الحرب النفسية وأدواتها: قراءة في المحاضرة الرمضانية العشرين للسيد القائد

محمد عبدالمؤمن الشامي

في معارك العصر الحديث، لا تقتصر المواجهة على السلاح والقدرات العسكرية، بل تمتد إلى العقل والوعي، حَيثُ يلعب الإعلام والدعاية دورًا أَسَاسيًّا في تشكيل صورة العدوّ، أحيانًا بتضخيم قوته لزرع الرهبة في النفوس، وأحيانًا بإخفاء إخفاقاته لإبقاء هالة الهيمنة قائمة. لكن بين الصورة التي يروجها العدوّ عن نفسه والواقع على الأرض، تكمن الحقيقة التي يجب كشفها؛ لأَنَّ كسر هيبة العدوّ نفسيًّا هو خطوة أَسَاسية نحو هزيمته ميدانيًّا.

 

الحرب النفسية: استراتيجية العدوّ للتهويل وزرع اليأس

في المحاضرة الرمضانية العشرين، يطرح السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي مقاربة جوهرية في كيفية التعامل مع العدوّ نفسيًّا وإعلاميًّا، حَيثُ يشير إلى أهميّة تقليل التهويل الذي يحيط به، وكشف مواطن ضعفه، وعدم الانجرار إلى حالة الرعب المصطنع التي يُروج لها. فالعدوّ لا يعتمد فقط على قوته العسكرية، بل أَيْـضًا على آلة دعائية ضخمة، يساندها المرجفون والمنافقون، في محاولة لإقناع الشعوب بأن المواجهة مستحيلة، وأن ميزان القوى يميل لصالح المعتدي دائمًا.

إن هذه الحرب النفسية ليست جديدة، بل استخدمتها القوى الكبرى تاريخيًّا لفرض سيطرتها دون الحاجة إلى خوض معارك ميدانية مكلفة. فمن خلال الإعلام والدعاية، يتم تصوير العدوّ على أنه قوة لا تُقهر، ويجري الترويج لانتصاراته مهما كانت ضئيلة، مقابل تقليل شأن المقاومة ومحاولة بث الشك في قدراتها.

لكن ما أثبته الواقع، كما يؤكّـد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، هو أن كشف هذه الأكاذيب والتعامل مع العدوّ بواقعية يغير المعادلة، ويعيد التوازن إلى ساحة الصراع، حَيثُ لا يعود الرعب المصطنع هو المسيطر، بل الوعي بحقائق الأمور، والاستعداد النفسي لمواجهة العدوّ بجرأة وثقة.

 

من الحرب النفسية إلى الانكشاف الميداني:

يُركز الخطاب على ضرورة كشف نقاط الضعف الحقيقية لدى العدوّ، وليس مُجَـرّد التعامل مع الصورة التي يسوّقها عن نفسه. ومن أبرز الأمثلة التي استشهد بها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، مسألة حاملة الطائرات الأمريكية، التي لطالما استخدمتها واشنطن كرمزٍ لقوتها وهيمنتها في البحار، حَيثُ كان مُجَـرّد تحَرّكها في أي منطقة كافيًا لفرض معادلات سياسية وعسكرية.

لكن الأحداث الأخيرة في المواجهة مع اليمن، كشفت أن هذه الأدَاة التي يُراد لها أن تكون مصدر تخويف، يمكن أن تتحول إلى عبء استراتيجي، بل إلى نقطة ضعف بحد ذاتها. فبدلًا من أن تكون عنصر قوة، أصبحت هدفًا قابلًا للاستهداف، بل واعترف الأمريكيون أنفسهم بفشلها، مما اضطرهم إلى إرسال حاملة طائرات أُخرى كتعويض، في مشهد يُجسد حجم المأزق الذي يواجهونه.

هذا التحليل يعكس قاعدة أَسَاسية في الصراعات: ما يعتبره العدوّ مصدر قوة قد يتحول في ظروف معينة إلى نقطة ضعف، بل إلى عبء ثقيل يُكلّفه الكثير. فالقدرات العسكرية الضخمة تحتاج إلى بيئة تشغيل آمنة، وإلى تفوق تقني غير مشكوك فيه، وإلى القدرة على المناورة بحرية، لكن حين تتغير معادلات الردع، وحين تتحول أدوات القوة إلى أهداف سهلة، تنهار الصورة التي حاول العدوّ رسمها لعقود.

 

المعادلة الحقيقية: الإرادَة مقابل القوة

يركز السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه على عنصر جوهري لا يقل أهميّة عن كشف نقاط ضعف العدوّ، وهو قوة الموقف المستند إلى الإيمان بالله والثقة بنصره. هذا البعد العقائدي ليس مُجَـرّد خطاب تعبوي، بل يمثل ركيزة نفسية ومعنوية تُغير من معادلات الصراع.

فحين تؤمن الشعوب المقاومة أن قوتها لا تستمد فقط من العتاد المادي، بل من إرادَة صلبة ومن إيمان راسخ بعدالة قضيتها، فَــإنَّها تمتلك حينها عنصرًا حاسمًا يتفوق على أي تفوق عسكري مادي.

هذا البعد هو ما حاولت قوى الاستكبار تحطيمه على مدى عقود، سواء عبر الترويج لانتصارات العدوّ على أنها حتمية، أَو عبر التهويل من قدراته لدرجة ترسيخ مفهوم الاستسلام كخيار وحيد. لكن التجارب أثبتت أن الوعي بهذه الحرب النفسية، والتعامل مع العدوّ بواقعية، يجعل المواجهة أكثر فاعلية، ويدفع بالخصم إلى إعادة حساباته، بل إلى الاعتراف بعجزه رغم كُـلّ ما يمتلكه من إمْكَانات.

 

الإعلام المقاوم: السلاح المضاد للحرب النفسية

لعب الإعلام دورًا حاسمًا في كشف حقيقة العدوّ. فبدلًا من الاستسلام للحرب النفسية، قامت وسائل الإعلام المقاومة بكشف زيف الدعاية المعادية، وإبراز نقاط ضعف العدوّ، مما ساهم في تعزيز الثقة الشعبيّة بقدرة المقاومة على الصمود والانتصار.

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة لتحدي الروايات الكاذبة، حَيثُ باتت الشعوب قادرة على توثيق الجرائم وكشف الأكاذيب في الوقت الفعلي، مما أفقد العدوّ جزءًا كَبيرًا من تأثيره الإعلامي التقليدي.

 

الوعي كسلاح حاسم في المواجهة:

يؤكّـد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن الحرب اليوم ليست مُجَـرّد معركة سلاح، بل هي معركة وعي وإرادَة. ففي كُـلّ معركة يخوضها الشعب اليمني، تكمن القوة الحقيقية في الوعي العميق بقدراته، في الإيمان الراسخ بعدالة قضيته، وفي قدرة شعبه على تحويل التحديات إلى انتصارات. العدوّ قد يملك قوة ظاهرة، لكن ما يفتقر إليه هو الإرادَة الصلبة التي لا تُقهر، وما يفتقر إليه هو الوعي الذي يجعل من كُـلّ محاولاته للتهويل والضغط مُجَـرّد سراب.

اليوم، الشعب اليمني يحمل سلاحًا أقوى من كُـلّ الأسلحة: سلاح الوعي والإيمان، وسلاح الإرادَة التي لا تهزم. هذا الشعب الذي واجه أعتى قوى العالم، لن ينهار مهما كانت الضغوط، بل سيظل يقاوم ويكسر كُـلّ محاولات الهيمنة. إن الشعب اليمني، بما يمتلكه من وعي وثقة بالله وبقضيته، سينتصر حتمًا؛ لأَنَّ النصر لا يأتي فقط بالقوة العسكرية، بل بالإرادَة التي لا تضعف، وبالوعي الذي لا يساوم.

في النهاية، الوعي هو السلاح الذي يحقّق النصر، وهو الذي يجعل من الشعب اليمني قوة لا تُقهر، وهو الذي سينقلب عليه كُـلّ ما يظن العدوّ أنه يحمله من قوة. اليمن اليوم يكتب تاريخ انتصاره بوعي شعبه، وإرادَة قيادته، وجهاد أبنائه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com