ثلاث قضايا قائمة تهدد وجوده: النظام السعودي يعبر الطريق إلى النهاية الحتمية

صدى المسيرة: إبراهيم السراجي

تمُـرُّ المملكةُ السعوديةُ بأسوأ مراحلها منذ تأسيسها وتواجه اليوم صعوبات ومشاكل وقضايا مصيرية على المستوى الداخلي والخارجي وعلى المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويتضحُ أن الغرَقَ السعودي في اليمن كان بمثابة الفتيل الذي أشعل الحرائق من حولها لتصلَ إلى “حبل المشنقة الأَمريكي”، حيث أَصْبَـح النظام السعودي أمام “المحكمة الأَمريكية”، متهماً بالضلوع بهجمات سبتمبر بعد إقرار الكونجرس قانوناً يشرّع للمتضررين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمقاضاة السعودي، وهو الأمرُ الذي يفتح الباب أمام واشنطن للاستيلاء على 750 مليار دولار من أَمْــوَال النفط السعودي كتعويضات للضحايا بالتزامُن مع مرور السعودية بأصعب مرحلة اقتصادية ومالية تعصف بها من نحو عامٍ ويتوقع أن تمتد لسنوات قادمة.

ويحلو لبعض السياسيين وصف ما يحدث للسعودية ونظامها اليوم في كافة الجوانب بأنها عملية “لفّ حبل المشنقة” حول عنق النظام السعودي، فيما يمكن تقسيم أجزاء تلك الحلقة التي يبدو أنها ستجهز عليه إلى ثلاثة أجزاء، أولها تورطها في الحرب على اليمن بشكل مباشر والحروب غير المباشرة في سوريا والعراق، والجزء الثاني يتعلق بمشاكل النظام السعودي الاقتصادية، أمَّا الجزءُ الثالثُ والأخير فهو مرتبط بالعلاقات السعودية الأَمريكية ومستجداتها التي من أهمّها إقرار الكونجرس قانونا لمقاضاة السعودية في المحاكم الأَمريكية على خلفية هجمان سبتمبر.

 

  • ما بعد مفاوضات الكويت: قواعدُ اشتباك جديدة

أخذت العملياتُ العسكرية اليمنية ضد الجيش السعودي في نجران وجيزان وعسير منذ رفع مفاوضات الكويت، منحنىً متصاعداً فاق كُلّ التوقعات وفاق قدرة النظام السعودي على مداراة تلك الهزائم التي جعلت الأَمريكيين يشعرون أن حليفهم أَصْبَـح ضعيفاً وبالتالي أَصْبَـح الوقت مناسباً للإجهاز على الأَمْــوَال السعودية دون تتمكن الأخيرة حتى من مجرد الاعتراض.

ما ظهر لحدّ الآن من معلومات عن المبادرة الأَمريكية التي قدّمها وزير الخارجية جون كيري أَوْ ما تحدث بها الأخير بنفسه، أن وضع مرتزِقة العدوان أَصْبَـح هامشياً وأن التركيز سيكون على إخراج السعودية من الورطة أَوْ حمايتها من الانهيار الذي تتعرض له قواتها في الحدود وهو وعد به كيري صراحةً.

%d9%85%d9%88%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d8%b3%d8%b9%d8%b1-%d8%b9%d8%b3%d9%8a%d8%b1-16قبل أيام خرج الناطق الرسمي باسم العدوان أحمد عسيري ليقول إن “المعادلة تغيّرت” وأنه إذا كانت الحرب على اليمن تهدفُ لإعادة المرتزقة للسلطة فإنها اليوم ستكون للدفاع عن السعودية، وبغضّ النظر أن عسيري قد كرر مراراً جُملته التي تقول بوجود “معادلات جديدة” إلا أن تكراره لها بعد عام ونصف عام من العدوان جاء هذه المرة مختلفاً، بمعنى أنه عبّر عن الهزيمة التي يتعرّض له جيش بلاده الذي لم يحقق أياً من تهديداته، إلا أن المعادلة بالفعل أَصْبَـحت جديدةً ولكن أبطال اليمن هم من يتحكمون بها اليوم.

المعادلة الجديدة التي فرضها أبطال اليمن على العدوان انعكست على الكتابات وتقارير الصحف العربية والدولية ودفعت الكاتب اللبناني “عبدالله زغيب” لكتابة مقال بعنوان ساخر وهو “عن الأَرَاضي السعودية المُحتَلة” والذي نشرته جريدة السفير اللبنانية.

وفي جُزيئةٍ من المقال يتحدث الكاتب عن وقوع الجيش السعودي في حافة الهاوية ويرى أن “التطور الأبرز الذي ينفتح على احتمالات حافة الهاوية تلك، تمثل باقتراب القوات اليمنية المشتركة من مدينة نجران، بعد اقتحام اليمنيين موقع قيادة الفواز المطل على المدينة السعودية، وكذلك سيطرتهم على التلال المجاورة لموقع قيادة الفواز. وقد حصل هذا في إطار عملية عسكرية تقول القوات المشتركة إن الغاية منها تكمن في استكمال السيطرة على مواقع الشرفة وتبة القناصين، المقابلة مباشرة لمدينة نجران”.

ويضيف الكاتب أن تلك العمليات في نجران “تعد أكثر نجاحاً، برغم تعقيدها، من عمليّة «تحرير» صنعاء، التي تشنها على الطرف البعيد الآخر من الحدود قوات عاصفة «الحزم» وقوات الرئيس عبدربه منصور هادي منذ بداية العام، حيثُ أن الأخيرة تبدو أشبَهَ بحدث عسكري يومي، يتسمُ برتابة خطوط التماس في منطقة نهم، في ظل عجز واضح عن التقدم”.

ويلاحظ كثيرون أن النظامَ السعودي لم يعد في وارد البحث عن طريقة جديدة لتجنب تلك الهزائم التي يتعرض لها وقد سلّم بعجزه ولذلك راح يحاول كبح جماح الإعلام الحربي والبحث عن وسيلة لوقف المشاهد المصورة التي يجري بثها لهروب جنوده وسقوط مواقعه بيد ابطال اليمن وحين عجز حجب القنوات بما فيها قناة المسيرة عن تحقيق الهدف بدأ النظام السعودي بالإملاء على المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ ليتولى هو المطالبة بوقف بث تلك المشاهد التي أَصْبَـحت منتشرةً على المستويين العربي والدولي.

 

  • هجمات سبتمبر: واشنطن تقتنصُ اللحظة للانقضاض على الغريق السعودي

قبيل نحو ست سنوات أي في العام 2010 بدأت الصحف الأَمريكية تنشر تقارير واخبار من داخل المخابرات الأَمريكية أَوْ ما يعرف بـ CIA بوجود تقرير سري يتضمن إدانة للنظام السعودي بالضلوع في هجمات سبتمبر عن طريق دعم وتمويل تنظيم القاعدة، ومنذ ذلك الحين قرأ المحللون والخبراء تلك التسريبات بأنها بدايةُ التمهيد لعمل أَمريكي ضد النظام السعودي عسكريا أَوْ بطريقة أخرى تؤدي الغرض؛ لأن تلك الاتهامات كانت نسخةً متطابقةً من مثلتها التي كانت جزءاً من الأدوات التي أقنعت الإدَارَة الأَمريكية شعبها بوجوب الحرب ضد نظام صدام حسين في العراق، ووحده النظام السعودي الذي لم يتنبهْ بذلك وظل يعتقد أن له مكانة خاصة عند واشنطن.

قبيل الذكرى الخامسة عشرةَ لهجمات سبتمبر، أي في 9 سبتمبر الجاري أقر الكونجرس الأَمريكي قانونا يتيح مقاضاة السعودية في المحاكم الأَمريكية من قبل الضحايا والمتضررين من هجمات سبتمبر.

القانون كما يقرأه المحللون السياسيون والخبراء يهدفُ إلى تمكين الولايات المتحدة من الاستحواذ على 750 مليار دولار من أَمْــوَال السعودية المتواجدة هناك باسم تعويضات الضحايا والمتضررين من هجمات سبتمبر الذين يفترض أن القانون سيتيح لهم رفع قضايا ضد السعودية في المحاكم الأَمريكية.

بالتزامُن مع ذلك ومع إحياء الولايات المتحدة للذكرى الخامسة عشرة لهجمات سبتمبر كشفت الصحف الأَمريكية تقارير توضح أعداد الضحايا والمتضررين من الهجمات الذين يفترض أنهم سيحصلون على التعويضات باقتصاصها من الأَمْــوَال السعودية في الولايات المتحدة.

وفيما يقدر عدد الضحايا المباشرين في الهجمات بأكثر من 3 آلاف قتيل يفترض تعويض أسرهم فإن هناك متضررين آخرين يفوقون الـ75 ألف متضرر.

ونشرت وكالة فرانس برس تقريراً يقول إنه “ما زال نحو 75 ألف شخص يعانون من اضطرابات صحية نفسية أَوْ جسدية مرتبطة بالهجمات، استنشق كثيرون منهم جزيئات مسببة للسرطان خلال محاولتهم انقاذ أَشْخَاص”.

الحبكةُ الأَمريكيةُ لم تنتهِ بإقرار القانون الذي يسمح بمقاضاة السعودية أَوْ بتحديد أعداد الضحايا والمتضررين، حيث نشر تقرير مؤخراً يتضمن اعتراف بأحد المعتقلين في سجن غوانتانامو على خلفية هجمات سبتمبر بتلقيه أوامر من أمير سعودي.

وفي هذا السياق كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأَمريكية، أن المعتقلَ السعودي غسان عبدالله الشربي الملقب بصانع قنابل تنظيم القاعدة، قال في نصوص التحقيقات التي أفرجت عنها وزارة الدفاع الأَمريكية مؤخرًا، إن أميراً سعوديًّا مجهولًا يشار إليه بصفة “صاحب السمو” شارك في محاولة تجنيده لشن أعمال عنف إرهابية قبل هجمات 11 سبتمبر”.

بكل تلك المعطيات الثلاثة المتمثلة بالجريمة وهي هجمات سبتمبر ووجود الضحايا والقانون الذي يشرع مقاضاة السعودية واعترافات المتهمين تصبح الأَمْــوَال السعودية المقدرة بـ 750 مليار دولار في متناول واشنطن في وقت تعاني فيه السعودية من أسوأ وضع اقتصادي في تأريخها؛ بسبب انهيار أَسْعَـار النفط وتكاليف الحروب التي تقودها أَوْ تمولها الرياض.

الأَمريكيون اختاروا هذا التوقيت للاستيلاء على الأَمْــوَال السعودية بعناية تامة فالنظام السعودي يعيش أسوأ مراحله وليس بإمكانه مواجهة ذلك القانون وحماية أَمْــوَاله لسببين رئيسين:

الأول: أن الولايات المتحدة التي ستستولي على الأَمْــوَال هي ذاتها التي يعلق النظام السعودي آماله عليها لإخراجه من المستنقع اليمني وكان واضحاً أن زيارة كيري والاجتماع الذي جرى في جدة هدف بشكل رئيسي لإعْلَان التزام واشنطن بحماية النظام السعودي بشكل علني أَوْ ما تضمنته نتائج الاجتماع من مساع لوقف الهجمات اليمنية على الحدود.

السبب الثاني: أن النظام السعودي ساهم في توريط نفسه وإضعاف العالم العربي والمنطقة وموّل الحروب الأَمريكية لتدمير الدول العربية وتدخل بشكل مباشر في تدمير اليمن ولذلك لم يعد بإمكان النظام السعودي المراهنة على موقف عربي يسانده في مواجهة التوجه الأَمريكي.

 

  • بلاد النفط تعاني من عجز مالي

سجّلت الموازنة السعودية لهذا العام عجزا قياسيا بلغ نحو 80 مليار دولار لأول مرة في تأريخها بفعل انهيار سعر النفط الذي تسبب به النظام السعودي عُنوة لاستهداف روسيا وإيران المنتجتين للنفط غير أن الأمر انعكس على السعودية بالضرر الأكبر كونها تعتمد بنسبة 90% على عائدات البترول عكس خصومها الاقتصاديين في روسيا وإيران.

ومطلع الشهر الحالي أبقت وكالة “فيتش”، المتخصصة في التصنيفات الائتمانية للدول، السعودي، عند المستوى السلبي (AA- ايه ايه سالب) متوقعة بأن تستمر النظرة السلبية لتصنيف السعودية في السنوات المقبلة.

الوكالة بررت التصنيف السلبي للسعودية؛ بسبب انخفاض أَسْعَـار النفط والذي بدوره سيقي أثره على عجز الميزانية السعودية والتي تمثل أحد أهم البيانات التي يعتمد عليها وضع التصنيفات.

كما توقعت الوكالة أن يستمر العجز الضخم في الميزانية السعودية خلال عامي 2017 و2018 القادمين.

شاشة تعرض أسعار أسهم في البورصة السعودية بالرياض - صورة من أرشيف رويترز.
شاشة تعرض أسعار أسهم في البورصة السعودية بالرياض – صورة من أرشيف رويترز.

ويعرّفُ التصنيف الائتماني بأنه عملية “تقدير صلاحية أَوْ أَهليّة شخص للحصول على قروض أَوْ جدارة شركة أَوْ حتى دولة للحصول على قروض، وهي في ذلك تقوم بدراسة إمكانيات الشركة أَوْ الشخص أَوْ الدولة المالية” وهو ما يوضح توقيت الإعْلَان عن التصنيف السلبي للسعودية لأنها تسعى للحصول على قرض بقيمة 10 مليار دولار عبر إصْدَار السندات بحسب تقرير اصدرته وكالة “بلومبرغ” المتخصصة في 27 اغسطس/آب الماضي.

وبحسب الوكالة تسعى السعودية للحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار عبر أصدرا سندات في السوق الدولية لتغطية العجز الكبير في موازنتها للعام الحالي والذي بلغ نحو 74 مليار دولار بسبب انخفاض أَسْعَـار النفط.

وأضافت أن السعودية ستقوم بحملة ترويجية للسندات التي تنوي إصْدَارها خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل للوصول إلى بيع سندات بالدولار بقيمة 10 مليارات.

وفي سبيل ذلك تعاقدت السعودية مع عدة شركات أَمريكية تقدم خدمات مالية تتولى إدَارَة طرح السندات للبيع في السوق الدولية.

وأشارت تقارير اقتصادية أنه وفي ظل ذلك أقبل المستثمرون على شراء عقود تأمين ضد مخاطر تعثر السعودية في سداد ديونها، حيث صعدت قيمة عقود التأمين هذه إلى 1.1 مليار دولار، وهو أَعلى مستوى على الإطلاق، وفقا لموقع “Zero Hedge”، المختص في جمع آراء وتحليلات الخبراء الماليين.

وأضاف أنه مع تزايد الطلب على عقود التأمين ضد تعثر السعودية في سداد ديونها، ارتفع ثمن هذه العقود من 50 نقطة أساس سجلتها في منتصف عام 2014 إلى 155 نقطة أساس في أغسطس/اَب 2016، أي ارتفع ثمن عقود التأمين بنحو 4 أضعاف.

بملاحظة المشاكل أَوْ القضايا المصيرية التي تهدد مستقبل النظام السعودي يمكن القول إن الأخير تسبب بكل ذلك ولم يكن ضحية مؤامرة بل على العكس فهو يبدو اليوم ضحية مؤامرته على الدول العربية وضحية تواطؤه وتبنيه للحروب الأَمريكية والمراهنة على الولايات المتحدة في مواجهة الجيران والأشقاء العرب.

وأخيراً وما يمكن استنتاجُه أيضاً أن اليمن كانت البؤرة الأخطر التي فتحت أبوابَ الجحيم على النظام السعودي ليصل إلى ما وصل إليه اليوم اقتصاديا وعسكريا أَوْ إضعافه الذي مثل اللحظة المناسبة للانقضاض الأَمريكي ولكن بخطايا النظام السعودي بحق اليمن وليس لأن اليمنيين دافعوا عن أنفسهم ووجودهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com