عدوان واشنطن: إعلان عجز أمام صمود جبال اليمن الشامخة
محمد عبدالمؤمن الشامي
في فصلٍ جديدٍ من تاريخ الهيمنة والاستعمار، شنت الولايات المتحدة عدوانًا غادرًا على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية. هذا الهجوم يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن واشنطن لم تكن يومًا مُجَـرّد داعمٍ للكيان الصهيوني، بل شريكٌ أصيل في جرائمه بحق شعوب المنطقة. جاء هذا العدوان السافر في محاولةٍ يائسة لمعاقبة اليمنيين على موقفهم المبدئي في دعم فلسطين، وعلى تصدرهم لجبهة المواجهة ضد المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة.
لم يكن هذا العدوان الغاشم سوى حلقةً جديدةً في مسلسل العربدة الأمريكية، ومحاولةً فاشلةً لإخضاع شعبٍ لم يعرف الهزيمة يومًا. فالولايات المتحدة، التي عجزت عن كسر إرادَة اليمنيين عبر الحصار والتجويع، لجأت إلى صواريخها وطائراتها، متوهمةً أن بإمْكَانها فرض معادلات جديدة بالقوة. لكنها تناست أن هذا الشعب، الذي واجه تحالفًا عالميًّا طيلة سنوات، لا تزيده النيران إلا بأسًا، ولا يولد من تحت الركام إلا أكثر إصرارا على المواجهة. ما جرى ليس مُجَـرّد عدوان، بل إعلان عجزٍ أمريكي أمام صمودٍ يُربك حسابات الطغاة، ويُفشل كُـلّ رهاناتهم الواهمة على إخضاع اليمن.
إن ما حدث يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة لم تعد تملك سوى سلاح القوة الغاشمة، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها عبر الحصار السياسي والاقتصادي. فحين تعجز واشنطن عن فرض مشاريعها بالضغوط الدبلوماسية، تلجأ إلى القصف المباشر، ظنًا منها أن بإمْكَانها إخضاع الشعوب الحرة كما تفعل مع الأنظمة التابعة لها. لكن اليمن ليس من تلك الدول التي تُشترى مواقفها أَو تُلوى ذراعها، بل هو أرضٌ عصيةٌ على الانكسار، وشعبٌ لا يُهادن في قضاياه المصيرية.
لقد تجاوز العدوان الأمريكي على اليمن البعد العسكري ليصبح إعلان حربٍ على كُـلّ مشروع مقاوم في المنطقة، ومحاولةً لترسيخ هيمنة واشنطن بأي ثمن. لكن ما لم تدركه الإدارة الأمريكية هو أن هذه الاعتداءات لن تزيد اليمنيين إلا ثباتًا، ولن تدفعهم إلا نحو مزيدٍ من الصلابة في مواجهة كُـلّ مشاريع الاحتلال والاستعمار الجديد. فمن أراد كسر إرادَة هذا الشعب، فهو كمن يحاول تحطيم الجبال بأيدٍ واهنة، ومن راهن على إخضاعه، فقد حكم على نفسه بالهزيمة المحتومة.
في اليمن، لا تُكسر الإرادَة بالقصف، ولا تُطفأ جذوة الصمود بالنار. من راهن على إخضاع هذا الشعب بالحديد والنار، لم يقرأ تاريخ اليمن، ولم يدرك أن هذه الأرض مقبرةٌ لكل غازٍ ومستعمر. هنا، لا تُكتب المعادلات بالقوة، بل تُرسم بدماء الأحرار، ولا مكان فيها للضعفاء والمتخاذلين. فليحشد المعتدون أساطيلهم، وليزجّوا بترساناتهم، فلن يحصدوا إلا الخيبة، ولن يجدوا إلا الموت الزؤام على يد رجالٍ لا يعرفون إلا النصر أَو الشهادة. فاليمن ليس مُجَـرّد أرضٍ تُغزى، بل هو قدرٌ أسود يلاحق الطغاة، وقوةٌ لا تُكسر، وإرادَة لا تُقهر!
إن الشعب اليمني، الذي يواجه أعتى قوى العدوان، يؤكّـد يومًا بعد يوم تمسكه بقضيته الفلسطينية، رافضًا كُـلّ محاولات التطبيع والتخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني. هذا الموقف الثابت يعكس أصالة الشعب اليمني ورفضه لكل أشكال الظلم والاضطهاد، ويثبت أن اليمن سيظل سندًا لفلسطين وقضيتها العادلة مهما كانت التضحيات.