملة “الحاسمة” التي أراد ترامب إطلاقها، بل تعيد الإدارة الجديدة إلى مأزق سابقتها فيما يتعلق بمخاطر الاستنزاف وإرهاق البحرية.

ومع ذلك، فَــإنَّ الرد اليمني لن يتوقف على هذا المسار، حَيثُ أكّـد السيد القائد امتلاك “خيارات تصعيدية أُخرى” في حال استمر العدوان الأمريكي، وهو ما يؤكّـد الاستعداد المسبق لسيناريو التصعيد الأمريكي بما يتجاوز توقعات البيت الأبيض وحساباته، وقد عزز القائد هذا التأكيد بالإشارة إلى أن هذا التصعيد “سيسهم في تطوير القدرات اليمنية بشكل أكبر” وهو أمر ثبتت صحتُه بشكل ملموس ومدهش في الجولة السابقة، حَيثُ خرجت القوات المسلحة من معركة البحر الأحمر بقدرات وتكتيكات متقدمة لم تكن تمتلكها من قبل، واستطاعت تطويرها خلال المعركة لتجاوز التحديات التقنية الأمريكية، بينما في المقابل اصطدمت البحرية الأمريكية بعدم جدوى الكثير من وسائلها وأدواتها وتكتيكاتها، واضطرت لبذل جهود أكبر لتطوير استراتيجيات الهروب!

وفيما تعكس معادلة “مواجهة التصعيد بالتصعيد” ومساراتها المعلنة وغير المعلنة بعد، خطأ حسابات الإدارة الأمريكية واستحالة تحقيق أهداف عدوانها على اليمن، فَــإنَّ حتمية الفشل قد ظهرت مبكرة أَيْـضًا في التقييمات الأولية لخبراء ومسؤولين سابقين أمريكيين؛ فبعد ساعات من إعلان العدوان الجديد نقل مركز أبحاث “المجلس الأطلسي” الأمريكي، عن دانيال أي. موتون، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، قوله إنه: “ما بين مارس 2015، ومارس 2022، قام التحالف بقيادة السعوديّة بتشغيل طائرات أمريكية وأُورُوبية حديثة، وأطلق ذخائر موجهة بدقة، وتلقى دعمًا عسكريًّا أمريكيًّا، ومع ذلك فشلت سبع سنوات من الغارات الجوية في تثبيط قدرة الحوثيين على شن ضربات مضادة ضد البنية التحتية للطاقة والطيران والبنية التحتية الأُخرى في السعوديّة” حسب تعبيره، مُشيرًا إلى أنه “في مواجهة الكمية الهائلة من الذخائر التي أسقطها التحالف بقيادة السعوديّة على اليمن وكمية صواريخ الدفاع الجوي السعوديّة التي أطلقت على الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية، أظهر اليمنيون قدرتهم على زيادة هجماتهم بمرور الوقت”.

وَأَضَـافَ أن نجاح القوات المسلحة اليمنية -في التكيف مع الغارات الجوية خلال فترة العدوان السعوديّ- أجبر الرياض على عدم الاشتراك في الحملة الأمريكية البريطانية ضد اليمن والتي “أظهر الحوثيون أمامها نفس مستوى الصمود الذي أظهروه ضد التحالف الذي تقوده السعوديّة” حسب تعبير موتون الذي خلص إلى أنه نظرًا لهذه التجارب “فمن غير المرجح أن تؤدي الجولة الحالية من الغارات الجوية إلى تحقيق الردع”.

ونقل المركز الأمريكي عن الباحثة البارزة إميلي ميليكين قولها: إن اليمنيين “أثبتوا مرونتهم في الماضي، وظلوا قادرين على تشكيل تهديد إقليمي بعد الضربات المتتالية التي شنها التحالف بقيادة السعوديّة، ومؤخّرًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.

وقال أليكس بليتساس -الرئيس السابق لأنشطة للعمليات الخَاصَّة ومكافحة الإرهاب في مكتب وزير الحرب الأمريكي-: إن قدرة القوات المسلحة اليمنية على التكيف “جعلت قمعَها أمرًا صعب المنال” حسب ما ذكر “المجلس الأطلسي” الذي نقل أَيْـضًا أندرو بورين، وهو مسؤول كبير سابق في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية قوله: إن الولايات المتحدة تحتاج إلى “نهج تحالفي أشمل” ضد اليمن وأنه بدون ذلك فَــإنَّ “الغارات الجوية لن تكفي” مشيرًا إلى أن القوات المسلحة اليمنية لا تزال محتفظة بقدراتها “برغم سنوات من الغارات الجوية وبعض الهجمات البرية التي قادتها المملكة العربية السعوديّة، بالإضافة إلى الضربات الأمريكية والبريطانية المركزة خلال العام الماضي”.

وَأَضَـافَ بورين: “لقد تكيّفوا مع تكتيكات غير متكافئة، ودفاعات محصنة”.

هذا الإجماعُ الواضحُ على عدم فعالية الغارات الأمريكية يشيرُ إلى أن إدارة ترامب تواجه فعلًا ومنذ اللحظة الأولى نفس المأزق الذي واجهته سابقتها فيما يتعلق باليمن، وهو أن “استراتيجيات الردع التقليدية لا يمكنُ تطبيقها” وفقًا لتعبير قائد الأسطول الأمريكي الخامس جورج ويكوف، وهذا يعني أنه لن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ جولة جديدة من الاعترافات بالفشل في تصدر واجهة المشهد على مستوى وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية فيما يتعلق بالعدوان الجديد.

ووفقًا لذلك، ومثلما كان وقف عدوان الإبادة الجماعية على غزة هو الحل الوحيد لوقف العمليات اليمنية في الجولة السابقة، فَــإنَّ إدخَال المساعدات إلى غزة ووقف العدوان على اليمن، سيبقى الوسيلة الوحيدة أمام إدارة ترامب لتجنب الوقوع في هزيمة أمريكية ثانية أمام اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com