عيدُ الولاية والانتصارُ القريب
صارم الدين مفضل
تحلُّ علينا اليومَ مناسبةٌ عزيزةٌ على قلوبنا جميعاً، وهي ذكرى عيد الولاية وتنصيب الإمام علي ولياً لكل مؤمن ومؤمنة، يوم أعلن عن ذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمامَ أَكْثَر من مائة وعشرين ألف مسلم، في السنة العاشرة للهجرة.
وتأتي هذه المناسبة العيدية العظيمة في ظل اسْتمرَار العُـدْوَان السعودي الأَمريكي على بلادنا (اليمن) للعام الثاني على التوالي، لنؤكدَ من خلال إحيائنا لها واحتفائنا بها -للعالم أجمع- تمسُّكنا بمبادئنا وقيمنا الدينية التي نؤمن بها ونثق فيها، ونعي أنها ستخرجنا من ظلمة التبعية والخضوع إلى نور السيادة والاستقلال والعيش الكريم.
فإلى جانبِ القرآن الكريم الذي يمثِّلُ للمسلمين المشروع العملي منذ العهد الأول إلى آخر يوم من أَيَّـام الدنيا، تأتي أَهميّة القيادة التي ينعقد لها الولاء الديني عند كُلّ المسلمين، والتي تضمن تحركهم جميعاً في نسق واحد لتحصيل أمرين مهمين:
الأول داخلي وهو رعاية حقوق الأُمَّة بما يتضمنه من إقامة العدالة في جميع مجالات الحياة.
والثاني خارجي وهو نشر الدين الإسْـلَامي باعتباره هدىً ورحمةً للعالمين، وبما يتضمنه من تقديم النموذج الحي الذي يتوافق مع الفطرة السليمة للإنْسَان وبما يشده ويجذبه لتقبل حقيقة الإيْمَـان واتباع أوامر الله ونواهيه.
من هو ذلك الشخص الذي يستحقُّ نيل هذه المسئولية بتكليف مباشر من الله سبَحانه وتعالى الذي أنزل على رسوله (ص) توجيهاً مباشراً بضرورة وأَهميّة تبليغه للمسلمين بعد انتهائهم من أداء مناسك الحج؟
بالفعل قام الرسول (ص) بتبليغ ذلك الأمر للمسلمين قبل تفرقهم وعودتهم إلى بلدانهم، حيث جمعهم في مكان قريب من مكة اسمه (غدير خم) وقال لهم: “إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمَن كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله”.
إذن إنه الإمامُ علي بن أبي طالب، ذلك المؤمن الصادق، الذي رفع يده رسول الله (ص) ليعلنه ولياً لكل مؤمن ومؤمنة، ولاية شاملة لكل مقتضيات التشريع التي تعالج مختلف جوانب الحياة، هذا ما يتفق مع سياق التوجيه الإلهي لرسوله في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..)، رغم أن هذه الآية نزلت بإجماع العلماء في السنة العاشرة، أي في آخر أَيَّـام حياة النبي (ص) حيث كان قد انتهى من تبيين مناسك العبادات كاملة للمسلمين كما نؤديها اليوم؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج، لكن بقي أمر آخر تنضبط وتنتظم به أمور المسلمين.
وفي هذا الجانب يؤكد الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- في محاضرته التي ألقاها بتأريخ 21 ديسمبر 2002م بعنوان (حديث الولاية) العلاقةَ فيما بين حديث الولاية وآية الولاية بقوله: “تسلسل هذا الحديث ينسجم انسجاماً كاملاً، الترتيبات التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هذا الموضوع تنسجم انسجاماً كاملاً مع لهجة تلك الآية الساخنة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة:67).
ومع ذلك قد يتساءل بعضُ الناس: لماذا الإمام علي؟!!
نقول لهم: هل تتذكرون مواقفَه العظيمةَ قبل هذا الموقف الذي جاء تكريماً للإمام علي وإن في مقام التكليف والمسئولية؟!
هل تتذكرون كيف ضحّى الإمام عليٌّ بنفسه يوم الهجرة وفدى رسول الله (ص) بالنوم على فراشه ليوهم كُفارَ قريش أنه محمد رسول الله في الوقت الذي كانوا قد عزموا على التخلص منه بقتله وسفك دمه وتفريق ثأره بين القبائل في حادث إجْـرَامي خبيث خطط له بعناية الشيطان الرجيم، ولكن الله أفشله وحفظ رسوله وابن عمه من مكر أولئك وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال!
هل تتذكرون يوم بدر وكيف جندل بسيفه الفريد “ذي الفقار” صناديد قريش فاستحق أن يقال فيه ما لم يقل في أحد من العالمين: “لا فتى إلا علي، لا سيف إلا ذو الفقار”.
هل تتذكرون يوم الخندق عندما دعا النبي (ص) كبار صحابته وهم مصطفون أمامه بسيوفهم ودروعهم للخروج للقاء ومبارزة “عمرو بن عبدوُدٍّ العامري” الذي هجا المسلمين صراحةً ودعاهم لأن يقربهم من الجنة أَوْ يقربوه من النار، فلم يجرؤ على ملاقاته غير الإمام علي، فقال النبي (ص): “برز الإيْمَـان كله للكفر كله”، فبارزه الإمام علي واستطاع أن يصرعه ويقتله حباً لله ولرسوله.
هل تتذكرون يوم خبير، عندما أرسل رسول الله (ص) جيشَ المسلمين مرتين بقيادة كبار الصحابة لفتح حصن خيبر فعادوا دون ذلك، فما كان من الرسول إلا أن قال: “لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله”، فمن كان ذلك الرجل يا ترى؟ لقد كان الإمام علياً، الذي استطاع أن يجندل مرحب اليهودي ويفتح حصن خيبر ويطهره من دنس اليهود إلى يومنا هذا الذي استطاعوا أن يعودوا إليه تحت ثوب الوهابية وآل سعود!
أيام كثيرة ومواقف عظيمة لم نجد مثيلاً لها عند أيٍّ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها تشهد على عظمة الإمام علي، ذلك الرجل المؤمن والصادق، ولا تختلف تلك الأَيَّـامُ والمواقفُ في عهد الرسول (ص) عن مواقفه العظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث ظَلَّ الجميعُ يشهد ويقر بأنه الأعلمُ والأقدرُ على حل كُلّ ما أشكل على المسلمين حله وفي مقدمتهم أبوبكر وعمر وعثمان.
هل تتذكرون كيف كانت ولايةُ أمير المؤمنين علي عليه السلام عندما بايعه المسلمون بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان؟!
كيف كان يتعامل في إنصاف الناس ولو من نفسه، وقصته مع شريح القاضي مشهورة ومعروفة للجميع.
كيف كان يتعامل مع مال بيت المسلمين، وقصته مع أخيه عقيل بن أبي طالب أَيْضاً مشهورة ومعروفة، عندما قال له “كيف لا تقوى على احتمال نار الدنيا وتريدني أن أقوى على احتمال نار الآخرة”.
هل تتذكرون مع مَن كانت حروبَ الإمام علي؟
مع الناكثين للعهود والبيعة في معركة (الجمل)، ومع القاسطين معاوية وأتباعه في معركة (صفين)، ومع المارقين من الخوارج في معركة (النهروان).
إن إحياءَنا لعيد ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا العصر بالذات، عصر ما يسمى بالوهابية وكيان آل سعود المتحكم ببلاد الحرمين الشريفين، وما يسمى بالقاعدة وداعش وكيان إسْرَائيْل الغاصب للقدس الشريف وأرض فلسطين، لَهو من أوجب الواجبات، إذ من هذا الباب وليس غيره تكون عودتنا الحقيقية والصحيحة للهدي المحمدي الصافي كما أنزله الله تعالى، ومن شخصية الإمام علي ومواقفه العظيمة نستلهم أبلغ دروس القيادة الحكيمة والواعية، كما نستلهم معنى الثبات على المبادئ والقيم والتعاليم القرآنية في مواجهة العدو سواء أكان في داخل الجسم الإسْـلَامي أَوْ خارجه، وبالأولى إن كان العدو الخارجي متمثلاً باليهود وبني إسْرَائيْل قد وحّد صفوفه مع العدو الداخلي متمثلاً بالمنافقين وآل سعود.
إن خيبرَ الأمس هي إسْرَائيْل اليوم، وخوارج ونواكث الأمس هم وهابية وإخوان اليوم، ومعاوية الأمس هم آل سعود اليوم.
في المقابل نقول: إن أئمة الهدى بالأمس هم أعلام الهدى اليوم، وأمير المؤمنين بالأمس هو قائد المسيرة القرآنية اليوم، وإذا كان الإمام علي قد فتح خيبر وقاتل الناكثين والقاسطين بالأمس، فإننا بعون الله وتأييده قادرون على مواجهة آل سعود ودواعشهم اليوم وفتح القدس وتطهير فلسطين من دنس اليهود في الغد القريب بإذن الله.. وإن غدا لناظره قريب.