بين الاستعمار والاستبداد وُلدت المقاومة
كيان الأسدي*
في ظل حكم الطاغية صدام حسين، كان التدين جريمة تُلاحق، والصلاة في المسجد تُعتبر تهمة تُوصم بالارتباط بمعارضة النظام. كان كُـلّ من يُشتبه في تدينه يُراقب ويُحقّق معه، وتُكتب التقارير ضده، بل ويُسجن دون دليل قاطع. لم يكن مسموحًا بإقامة أي طقس ديني أَو تجمع إسلامي دون إذن من الجهات الحزبية، التي كانت تحضر هذه التجمعات لمراقبتها. هذا القمع لم يقتصر على الرجال، بل امتد ليشمل النساء أَيْـضًا. أما المقاومة، فمُجَـرّد الشك في انتماء أحدهم إليها كان يعني الإعدام بتهمة التخابر مع الخارج.
في خضم هذا الطغيان، برز شبابٌ رفضوا الخنوع والظلم، وحملوا أرواحهم على أكفهم، وواجهوا الطاغية بصوتٍ عالٍ: كفى. رغم المخاطر الجسيمة التي أحاطت بهم من كُـلّ جانب، إلا أن إيمانهم العميق بالله دفعهم لاقتحام المستحيل، وتحقيق ما بدا بعيد المنال. نفذت المقاومة عمليات جريئة، كان أبرزها محاولة اغتيال عدي صدام حسين في قلب بغداد، والتي أَدَّت إلى إصابته بالشلل لفترة طويلة.
ومع مرور الزمن، ترسخت المقاومة الإسلامية في العراق، واكتسبت خبرة أمنية وعسكرية واسعة في حرب العصابات، حَيثُ اعتمدت على التكتيكات المبتكرة والعمليات المباغتة. وعندما غزا الاحتلال الأمريكي العراق، كانت المقاومة قد أصبحت قوةً لا يُستهان بها، رغم نقص العتاد. باستخدام أساليب بدائية، نجحت في تنفيذ عمليات عسكرية ناجحة ضد قوات الاحتلال، مما أربك العدوّ وأجبره على التحَرّك بحذر في شوارع المدن العراقية. لم تسلم حتى القواعد العسكرية الأمريكية من ضربات المقاومة، حَيثُ تم تفجير إحدى أكبر القواعد في بغداد، مما أسفر عن مقتل عشرات الجنود. كما نفذت المقاومة عمليات نوعية في كربلاء وأسَرَت عددًا من الجنود الأمريكيين في جنوب العراق، خَاصَّة بالقرب من البصرة.
وفي عام 2006، استهدفت المقاومة القوافل الأمريكية على الطريق السريع بين البصرة وبغداد؛ مما أجبر القوات الأمريكية على الانسحاب بشكلٍ مهين. وفي هذا الصدد، قال الشهيد الحاج قاسم سليماني مخاطبًا الرئيس الأمريكي أوباما: “نسيت أن جنودك كانوا يرتدون حفاضات كبار السن في دباباتهم وهم يرتجفون خوفًا من المقاومة العراقية”.
ومع تصاعد الأحداث في سوريا، وانخراط المقاومة في مواجهة الإرهاب وحماية المقدسات، أصبحت المقاومة أكثر قوةً وتنظيمًا. فقد اكتسبت خبرةً عسكريةً كبيرةً في حرب الشوارع، وأصبحت تمتلك العدة والعتاد بفضل تجاربها السابقة. وبعد اجتياح داعش للعراق، وصلت المقاومة إلى ذروة قوتها، وتمكّنت من القضاء على التنظيم الإرهابي في ثلاث سنوات فقط، بينما كانت التقديرات الأمريكية تشير إلى أن القضاء عليه سيستغرق 30 عامًا.
وعندما جاءت لحظة الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، لم تتردّد المقاومة في الانخراط في العمليات العسكرية. نفذت ضربات موجعة، ووصلت إلى مناطق حساسة مثل حيفا والجولان وغور الأردن، بالإضافة إلى قواعد استخباراتية معزولة.
كما كان للتعاون مع القوات المسلحة اليمنية أثرٌ كبيرٌ على المستويين العسكري والمعنوي؛ مما يعكس قوة التلاحم بين محور المقاومة. رغم الضغوطات السياسية والتهديدات الاقتصادية الأمريكية، استمرت المقاومة في أداء دورها بثبات، ولم تبخل بالمال أَو السلاح أَو الجهد. ظلت متمسكة بمبادئها في نصرة المظلومين، وواصلت مقاومتها بكل عزم وإصرار، رغم كُـلّ التحديات التي واجهتها.
* كاتب عراقي