العلامة محمد أحمد مفتاح لـ “صدى المسيرة”: لا يوجد مذهبٌ وهابيّ، بل تيارٌ متطرّفٌ يدارُ من داخل أقبية المخابرات البريطانية والأمريكية ( حوار )
صدى المسيرة/ خاص
وضَّحَ العلّامة محمد مفتاح الكثيرَ من الحقائق بشأن الوهابيّة ودورِها الأساسي في خراب المنطقة العربية برُمِّتِها وخدمتها للمُخَطّطات الصهيونية.
وقال العلامة مفتاح في حوار خاص مع صحيفة “صدى المسيرة”: إن المخابرات البريطانية استطاعت أن تحوّل الوهابيّة إلى تيار منظّم يخدم فعلاً المشروعَ الاستعماري في تفكيك الأُمَّـة الإسْـلَامية؛ لأن مشروعهم ملخَصٌ في عبارة “فَــرِّقْ تَسُــدْ”.. مشيراً إلى أن البريطانيين لم يجدوا طائفة ولا فكراً ولا فئةً يستطيع أن يوصل المشروع البريطاني إلى ذروته كالتيار الوهابيّ.
حوار/ زكريا الشرعبي
وفيما يلي نص الحوار:
- بداية أستاذ محمد ونحن نرى ما يخلّفه الفكرُ الوهابيّ من خراب واسع وجرائمَ بشعة على مستوى المنطقة والعالم.. كيف بدأ هذا الفكر؟، وما الذي ساعد على انتشاره؟
أولاً الوهابيّة فكرٌ متطرِّفٌ يميلُ نحو الدموية وتكفير الآخرين ومحاولة تصفية مَن لا يخضع لتطرف الفكر الوهابيّ، وهي عبارةٌ عن وريث للفكر الخارجي الإجرامي المُتَطَرّف الذي كان له دور تخريبي في تأريخ الأُمَّـة الإسْـلَامية إلى أن وصلت إلى المدعو محمد بن عَبدالوهاب الذي جمع كُلّ الأفكار المُتَطَرّفة وحوّلها إلى تنظيم عقائدي سياسي اصطدم بالدولة التركية حينها وتعرض لهزيمة كبيرة على يد محمد علي باشا، وظن الناس أن هذا الفكر قد انتهى، إلى أن جاءت المخابرات البريطانية وأحيت هذا الفكر لتوظّفه في مشاريعها الاستعمارية.. هذا ملخص المسيرة الوهابيّة.
في بداية القرن العشرين استطاعت المخابرات البريطانية أن تحول الوهابيّة إلى تيار منظّم يخدم فعلاً المشروع الاستعماري في تفكيك الأُمَّـة الإسْـلَامية؛ لأن مشروعهم ملخصٌ في عبارة “فَرِّقْ تَسُــدْ”، ولم يجدوا طائفة ولا فكراً ولا فئة يستطيع أن يوصلَ المشروع البريطاني إلى ذروته كالتيار الوهابيّ.
- يقول أتباع هذا التيار بأنه لا يوجد مذهب أَوْ فكر اسمُه وهابيّ وأن محمد بن عَبدالوهاب جاء ليصحح الإسْـلَام ويجدده.. ما صحة هذا الكلام؟
حقيقة لا يوجد مذهبٌ وهابيّ.. يوجد تيار مُتَطَرّف منظم يدار من داخل أقبية المخابرات البريطانية والأمريكية.. الإسْـلَام هو صحيح ولا يحتاج إلى مصحّحين.. الإسْـلَام عظيم ولا يحتاج إلى مخربين ليخربوه ويقولوا بأنهم سيصححون الإسْـلَام.
ما يقال إن الوهابيّة ليست مذهباً هو كلام صحيح؛ لأن المذهبَ له أصول وله قواعد وله شخصيات وله منظّرون، أما هؤلاء فليسوا أَكْثَـر من فئات مُتَطَرّفة تميل إلى الجانب الأمريكي الذي ظهرت تطبيقاته في المرحلة الأخيرة في الذبح والسحل والجوانب الدموية وصاروا هم الأداةَ الطيعة لمَن يريد تشويه الإسْـلَام.
- توقفاً عند حديثك عن التطبيقات الدموية للفكر الوهابيّ، يقول الوهابيّون بأنهم يعتمدون في هذه التطبيقات على ما يعتبرونه أصولاً ونصوصاً دينية.. ما صحة هذا؟
التأصيلُ الشرعي يبدأ من القرآن الكريم ومن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، القرآنُ لم يُبِحْ لأحد استباحَة النفوس واستباحة الدماء، ولا هذه الطريقة الإجرامية البشعة التي تقوم بها عصابات الوهابيّة ومسمياتها المختلفة من داعش والقاعدة ومختلف التسميات، والنبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله كان رحمة للعالمين ولا يوجد في سيرته ولا في سُنّته ولا في سلوكه ما يستند إليه في هذه الجرائم. هؤلاء سندهم هم غُلاةُ المجرمين في الدولة الأموية الذين كانوا يستبيحون دماء الناس لأغراض تسلطية إجرامية.
- إذا ما تحدثنا عن الوهابيّة والهُوية الوطنية.. ألا ترى أن الوهابيّة تعادي الهُوية الوطنية وتعمل على تمزيقها؟
هذه العصاباتُ الإجرامية التي يطلق عليها الآن الوهابيّة تفكك النسيج المجتمعي لأي مجتمع، سواء تحت الهُوية القومية أَوْ الهوية الوطنية أَوْ الهوية الجهوية، تفككها لصالح الفوضى ولصالح الإجرام، وما تقوم به داعش من جرائم بشعة سواء في سوريا أَوْ العراق أَوْ اليمن يُثبِتُ الدموية الخبيثة لهذا التيار الإجرامي، فخطورتها في أنها تفكّك النسيج الاجتماعي وتستعبد الأفراد المنتسبين إليها وتمسخ عقولهم وتجعلهم أتباعاً للأهواء ولقادات الإجرام.
هذا ملخص توجه ما يسمى بالوهابيّة نحو الشعوب، سواء شعوب العالم العربي أَوْ العالم الإسْـلَامي أَوْ أية شعوب الدنيا، فهي تمسخ الهوية الاجتماعية سواء سميناها هوية قومية أَوْ هوية وطنية أَوْ أي مسمى، هي تمسخ هوية أي مجتمع توجد فيه.
- كيف تمكنت الوهابيّة من التأثير على بعض المجتمعات وبعض الشباب وحولتهم إلى أتباعٍ لها رغم أن فكرها تكفيري متشدد؟
هم يعتمدون دَائماً على التعبئة التضليلية المستمرة واستنفار الأشخاص الذين وقعوا ضحيةَ تعبئتهم بشكل منتظم على أنهم هم الحق المطلق وما سواهم هو الباطل المطلق، ويستمرون بهذه التعبئة ليلاً ونهاراً وفي كُلّ الأحوال حتى يزرعوا في روح هذا الإنْسَان حُبَّ الإجرام والتعبد بالإجرام، بحيث يسهُلُ عليه أن يذبح الطفل ويذبح المرأة، يفجّر المئات، يقتل ما أمكن، هذا التيار الإجرامي هو تيار دموي بكُلّ ما تعنيه الكلمة، لا يردهم عن الدماء ولا عن الإجرام أيُّ رادٍّ ما دام قد تشربت نفوسُهم هذه التعبئة الدموية المتعصبة المُتَطَرّفة الإجرامية.
- إذا ما تحدثنا عن علاقة الوهابيّة بالنظام السياسي لأبناء سعود كيف يمكن النظر إليها؟.. من الذي يحرك الآخر لصالحه؟، وهل يمكن أن تمثل الوهابيّة خطراً مستقبلياً على النظام السياسي؟
هناك ازدواجٌ بين نظام العائلة النجدية التي هي عائلة بني سعود وبين التيار الوهابيّ، هذه العائلة باعتبارها أداة للمخابرات البريطانية والأمريكية تسخّر التيار المُتَطَرّف لهيمنتها على مقدرات المنطقة وعلى العبث بشعوب المنطقة ومقدراتها وكل هذا التسخير هو عبارة عن أداء دور للمستعمر المشغل وهو المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية، فالعلاقة بينهم هي علاقة ازدواج وتكامل.
ولا أظن أن هنالك خطراً على نظام العائلة المالكة السعودية من هذا التيار، ولكن يمكن أن يحصل خلافٌ في المستقبل أَوْ في أيَّة لحظة إذا أرادت المخابراتُ البريطانية أن توظف أحد الطرفين على الآخر، أن توظفَ عائلة الشر النجدية على شيوخ التطرف الوهابيّ أَوْ أن توظف شيوخ التطرف الوهابيّ على عائلة الشر، ولكن يبدو أنهم محتاجون للطرفين ليؤدّيا وظيفة مزدوجة.
- لكن ظهرت مؤخراً تصريحاتٌ من قادة في الدول الأوربية وأمريكا تقول بأن الوهابيّة هي مصدر الإرْهَـاب!
هذا معناه أنهم يريدون أن يفتعلوا معركةً في المستقبل، وأنه ربما يشعرون أن التيارَ الوهابيّ قد وصل إلى مستوى من الإجرام والدموية بحيث يحتاجون إلى التبرؤ منه، هم يشغلونه من وراء الستار ويدّعون محاربته، فهم الآن يعلنون لشعوبهم أنهم ضدَّ هذا، ما من عاقل ولا سوي في هذه الدنيا إلا وهو ضد هذا التنظيم الإجرامي، وبالتالي فطرح القادة الأوروبيين أنهم ضد الوهابيّة تضليلٌ مخادعٌ، وهو أن يبرّئوا أنفسَهم من دعم هذا التيار ومن الإشراف على أدواره الإجرامية.
- إذا ما نظرنا إلى الزعم الوهابيّ في تبرير الدموية التي يمارسونها في المنطقة سنجد أنهم يقولون بأنهم يحاربون ما يسمّونهم بالصفوية أَوْ الروافض، ويدّعون أن اليهود أقل خطراً على الأُمَّـة من هذه الطوائف؟
لا مشكلةَ لدينا مع اليَهُـوْد كيَهُـود.. المشكلة لدينا هي مع الصهاينةِ المغتصِبين لأرض فلسطين، والوهابيّةُ هم عَـوْنٌ لهؤلاء المغتصبين ويفتعلون القضايا ويختلقون التسميات الوهميّة كالصفوية وغيرها،
الصفوية كانت دولةً منسوبةً إلى إسماعيل صفوي وهذه الدولة انتهت بانتهاء الأسرة الصفوية.
كما يقال الدولة السعودي التي ستنتهي بانتهاء الأسرة السعودية، فهذه الدولة انتهت منذ زمن وقامت بعدها عدة دول، وأخيراً يحكم بلاد إيران الآن منظومةٌ سياسية معروفة للعالم، وهي الجمهورية الإسْـلَامية الإيرانية، فاختلاقُ التسميات الوهمية المخادعة هي نوعُ من التضليل ولا يوجد لدعوى التيار الوهابيّ أي تطبيق واقعي وكل ما يدعونه هو عبارة عن أكاذيب يريدون بها استنفارَ الناس وتجنيدَهم تحتها.
ما يجري ناتجٌ عن عصابة إجرامية مُتَطَرّفة تكفيرية، تعمَلُ على إثارة الفتن في المنطقة وتمزيق المنطقة لصالح المشروع الاستعماري.
-كيف يمكننا أن نواجِهَ هذا الفكر الإرْهَـابي؟
أولاً بفضيحته.. يجبُ على المثقفين والنخب الواعية والشباب والمراكز البحثية والأكاديمية والمراكز الإعلامية أن تُنَبِّـهَ إلى خطورة هذا التيار الإجرامي على مستقبل المنطقة، علينا أن لا نسمح لمَن عبثوا بالماضي أن يعبثوا بالمستقبل.
ثانياً.. مواجهة استقطاب الشباب وخَاصَّـة الفتيان إلى هذه التيارات الإجرامية، ومواجهة هذا الاستقطاب بفتح مناشط للشباب والشابات وتسهيل وسائل التثقيف الذي يحميهم من شرّ هؤلاء المجرمين ثم بمواجهة أدواتهم الإجرامية على الأرض بكل وسائل المواجهة الأمنية والعسكرية والإعلامية والاستخباراتية أينما وُجد شر لهذه الفئة يجب أن يواجه.
وما يجري في اليمن من استنفار لمواجهة العدوان السعودي الوهابيّ الصهيوني هو من هذه المواجهة، هم يريدون أن يستعبدوا الشعب اليمني وأن يسفكوا دمَه في كُلِّ منطقة، وقد جرّبوا من خلال ذبح الجنود في حضرموت وفي شبوة وفي تعز وفي سحل الناس وفي عدن وفي صنعاء، فجّروا المساجد وفجروا الأسواق والطيران الوهابيّ، طيران مملكة الشر السعودية قتل الناس في كُلّ مكان، في المآتم وفي الأعراس وفي الأسواق وفي المساجد، في الجامعات وفي المدارس وفي المستشفيات، لم يتركوا مكاناً يتجمع فيه الناس إلا ومارسوا فيه نزوةَ القتل والإجرام المتوغلة في نفوسهم.
- إذا ما توقفنا عند الذبح والسحل وهذه الطرق الإجرامية البشعة مرة أُخْـرَى سنجد أن قادةَ الوهابيّة يتنصلون ظاهرياً من هذه الأساليب ويقولون إن هذا ليس من عقيدتهم، كما أن النظام السياسي لبني سعود يدّعي تشكيلَ تحالفات لمواجهة داعش سليلة الفكر الوهابيّ.. كيف تفسر هذا؟
هؤلاء يعيشون حالةَ تناقُض مستمرة، يطرحون للناس شيئاً في الإعلام ويفضحون أنفسَهم في وقت الحقيقة.
مثلاً العصابة التي فجّرت جامع المؤيد في صنعاء أعلنت قنواتهم الإعلامية أن مقاومة صنعاء عملت عملية في الجراف وكان هذا الإعلان قبل حدوث التفجير، ليتضح بعد ساعة أنهم فجّروا عشرات المصلين في جامع المؤيد.
عندما قاموا بعدة تفجيرات كانوا يستبقون هذه التفجيرات ببيان وعندما يتضح فيما بعدُ أن الجريمة بشعة ومستنكرة ومستهجَنة ينسَون ويتغافلون عما أعلنوه، فالازدواجُ في الطرح لا يلغي الحقيقة الموجودة على الأرض، وهي أن النظام السعودي هو من ترعى هذه الجرائم، وأن المخابراتِ البريطانية والأمريكية هي من تقف وراء إجرام هذه العصابات، وأنهم من يجنّدونهم ومن يقفون وراءهم.
-هذا بالنسبة للازدواج في الطرح، كيف يمكن أن نرد على ما يقرون به من تفجير لقبور وأضرحة الأولياء الصالحين؟
هم لا يقرون فقط، بل يَدْعون إلى هذا ويألفون المؤلفات ويُنْشِئُون الخطب والمحاضرات والتعبئة في المدارس وفي الجامعات والبحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه وما إلى ذلك، في التحريض على هذا.