13 عامًا.. دماء الشهداء تكتبُ سطورَ النصر على شاشةِ “المسيرة”

 

المسيرة: أحمد الهادي:

عندما تُخرسُ المدافعُ أصوات الحقيقة، وتُغتالُ الرصاصاتُ أحلام الشعوب، يَبقى الإعلامُ سلاحَ المقاومة الأقوى، سلاحًا يخترقُ الحُجب، ويُحيي الضمائر، ويُعيدُ كتابةَ التاريخ من بوابة الدمِ والكرامة. في الثالث والعشرين من مارس، يقفُ العالمُ إجلالًا أمام قناة “المسيرَة” الفضائية التي حوّلتْ ذكراها الثالثةَ عشرَةَ إلى ملحمةٍ إعلاميةٍ تُدَوّي فوقَ أنقاضِ التزييف.. قناةٌ لم تَكنْ مُجَـرّد صوتٍ يصرخُ في وادٍ، بل كانتْ طلقةَ إنقاذ لوعي أُمَّـة، وحاملًا لمِشعلِ وفكر ومشروع الشهيدِ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه الذي أعلن بدمه: “الكلمةُ الحرةُ والصادقة أقسى على الأعداء من الرصاص”.

هنا، حَيثُ تُولدُ المعجزاتُ من رحمِ الحصار، وتنبتُ سُبُلُ النصرِ بين أشلاء العدوان، تُجسّدُ “المسيرَةُ” معنى أنْ تكونَ “قناةً قرآنية” بكلِّ ما تحمله الكلمةُ من ثقلٍ استراتيجي.. ليستْ منبرًا للخبرِ فحسب، بل جيشًا واقفًا خلفَ الكاميرات، يُحاصرُ أكاذيبَ التحالفاتِ الدوليةِ ببراهينِ الأرض والسماء، ويصنعُ من عدسةِ الكاميرا سلاحًا يُعيدُ رسمَ خريطةِ الصراعِ في المنطقة.

هذه القناةُ التي أبتْ أن تُولدَ إلا ثائرةً –كأرض اليمنِ التي احتضنتها– حملتْ على عاتقها ثلاثَ مهماتٍ تاريخية: أنْ تكونَ صوتَ الحق في مواجهةِ الظالمين والطغاة، وصرخةَ القدسِ المُختنقةِ خلفَ جدارِ التطبيع، وحارسًا أمينًا لوعي الأُمَّــة في زمنِ الغزوِ الثقافي. فكانتْ –ولا تزال– بِمثابةِ “النبضِ الثائر” الذي يُذكّرُ العالمَ كُـلّ يومٍ: إنَّ أُمَّـة أنجبتْ حسينًا شهيدًا، وعبد الملك قائدًا، قادرةٌ أنْ تَقهرَ المستحيلَ بصدقِ إرادتها.

جسّدت قناة “المسيرَة” دورَ الإعلام الثوري المنحاز للقيم القرآنية وقضايا الأُمَّــة المصيرية. لم تكن هذه القناة مُجَـرّد منصة إعلامية، بل كانت مشروعًا ثقافيًّا وُلد من رحم المعاناة، وتربّى على قيم الشهادة والجهاد التي أرسى دعائمها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، مؤسّس (المسيرة القرآنية)، والذي زرع بذور الوعي والثورة في تربة اليمن الخصبة، فأنبتت شجرةً طيّبةً جذورها ثابتة في الأرض، وفروعها تمتدُّ إلى سماء الحرية.

 

من رحم التحديات.. صرخةٌ إعلاميةٌ هزّت عروشَ التزييف

لم تكُنْ انطلاقةُ قناة “المسيرَة” عام 2012 خُطوةً في عالم الإعلام، بل كانت زلزالًا هزَّ أركان النظام الإعلامي العالمي المُزوَّر. مِنْ مَكتبٍ بسيطٍ في صعدة، حَيثُ رائحةُ البارودِ تُخْبرُ عن حربٍ على الحقيقة، إلى شَقةٍ في بيروتَ تَنضحُ بإرادَة شَبابٍ يمنيٍّ رفضوا أنْ تَكونَ كلمتُهم أسيرةَ التعتيم.. وُلِدَتِ “المسيرَةُ” كـ “جنين مُعجزة” في رَحِمِ المأساة، تُصارعُ الموتَ والقمعَ لِتَصْدحَ بِصوتِ اليمنِ الذي أرادَهُ النظامُ السابقُ جثّةً صامتةً تحتَ أقدامِ التحالفاتِ الدولية.

هنا، حَيثُ تُقاسُ الإرادَةُ بمقدارِ الدمِ المُراق في سبيل الله، حوَّلَ كادرُ “المسيرَة” المحدودُ الكاميراتَ الخشنةَ إلى “صواريخ إعلامية” تُسقِطُ أقنعةَ الإعلامِ الرسميِّ العربيِّ المُتخاذل، وتَكشِفُ عُريَ “الشرعية الدولية”.

 

الشهيدُ القائد: مُنَظِّرُ الثورة الإعلامية أيضًا

“الإعلامُ جهادٌ.. والكلمةُ الحرةُ شهادةٌ لا تُباع”.. بهذه العبارةِ وضعَ الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي حَجَرَ الأَسَاس لِقناةِ “المسيرَة”. لَمْ يَكُنْ تأسيسُ القناةِ مُجَـرّد ردٍّ على تشويهِ الخصوم، بل كانَ ثورةً قرآنيةً على مفهومِ الإعلامِ المرتزِق الذي يبيعُ الضميرَ لقاءَ الدولار.

اليوم، وبعد 13 عامًا، يَخرُجُ صوتُ الشهيدِ القائد من شاشةِ “المسيرَة” كـ “إنذارٍ إلهيٍّ” يُذكِّرُ الأُمَّــة بأنَّ القرآن ليسَ كتابَ تراتيلَ، بل منهجُ حربٍ على الجهلِ والاستبداد والظلم والاستكبار. فكما حوَّلَ الشهيدُ آياتِ القرآن إلى خُططٍ عسكريةٍ في جبالِ صعدة، حوَّلَتِ “المسيرَةُ” سُورَ القرآن إلى نصوصٍ إعلاميةٍ تَدكُّ حصونَ العدوّ الصهيونيِّ والأمريكي.

 

السيد القائد: إعلامُ المعركةِ وقائدُ حربِ الوعي

إذا كانَ الإعلامُ الغربيُّ يَخضعُ لـ “غرف عملياتٍ” تُديرُها المخابراتُ، فَــإنَّ قناةَ “المسيرَةِ” تَخضعُ لـ “غرفةِ عملياتٍ قرآنيةٍ” يقودها السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، الذي جعلَ من كُـلّ خطابٍ لهُ “معركةَ تحريرٍ ووعيٍ” جديدة. لمْ تَكُنْ توجيهاتُه مُجَـرّدَ نصائحَ تقنية، بل كانتْ “فتوحاتٍ إعلاميةً ومسارُ طريق جهادية”.

تحت قيادتِه، أصبحتِ “المسيرَةُ” “غرفةَ عملياتٍ مركزيةً” لمعاركِ الأُمَّــة: مِنْ دعمِ المقاومةِ في فلسطين، إلى كشفِ جرائمِ العدوانِ على اليمن وغزة والضفة ولبنان، إلى فضحِ التطبيعِ الخليجيِّ العربي المُخزي.

 

دماءُ الشهداء: الوقودُ السريُّ لِماكينةِ الإعلامِ الثوري

خلفَ كُـلّ لفظةٍ تُنطقُ على شاشةِ “المسيرَة”، شهيدٌ قدَّمَ روحَهُ ثمنًا لِكلمةِ الحق.. جريحٌ أصرَّ أنْ يُكملَ الرحلةَ بضمادةٍ تَنْزفُ فوقَ عدسةِ الكاميرا.. أسيرٌ يُرسلُ مِنْ زنزانتِه رسالةً: “المسيرةُ لمْ تتوقفْ.. فأنتمُ صوتُنا الذي يَثقبُ جدرانَ السجون”.

هؤلاءِ هم “جنودُ الظلِّ” الذينَ يَصنعونَ المعجزاتِ الإعلاميةَ بأيدٍ مكبَّلةٍ، لكنَّها تُحرّر العقولَ مِنْ أغلالِ التضليل. لقدْ جعلَتْهم “المسيرَةُ” أحياءً ينطقونَ بِدمائِهم، فصارَ كُـلّ خبرٍ يُذاعُ مِنْها “شهادةَ ميلادٍ” جديدةً لِشهيدٍ، وَ”شهادةَ وفاةٍ” مُزيَّفةٍ لِعدوٍّ.

وقد واجهت قناة “المسيرَةِ” حربًا غير مسبوقة من التشويش والحجب، بدءًا من إنزالها المتكرّر من الأقمار الصناعية، ومُرورًا بحظرها على منصات التواصل الاجتماعي، وُصُـولًا إلى قرصنة موقعها الإلكتروني. لكن إرادَة كادرها حوّلت كُـلّ محاولات الإسكات إلى فرصٍ للإبداع التقني.

 

الفلسطينيون في غزة: “المسيرةُ” تُعيدُ كتابةَ معادلةِ النصر

عندما تَصمتُ الكثيرُ من القنواتِ العربيةُ عن جرائمِ العدوّ الإسرائيلي، تَصيحُ “المسيرَةُ”: “غزةُ هنا.. وانظروا كيفَ يقاوم الأبطال المجاهدون!”. لمْ تَكُنِ القناةُ ناقلًا للأحداثِ فحسب، بل كانتْ “مُجنّدةً إعلاميةً” في صفوفِ المقاومة الفلسطينية:

– “إسنادٌ بحريٌّ إعلاميٌّ”: بينما تُهاجمُ القوات المسلحة اليمنيةُ سفنَ العدوّ في البحارِ، تُهاجمُ “المسيرَةُ” سُفنَ التضليلِ الإسرائيليِّ في الفضاءِ الإلكترونيِّ.

– “معركةُ الوعي”: كشفت القناةُ أنَّ دعمَ فلسطينَ ليسَ شعارًا، بل “فريضةٌ” تُحاسبُ عليها الأُمَّــة يومَ القيامة.

“إعلامُ المواجهة”: حوَّلتْ كُـلّ تقريرٍ عن غزةَ إلى “بثٍّ مباشرٍ” مِنْ ضميرِ العالمِ الذي خانَ الفلسطينيين.

 

الرؤيةُ المستقبلية: مِنْ إعلامِ الثورةِ.. إلى ثورةِ الإعلام

اليوم، تُعيدُ “المسيرَةُ” تعريفَ الإعلامِ كـ “صناعةِ وعيٍ” لا كـ “تجارةِ أخبارٍ”. مهمتُها ليستْ نقلَ الأحداثِ، بل صياغةَ تاريخٍ جديدٍ للأُمَّـة:

“مدرسةٌ ثوريةٌ”: تُخرِّجُ جيلًا يَرفضُ أنْ يكونَ تابعًا، ويُؤمنُ أنَّ الكاميراَ والبندقية أقوى مِنَ الدبابةِ إذَا حَمَلها مُقاتلٌ يُحبُّ الموتَ كما يُحبُّ العدوُّ الحياةَ.

“حربُ المِنصاتِ”: ستُواصلُ اختراق الفضاءِ الرقميِّ بعُدَّةِ مُقاتلٍ: فيديوهاتٌ سريعةٌ تُفجِّرُ الرأيَ العامَّ، وبثٌّ مباشرٌ يُحيي الأُمَّــة في زمنِ الموتِ البطيءِ.

“المسيرَةُ”.. مشروعٌ لا يُورثُ ولا يُنسى، قناةُ “المسيرَةِ” ليستْ مِنْ مِلكِ اليمنِ وحدَهُ، بل هي “وقفٌ إسلاميٌّ” لكلِّ مَن يَرفضُ أنْ يَكونَ عبدًا لِأمريكا.. هي صوتُ الثأرِ المقدَّسِ لِدماءِ الشهيدِ القائد والشهداء العظماء، وصَوتُ الانتقام الإلهيِّ لِأطفال غزةَ، وصوتُ العارِ الذي يُلاحقُ كُـلّ خائنٍ يُصفّقُ للتطبيع والعمالة.

في ذكراها الثالثةِ عشرةَ، تُقسِمُ “المسيرَةُ” بِدمِ الشهداءِ أنْ تَبقى “القناةَ التي لا تُغلق وتبقى قناة صدق الكلمة”.. فطالما بَقِيَتْ في اليمنِ ذرّةُ ترابٍ تُلامسُ جبينَ الأرض، وَطالما بَقِيَ في السماءِ قمرٌ صناعيٌّ، ستظلُّ شاشَتُها نارًا تُحرقُ أوهامَ الأعداء، ونورًا يَهتدي بهِ المُستضعفونَ في كُـلّ مكانٍ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com