“نتنياهو” يُشعل غزة مجددًا: بإيعاز من “ترامب”.. الدم الفلسطيني يُغطِّي المشهدَ وصفقة القرن تُبعَثُ من تحت الرماد
المسيرة | عبد القوي السباعي
لم يكن وقف إطلاق النار في غزة سوى فصل عابر في “مسلسل الدم المفتوح”، فكيان الاحتلال الإسرائيلي، بقيادة مجرم الحرب “نتنياهو”، عاد لينقض الاتّفاق ويعيد العدوان، في مشهدٍ يعكس مزيجًا من المصلحة السياسية والانتهازية الدموية، في ظل صمتٍ أممي وعربي رهيب.
في تفاصيل المشهد؛ وتحديدًا فجر الثلاثاء، استكمل العدوّ الصهيوني حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، استُشهد على إثرها مئات المواطنين الفلسطينيين إضافة إلى عشرات المُصابين والمفقودين، في سلسلة مجازر دموية واسعة، بعدَما شنت طائرات العدوّ غارات واسعة متزامنة، على أرجاء قطاع غزة، مُستهدفًا المنازل والمساجد والمدارس ومراكز الإيواء وخيام النازحين.
وأكّـدت مصادر طبية فلسطينية ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين، الذين ارتقوا جرّاء الغارات التي تشنّها طائرات الاحتلال الصهيوني في استئنافٍ شاملٍ لحرب الإبادة الجماعية التي لم تتوقف منذ 18 شهرًا، إلى 400 شهيد.
في هذا التقرير، تغوص “صحيفة المسيرة” في عمق الحدث الناشئ المتمثل بقرار الانقلاب على الهدنة واتّفاق وقف إطلاق النار، وتدرس حيثياته التي لم تكن قرارًا أمنيًّا بحتًا، بل كان خطوة مدروسة، ومسنودة بدعمٍ أمريكي صريح من الرئيس “دونالد ترامب”، لتحقيق أهداف متشابكة في لعبة المصالح الإقليمية والدولية، ومحاولة بعث صفقة القرن من تحت الرماد.
“نتنياهو-ترامب”.. تحالف المعتوه مع المأزوم:
مجرم الحرب “نتنياهو”، العالق في أزمة سياسيةٍ وأمنيةٍ خانقة، وجد في استئناف الحرب على غزة طوق نجاة سياسي، بعدما تضاعفت الضغوط عليه من داخل حكومته ومن الرأي العام الإسرائيلي.
وتظهر المعطيات أن فشل “نتنياهو” في إدارة تداعيات معركة “طوفان الأقصى”، وتصاعد التوتر مع الأجهزة الأمنية، خَاصَّة مع رئيس “الشاباك” الصهيوني “رونين بار”، دفعه إلى الهروب للأمام عبر تصعيدٍ خارجي، فالحرب باتت له وسيلة لتمرير ميزانية حكومية متعثرة، وتسكين الخلافات مع شركائه اليمينيين والدينيين في الائتلاف، بعد أن تآكلت الثقة بين مكونات الحكومة، وبات شبح سقوطها يلوح في الأفق.
في الخلفية، يقف المعتوه “ترامب” كمحرِّكٍ أَسَاسي خلف قرار التصعيد، فهو الذي يروّج لأجندة غير ديمقراطية داخل الولايات المتحدة وخارجها، يرى في إشعال جبهة غزة جزءًا من معادلة إقليمية معقّدة، عنوانها: “عدو خارجي لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية”.
ويشير مراقبون إلى أن التنسيق بين “تل أبيب وواشنطن” أعمقُ من مُجَـرّد دعم سياسي، بل يرتكز إلى خطة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط عبر تصفية قوى المقاومة، من “اليمن إلى غزة”، وُصُـولًا إلى “إيران”، في مشروعٍ “إسرائيلي-أمريكي مشترك”، يُعيدُ للأذهان مفهوم “إسرائيل الكبرى”.
“سموتريتش – بن غفير” وصقور اليمين المتطرف: وقود الحرب الجديدة
في الإطار؛ لا يمكن فصل عودة الحرب عن الضغوط التي يمارسها صقور اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية، فشخصيات مثل “بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير” دفعت نحو خيار التصعيد، واعتبرت استمرار وقف إطلاق النار خيانة للنهج الصهيوني المتشدّد، ويبرز هنا اتّفاق “نتنياهو مع جدعون ساعر” لضم حزبه “أمل جديد” إلى الليكود، وعودة “بن غفير” للحكومة مقابل استئناف الحرب، ما يؤكّـد أن القرار كان في جوهره سياسيًّا بامتيَاز.
وبحسبِ خبراءَ عسكريين، فَــإنَّ المخاطر التي تحيط بكيان العدوّ الإسرائيلي باتت أوضح من أي وقتٍ مضى، فرغم الضربات الجوية المكثّـفة والاستعدادات لعمليةٍ برية قد تكون الأكثر تدميرًا في تاريخ قطاع غزة، إلا أن الشكوك تتزايد داخل المنظومة الأمنية والعسكرية حول جدوى هذا الخيار.
تصريحاتُ رئيس “الموساد” السابق الصهيوني “تمير باردو”، التي اتهم فيها “نتنياهو” بأنه “يشكّل خطرًا على أمن الدولة”، حَــدّ وصفه، تعبّر عن حالة التذمر والانقسام داخل المؤسّسة الأمنية الصهيونية، كما أن رئيس الأركان الجديد الجنرال الصهيوني “إيال زامير” يواجه خيارًا صعبًا بين تنفيذ سياسة قد تُغرق الجيش في مستنقع أخلاقي، أَو مواجهة مصيره بالإقالة، كسابقيه.
فشلُ الوسطاء وسقوط المجتمع الدولي أخلاقيًّا:
في السياق، عودة الحرب دفعت مراقبين للتساؤل: “أين الوسطاء الدوليون الذين ضمنوا الهُدنة؟ وأين المجتمع الدولي من الدماء التي تسيل في غزة؟”، الموقف بدا وكأنه تواطؤ صامت أَو عجز مقصود.
وبحسب المراقبين، فالأممُ المتحدة ومصر وقطر، مطالَبون بالتوضيح؛ لأَنَّ الضمانات التي تحدثوا عنها أمام العالم سقطت أمام إصرار الاحتلال على تنفيذ أجندته، بينما تلاشت الأصوات الدولية الجادة، ليبقى المشهد شاهدًا على انهيار المنظومة الأخلاقية العالمية أمام آلة القتل الصهيونية.
وفي وقتٍ كانت فيه الجهود تتركز على “مخطّط ويتكوف” لتمديد الاتّفاق وفتح المجال أمام حَـلّ سياسي مرحلي، تحَرّك “ترامب” لإفشال هذه المساعي، عبر تحريضه المُستمرّ وتهديداته الصريحة لحماس، مستخدمًا منصته الاجتماعية لتأجيج الوضع، محمّلًا المسؤولية الكاملة لحماس على مصير الأسرى الصهاينة، في محاولةٍ لتبرير هذا العدوان الجديد، وكل المجازر الإسرائيلية بحق سكان القطاع المنكوب.
ويؤكّـد الخبراء أن تصريحات “ترامب ونتنياهو” باتت مكشوفة الهدف؛ فهي لا تهدف إلى حماية المدنيين الإسرائيليين أَو استعادة الأسرى، بل تسعى لتبرير حرب إبادة ممنهجة بحق الفلسطينيين، وفق خطة عسكرية تستهدف تحويل الحصار الإنساني إلى حصار مطلق يتبعه هجومٌ بري شامل، يُنذر بكارثةٍ إنسانيةٍ غير مسبوقة.
وبحسب خبراء، فالخطورة لا تكمن فقط في حجم الدمار، بل في تداعيات أخلاقية وقانونية ستلاحق كيانَ الاحتلال الإسرائيلي وشركاءَه، خَاصَّة في ظل تعمد ترك مِلف الأسرى لمصيرٍ مجهول، وتفضيل التصعيد على أي حَـلٍّ سياسي أَو إنساني.
الوطن العربي الكبير أمام لحظةٍ مفصلية:
وفي ظل هذه التحولات الخطيرة التي تُعيد رسمَ خارطة الوطن العربي الكبير بلون الدم العربي، فبينما كانت الأنفاس معلقة على أمل هُدنة قد تخفف ولو قليلًا من معاناة غزة المحاصرة، عاد المشهد ليغرق مجدّدًا في أتون العدوان الإسرائيلي المتجدد، بدعمٍ واضح من الإدارة الأمريكية برئاسة “ترامب”.
لم تكن هذه الهدنة القصيرة سوى استراحة محارب في حسابات الاحتلال، فسرعان ما أطاحت بها حسابات “نتنياهو” السياسية، مدفوعًا بحلفائه المتطرفين، ومأزقه الداخلي الذي بات يهدّد استمراريته في الحكم، ولم يعد الحديث اليوم عن وقفٍ لإطلاق النار أَو مسار تفاوضي، بل عن عدوانٍ واسع، يعكس حالة من الإمعان في الإبادة الجماعية، والتلاعب بالدم الفلسطيني كورقة لإنقاذ مشروع سياسي أخذ بالانهيار.
وفقًا لمراقبين، إن ما يجري اليوم في غزة ليس مُجَـرّد تصعيد عسكري عابر، بل هو جزء من مشروعٍ أوسعَ يتخطى حدود القطاع، ليطال كاملَ الإقليم في إطار إعادة تشكيل موازين القوى لصالح “إسرائيل والولايات المتحدة”، في وجه محور المقاومة.
ولعل قرار المجرم “نتنياهو” باستئناف الحرب يكشف بما لا يدع مجالًا للشك أن العدوان بات أدَاة سياسية مفضَّلة للهروب من أزماته الداخلية، ولو كان الثمن دماء الأبرياء ومستقبل المنطقة، وعلى الصعيد الداخل الصهيوني.
غير أن وسائل إعلام عبرية تؤكّـد أن استمرار هذا التصعيد قد يفاقم من حالة الانقسام بين المؤسّسة العسكرية والسياسية، وقد يؤدي إلى هزات عنيفة في حكومة الكيان، وسط تزايد الغضب الشعبي ضد “نتنياهو” وتحالفاته المشبوهة، وفيما سيتحوّل هذا التصعيد إلى اختبار حقيقي لجبهات محور المقاومة، وسط مؤشرات على تحَرّكات أكثر جرأة من الجمهورية اليمنية؛ ما قد يوسّع نطاق الحرب ليشمل جبهات متعددة.
دوليًّا، يرى مراقبون أن هذا الانفجار قد يدفع أطرافًا دولية، منها بعض العواصم الأُورُوبية وروسيا والصين، إلى التدخل السياسي أَو عبر دعم غير مباشر لفصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، في ظل التآكل المُستمرّ لشرعية “أمريكا وإسرائيل” على الساحة الدولية.
وفيما التحولات الدراماتيكية في المشهد الراهن تنذرُ بتغييرات استراتيجية عميقة في الإقليم والوطن العربي؛ فتحالف “ترامب ونتنياهو”، وإصرار الاحتلال على مواصلة العدوان، يشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلةٍ سوداء من المواجهات المفتوحة، حَيثُ تتشابك الأجندات “الإسرائيلية والأمريكية” لضرب أي مشروع مقاومة.
وعليه؛ ستبقى غزة عنوانًا للصمود، وستبقى جبهة الإسناد اليمنية عنوانًا للنصرة والثبات على الموقف، بينما الرهانات على المجتمع الدولي والأنظمة العربية بما فيهم الوسطاء؛ تبدو خاسرة؛ ما يجعل المعركة ليست فقط معركة شعب محاصر، بل معركة كرامة في وجه آلة الغطرسة والاستكبار العالمية.