رسائل المقاومة تفكّك رواية العدوّ.. وتفضح أجندةَ “نتنياهو” على حساب الدماء
المسيرة | خاص
منذ اندلاع العدوان الصهيوني على غزة، اتضح بجلاء أن مجرم الحرب “نتنياهو”، يوظّف آلة الحرب لتحقيق مكاسبَ سياسية ضيقة، في سياق أزمة سياسية وشخصية تهدّد مستقبله السياسي ومصيره القضائي، وسط اتّهامات بالفساد ومحاكمة كان يخشى استحقاقها في ظروف داخلية مضطربة.
في التفاصيل؛ يدرك “نتنياهو” أن بقاءَه في سدة الحكم يعتمد على خلط الأوراق داخليًّا وخارجيًّا؛ إذ لجأ إلى تفجير الأوضاع في غزة؛ بهَدفِ تثبيت حكومته المتطرفة عبر ترسيخ أجندة اليمين الصهيوني الإجرامي الذي يقتات على الحرب والتصعيد، وإخماد المعارضة وإضعاف الحراك الشعبي الذي كان يهدّد بإسقاطه قبل الحرب.
ويرى مراقبون، أن “نتنياهو” يسعى لتأجيل محاكمته بتهم الفساد عبر فرض حالة طوارئ أمنية وتحت ذريعة “الوضع الأمني الخطير”، وتبرير الأزمات الاقتصادية عبر ضخ مليارات الدولارات داخل جيش الكيان، وربط تدهور الاقتصاد بالحرب الجارية، والحصول على دعمٍ دولي بحجّـة “مكافحة الإرهاب”، مستغلًّا الموقف الأمريكي الداعم، ومواقف بعض الدول الغربية المنحازة تاريخيًّا للكيان.
بالرغم من استغلال موضوع الجنود والمدنيين الأسرى كذريعة لتبرير استمرار العدوان، إلا أن الوقائع تشير إلى أن استعادة الأسرى ليست أولوية حقيقية لـ”نتنياهو” وحكومته، بل إن استمرار الحرب يغدو ضرورة لخدمة مشروعه وبقاءه السياسي.
العديد من أهالي الأسرى عبّروا عن غضبهم؛ بسَببِ تجاهل الحكومة لهم، ورفضها إبرام أية صفقات تهدئة أَو تبادل، واعتراف أكثر من 40 أسيرًا ممن تم الإفراجُ عنهم من غزة أن التصعيد العسكري يهدّد حياة من تبقى من الأسرى الصهاينة فيها.
في الأثناء استطاعت كتائب القسام بدهائها العسكري المعهود أن تدير حربًا نفسية ذات بُعد استراتيجي تجاه الداخل الصهيوني، ولعل الفيديو الأخير الذي ظهر فيه الأسيران الإسرائيليان “حايم أوحنا والكنه بوحبوط” والذي تضمن رسائل عميقة لعوائل الأسرى وللجمهور الإسرائيلي ككل.
تأكيد هذين الأسيرين بأن تحسّن أوضاعهم مرتبط بوقف العدوان، وعودة القصف تعني موتًا محقّقًا لهم، وضع الحكومة في موقف محرج أمام شعبها، والتي تعالت بعدها الأصوات الشعبيّة المطالبة بالذهاب إلى المفاوضات فورًا.
وأكّـد الأسيران أنّ “عودة (إسرائيل) للهجوم من شأنها أن تؤدّي إلى نهايتنا، وأمس في هجوم إسرائيلي شاهدنا الموت بعيوننا، وكنا في أقرب لحظة من الموت”.
وبحسب مراقبين، فَــإنَّ الرسالةَ المباشرةَ كانت لـ”أوهاد”، الأسير الصهيوني الذي أفرج عنه مؤخّرًا، وحثه لكشف الواقع المرير داخل الأسر، تُعد ضربة معنوية في عمق الوعي الصهيوني، والتي سارعت وسائل إعلام عبرية إلى الالتقاء به وعمل تصريحات خَاصَّة معه.
وقال “أوهاد”: “نريدُ إعادة جميع المخطوفين من غزة حتى لو كان الثمن وقف الحرب بشكلٍ فوري، ومن غير المؤكّـد إن كان المخطوفون في غزة سيبقون على قيد الحياة بعد تجدد الحرب. لن نرتاح قبل أن نرى آخر المخطوفين قد عاد لعائلته ومنزله”.
ميدانيًّا، أعلنت “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الاثنين، استهداف “سديروت” و”نتيف هعسراه” و”زيكيم”، ومستوطنات “غلاف غزة” برشقةٍ صاروخية.
وفي وقتٍ لاحق، جدّدت القوة الصاروخية في السرايا استهداف “سديروت” ومستوطنات “الغلاف” بصلية صاروخية، وذلك ردًا على جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وأشَارَ الإعلام العبري إلى دوّي صفارات الإنذار في “سديروت” وجوارها بمنطقة “الغلاف” للمرة الثانية على التوالي.
وتستمر المقاومة في الردّ على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمجازر بحقّ المدنيين، فكتائب القسام كانت قد استهدفت، قبل أَيَّـام، مدينة “عسقلان” المحتلّة برشقةٍ صاروخية.
وفي سياقٍ منفصل؛ ورغم ادِّعاء الكيان بإحكام القبضة الأمنية، تصاعدت في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلّة عام 48، العمليات الفردية والجماعية، ما يعزز صورة وفكرة المقاومة الشاملة ضد الاحتلال الصهيوني في كامل الأرض المحتلّة.
وبحسب مراقبين، عملية “يوكنعام” قرب “حيفا”، والتي نفذها شاب من الداخل الفلسطيني المحتلّ، وهو الشهيد “كرم جبارين” (25 عامًا)، تؤكّـد أن المعادلة لم تعد محصورة بغزة، وأن الفلسطينيين في الداخل تجاوزوا الحواجز النفسية التي يحاول العدوّ فرضها.
الشهيد “جبارين” دهس جنديًّا إسرائيليًّا فأرداه صريعًا واستولى على سلاحه، ثم أطلق النار، فقَتل وأصاب، قبل ارتقائه شهيدًا، ووفقًا لشهود عيان أنه من أبناء قرية “زلفة”، في “وادي عارة” من الأراضي المحتلّة عام 48، وطبعًا يحمل جنسية الكيان.
ولفت مراقبون إلى أن الاحتلال عمل منذ سنوات على تشجيع الجريمة المنظمة وتفشي المخدرات في الداخل الفلسطيني كسياسةٍ خبيثة لإضعاف روح المقاومة، لكن عملية “يوكنعام” أكّـدت فشل هذه الاستراتيجية، فالمقاومة فكرة لا يمكن القضاء عليها.
وفي مسار وقف الحرب، ورغم جهود الأطراف العربية والدولية لإحياء هذا المسار، إلا أن العدوّ يماطل في الدخول في المرحلة الثانية من اتّفاق تبادل الأسرى، والتي كان اخرها اقتراح مصر الإفراج عن 5 رهائن مقابل وقف إطلاق النار لأسبوع.
غير أن الاحتلال وراعيه الأمريكي لا يزال يُقدّم اعتبارات “نتنياهو” السياسية على الحلول الإنسانية، رغم أن حماس أبدت مرونة إيجابية تجاه المقترح المصري الجديد، ما زاد من إرباك حكومة “نتنياهو” أمام المجتمع الدولي، والداخل الصهيوني.
وفيما المشهد الراهن يشير إلى أن “نتنياهو” يسعى للإبقاء على وتيرة الحرب، لتحقيق أهدافه الذاتية، حتى لو كان ذلك على حساب الجنود والمدنيين الصهاينة أنفسهم، أثبتت المقاومة الفلسطينية نضجًا سياسيًّا وعسكريًّا، وأدارت المعركة بوعي عالٍ، وكشفت هشاشة المنظومة الصهيونية، وعمّقت الشرخ بين الجمهور الصهيوني وحكومته.
وفي ظل هذه المعطيات، يُتوقع استمرار التصعيد الميداني، مع بقاء ملف الأسرى نقطة ضغط متصاعدة على حكومة الاحتلال، كما أن اندماج فلسطينيي الداخل والضفة في المعركة، يفتح الباب أمام مرحلة مقاومة ممتدة تتجاوز حدود غزة.