القدس.. حَيثُ يُختبَرُ الرجال ويسقُطُ الجبناء!

 

مالك الغنامي

هناك قضايا تُطمس، تُنسى، تُمحى… لكن القدس ليست منها! القدس لعنةٌ تطارد الخائن، وفضيحةٌ تفضح الصامت، وامتحانٌ تسقط فيه الأنظمة قبل الرجال! هنا، لا تنفع بيانات الشجب، ولا تُجدي لغة الحياد، فإما أن تكون مع الحق، أَو أن يبتلعك عارُ التاريخ مع الأنذال!

أيُّ خزيٍ هذا؟! بالأمس، كانت فلسطين نشيدًا على ألسنتهم، واليوم يبيعونها بثمنٍ بخسٍ، ببضع برقياتٍ دبلوماسية وابتسامةِ رضا من البيت الأبيض! صاروا سماسرةً في سوق الخيانة، يعرضون مقدسات الأُمَّــة على طاولات المساومة، ويقبضون ثمن صمتهم صفقاتِ سلاحٍ وضماناتِ بقاءٍ على كراسيهم المهزوزة! ما أرخصهم، وما أحقرهم حين يلفظهم التاريخ كما يلفظ البحر الجيف العفنة!

لكن ليس الجميع عبيدًا! هناك رجالٌ لم يعرفوا الانحناء، ولم يُتقنوا لغة الاستسلام، ولم يساوموا على الحق. أدركوا أن فلسطين ليست قضيةً موسميةً تُرفع في المؤتمرات، ولا شعارًا يلوكُه الإعلام الرسمي، بل بوابةُ الصراع الأزليّ بين الحقّ والباطل، وميزانُ الرجولةِ والشرف! لم يسألوا عن العواقب، لم ينتظروا موافقاتٍ دولية، لم يفاوضوا على الدم… بل صرخوا بملء الصوت: “القدس لنا، والباطل زائلٌ ولو امتدَّ عقودًا وقرونًا!”

لقد جاء زمن الغربلة، حَيثُ تنكشف الوجوه، وتتهاوى الأقنعة، ويسقط المدّعون سقوطًا مدويًّا! هذه ليست مرحلة الشعارات، بل لحظة التمحيص، حَيثُ يُميَّز الصادق من المنافق، والمجاهد من الخانع، والحُرّ من العبد! لقد رسب الكثيرون في هذا الامتحان، أداروا ظهورهم، طأطأوا رؤوسهم، وطرحوا ما تبقى من كرامتهم تحت أقدام المحتلّ، وهم يبتسمون بخنوع! هؤلاء ليسوا أنظمة حكم فحسب، بل نُخبٌ، ومؤسّسات، وأبواق مأجورة، تبرّر الذلّ، وتدافع عن القبح، وتُلبس الخيانة ثوب الحكمة!

لكن المقاومة ليست شعارًا، والجهاد ليس خيارًا فحسب، بل قانونُ الوجود الذي لا يقبل الظلم، وسيفُ العدل الذي يُجزّ به رأس الطغيان! فلسطين لم تُحرّر بالمفاوضات، ولن تتحرّر بمسرحيات الأمم المتحدة! فلسطين تحرّرها البنادق التي لا تُساوم، والسواعد التي لا تهادن، والقلوب التي لا تخشى في الله لومة لائم!

من صنعاء، حَيثُ الصواريخ تعرف طريقها، إلى بيروت، حَيثُ البنادق مشحونةٌ بالعهد، إلى بغداد، حَيثُ الحناجر تصرخ بالثأر، إلى طهران، حَيثُ العهد لا يُنكث، إلى أحرار العالم، حَيثُ الهتاف يرتفع للحرية… هنا محورٌ لا يخاف المعارك، لا يحسبها بالأرقام، لا يخشى التضحيات! هنا رجالٌ آمنوا بأن زوال (إسرائيل) ليس حلمًا، بل موعدٌ آتٍ، محفورٌ في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ في سجلات السماء! وعدُ ملكِ السمواتِ والأرض، وقد آن الأوان ليتحقّق!

أما أنتم، يا من صافحتم السفاح، وارتميتم في أحضان الغاصب، وراهنتم على بقاء المحتلّ… فانتظروا! انتظروا يومًا يُسقط فيه الله حصونكم كما أسقط مَن قبلكم، يومًا تصبح فيه قصوركم رمادًا، وتغدو عروشكم نسيًّا منسيًّا! الأرض تعرف أصحابها، والتاريخ لا يحفظ أسماء الخونة… بل يلعنهم، إلى الأبد!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com