لن تسقط لنا راية
ريما فارس
حينما يواجه الإنسان العذاب والمحن في سبيل قضيته، يُطرح سؤال جوهري: هل هذا الطريق يستحق؟ والجواب الحاسم يكمن في أن الحق لا يُختبر بالراحة، بل يُمتحن بالصعاب، وكلما زاد الأعداء في محاربته، ازداد وضوحًا وثباتًا.
التاريخ يشهد أن أصحاب الرسالات لم يسيروا على درب مفروش بالورود، بل كانت أشواك الظلم تحاول عرقلة مسيرهم، لكنهم، رغم الألم، كانوا أكثر يقينًا بأنهم على حق. فلو كانوا على باطل، لتركوهم وشأنهم، ولما اجتمع الطغاة على سحقهم. إن أعظم برهان على صحة الطريق هو حجم العداء الذي يواجهه، فالظالمون لا يناصبون العداء إلا لمن يخيف عروشهم ويزلزل أباطيلهم.
الاضطهاد الذي يواجهه أصحاب المبادئ ليس مُجَـرّد سلسلة من المصائب العشوائية، بل هو منهج مقصود يسعى إلى كسر الإرادَة قبل الجسد. عندما يُضرب الإنسان أَو يُطعن أَو يُحاصر، فَــإنَّ الهدف ليس فقط إلحاق الضرر به، بل دفعه للاستسلام والتراجع عن قضيته. لكن من أسفٍ لهم، ومن حمدٍ لله، فَــإنَّ هذا لم يزد المتمسكين بالحق إلا ثباتًا. فحين يدرك الإنسان أن الألم الذي يصيبه ليس إلا ثمنًا لحقيقة راسخة، يتحول الجرح إلى وسام، والمعاناة إلى شهادة على صدق الموقف.
هذا المنطق يعيدنا إلى أعظم الأمثلة التاريخية، حين واجه الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء جيشًا جُمع لإسكاته، لكنه بدلًا من أن يستسلم، وقف ثابتًا قائلًا: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة!” هذا اليقين بأن التضحية في سبيل الحق هي شرف لا يُدانى هو ما جعل دماءه نورًا لكل من جاء بعده.
الطغاة لا يحاربون الباطل؛ لأَنَّ الباطل يخدم مصالحهم. لكنهم يتربصون لكل من يرفع راية الحقيقة، ولكل من يصرخ في وجه الظلم، ويقاوم الاستعباد. ولو كان طريق الحق سهلًا، لما احتاج إلى صبر، ولما سُقي بدماء الشهداء. أما وقد صار دربًا تُضاء جوانبه بالبطولة، فَــإنَّه باقٍ لا يُمحى، يثبته الألم ولا تكسره المحن.
ونحن، لو قدمنا في هذا الطريق أغلى ما نملك، لو فقدنا قادتنا ورموزنا، لو ارتقى إلينا سيد المقاومة شهيدًا، فلن نزداد إلا قوة وعزمًا وحبًا للشهادة.؛ لأَنَّ القائد لا يموت حين تُزهق روحه، بل حين تُكسر رايته، وراية السيد حسن نصر الله ستبقى مرفوعة، محفورة في قلوب المجاهدين، ومضيئة في عيون الأحرار، لا يسقطها اغتيال، ولا يطفئها حقد.