يوم القدس العالمي.. الفكرة السديدة والنظرة المستقبلية

 

عبدالجبار الغراب

رؤى وأفكار سديدة شكلت النواة الأولى للانطلاق الصحيح لإعادة رسم خارطة الاتّحاد الإسلامي في مواجهة مخطّطات قوى الشر والاستكبار العالمي، ومواقف وأدوار لها شأنها العظيم في رسمها لمختلف المسارات الصحيحة التي تعيد للأُمَّـة الإسلامية عظمتها ومكانتها الحقيقية، وصوابية في الاختيار لوضع قضية المسلمين المركزية في إطارها الصحيح وجمعهم في يوم واحد للمطالبة بتحرير مقدساتهم من تحت أيادي الصهاينة: هذه الرؤية والفكرة الصحيحة في الاختيار كان ورائها السيد الإمَام الخُمَيني رضوان الله عليه بتحديد آخر جمعة من كُـلّ عام في شهر رمضان يومًا للقدس العالمي، فكان ليوم 20 من شهر رمضان عام 1446هجرية 15 من شهر أغسطُس للعام 1979 الاقتراح الهام لتحديد هذا اليوم.

شكل هذا الاختيار البدايات التصحيحية والعناوين البارزة نحو الانطلاقة التأكيدية على أهميّة القضية الفلسطينية: أولًا في وجدان وفكر السيد الخميني الذي جمع في ثنايا أهداف نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية لها ارتباطها الوثيق بتذكر المسلمين بمقدساتهم المنهوبة، وثانيًا في رسمه المحدّد لمسار فعلي أكيد بخطوات ناجحة سريعة بطرد السفير الإسرائيلي من طهران واستبداله بمنظمة التحرير الفلسطيني، وثالثًا في اشتعال للغليان والغضب الأمريكي الصهيوني وإظهارهم للعداء ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورابعا ظهور سريع لكافة الاشكال والأنواع من الممارسات العدائية الأمريكية لمحاربة أي توجّـهات إيرانية لإسناد القضية الفلسطينية في فرضهم للعقوبات قبل عقود ومنع أي نهوض أَو تطور للبلاد، وقيامهم بالاغتيالات وما يتم مشاهدة حَـاليًّا من هذا العداء الأمريكي والصهيوني وجعل قضية الاتّفاق النووي نقطة وذريعة لإشعال المنطقة برمتها.

مثلت القضية الفلسطينية في وجدان وفكر وإيمان الإمَام الخُمَيني اهتمامها البالغ لاستشعاره الكبير بمعاناة ومظلومية الشعب الفلسطيني وما يمثله المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين من دلالة ورمزية دينية، فكانت لرؤيته الصحيحة الصادقة في جعله لهذا اليوم عالمي يحيي من خلالها المجتمعات الإنسانية ضمائرهم الميتة؛ مِن أجلِ إعادة القضية الفلسطينية ضمن سياقها وإطارها الصحيح والتي تعمد الأعداء إلى تصفيتها، ليمتد هذا المسار في الارتفاع السنوي عامًا بعد عام في إظهاره للبعد المستقبلي الذي سوف يصنع الفارق في النضوج الإسلامي لاهتمامه بقضايا الأُمَّــة وإيضاحه التام للمعاناة والمظلومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وفي إظهاره لمد حب الشعوب الإسلامية لمقدساتها الدينية واستعدادها وجهوزيتها لإسناد الشعب الفلسطيني.

خروج الشعوب الإسلامية لإحياء يوم القدس العالمي كُـلّ عام: إلا كرافد ارتفع في أهدافه وفي توالي كبير لتنامي أبعاده المستقبلية منذ إقراره وفي تغذيته للمواجهة ضد الهيمنة والغطرسة الأمريكية في ظل الخنوع والولاء والتبعية لمعظم الدول الإسلامية عبر حكامها المنبطحين، وما حدث مؤخرًا من علاقات وتطبيع مع الكيان المحتلّ من معظم الدول العربية وبالعلن: إلا كدليل للنهوض في وجه العملاء الموالين للنصارى واليهود، وما سكوتهم التام عن مجازر الإبادة الجماعية التي يتعرض اليها سكان قطاع غزة لأكثر من عام ونصف إلا ضمن هذا الإطار الذي يجب تفعيله لإرغام الحكام المنبطحين للوقوف بحزم مع الشعب الفلسطيني، وليكون لهم من اليمن وقادتها وشعبها المثال والدليل الكامل للإيمان الصحيح والسند الدائم والمُستمرّ بالسلاح وبالاحتشادات المليونية المناصرة لغزة وسكانها وهم ثابتون على موقفهم الإسنادي رغم كُـلّ ما يتعرضون له من عدوان كبير أمريكي، ولكنهم في ثبات وإصرار يلحقون بالأمريكان والصهاينة الخسائر الفادحة، وبالصواريخ الفرط صوتية يستهدفون كُـلّ مدن ومناطق الأراضي المحتلّة، وبشكل يومي متواصل حتى إيقاف الحرب على غزة ويرفع الحصار عنها.

يوم القدس العالمي يعزّز الأدوار الرفيعة في الاصطفاف والالتحام الإسلامي والتي يجب على كُـلّ الدول وفي هذا الظرف الحساس للغاية لما تتعرض لها القضية الفلسطينية من مؤامرات كبيرة لمحاولات تصفيتها ومخطّطات التهجير المدروسة حَـاليًّا ضد سكان غزة، ليتطلب ذلك الخروج الإسلامي الشعبي وقيامهم بالمظاهرات المليونية وإظهارهم للعظمة في وجدانهم وقلوبهم بانهم أُمَّـة قوامها أكثر من مليار مسلم شعارهم الدائم نحو استعادة القدس الشريف المحتلّ من قبل الصهاينة، وأن ما شكلته دول محور المقاومة الإسلامية من قوة ومواجهة في إسنادها لمعركة طوفان الأقصى وقلبها للموازين وخلقها للمعادلات وفرضها للمتغيرات مشكلين بذلك اتّحادًا كاملًا رادعًا للصهاينة والأمريكان، ونحن الآن وفي ظل ما حدث من تسارع في الأحداث والمتغيرات وما تعانيه الأُمَّــة الإسلامية من الخذلان والسكوت أمام حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق سكان غزة هي الآن أحوج للقيام بإعلان الاتّحاد الإسلامي لإسقاط كُـلّ مؤامرات ومخطّطات الصهاينة والأمريكان.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com