اليمن: تهديداتٌ وفرصٌ ومخاضُ ولادة جديدة!
اليمن: تهديداتٌ وفرصٌ ومخاضُ ولادة جديدة!
علي المحطوري
عندما يقولُ قائدُ بحجم الثائر الاستثنائي السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي: “إن اليمن أمام فرصة تأريخية، والأمم العظيمة ابتنت تحت ضغط التحديات”، فأي فرصة تلك التي تلوح في الأفق؟
أولاً لا بد من الإشارة إلى أن اليمن وحتى عهد قريب كان خارج الحسابات الإقْليْمية والدولية، ومع الـ21 من سبتمبر 2014 استعاد وَهَجًا ظنه الآخرون قد خبا وإلى الأبد تحت عباءة (المبادرة الخليجية وبالتالي الأَمريكية).
وما أفرزه الـ 21 من سبتمبر أن ثمة رؤيتين تتصارعان ومشروعين لا يلتقيان، فأحدهما تتبنى رؤية الخارج بحذافيرها ولا تُلقي بالاً لإرَادَة الشعب، وأُخْـرَى ترفض الانصياعَ للخارج دون أن تقطع خطوط الحوار، محتفظةً بالجهوزية استعدادا لأي تهديد، معطية أَهميّة لإرَادَة الشعب من خلال تحريك الجماهير وإشراكها في صناعة الموقف السياسي (الثوري) حسب ما تتطلبه المرحلة.
ومن خلال ذلك النهج السياسي الذي قامت عليه ثورة 21 سبتمبر، واستمرت على منواله قدمت للعالم (بطاقة تعريفية) تقول ما يلي:
-الحكم في اليمن توافقي تشاركي، كما هو واضح في اتفاق السلم والشراكة.
-القرار لليمنيين، ولا شأن للخارج في قرار سيادي، ولا مانع أن يكون عاملا مساعدا، لا عنصرا مشاغبا.
– الخطر التكفيري كما هو تهديد للآخرين هو تهديد لليمن، ولكن اليمن قادر على التصدي له دون أَي تدخل خارجي.
– اليد ممدودة لكل العرب والمسلمين على السواء، وإسرائيل كيان محتل أرضَ لفلسطين، واجب تحريرها ملقى على عاتق الجميع.
-أن العلاقة مع المجتمع الدولي قائمة على الندية والاحترام المتبادل، انطلاقا مما يكفله القانون الدولي من سيادة للدول.
اضطر المجتمع الدولي -الواقع تحت التأثير السعودي والأَمريكي- في ظاهر الأمر أن يتقبل على مضض، مباركا للقوى اليمنية توقيعها اتفاق السلم والشراكة، لكن وبعد التدقيق في هوية حامل “البطاقة التعريفية” وجد “الخصمُ التقليدي لصنعاء” وهو الرياض أن ذلك “تمردا” يقع داخل “حديقتها الخلفية”، وهو ما لا تقبل به، لينتقل “صراع الرؤيتين” من “البيتية اليمنية” أَي (يمني-يمني) إلى “البينية الإقْليْمية” أَي (يمني -خليجي سعودي بالخصوص)، والأخير مُسْتقوٍ بتحالفاته الدولية على رأسها الولايات المتحدة، وهذه بدورها ونظرا لما تتسم به من “نفعية وهيمنة” تركت -إن لم تكن دفعت – الرياض وبخبث إلى أن تتخذ ما تراه من إجراء مناسب لمعاقبة من تسميهم “المتمردين في اليمن”.
والمقصود “بالخبث” أن واشنطن – المنهمكة حينها في مفاوضات نووية مع طهران- وجدت في “تسهيل مهمة الرياض لضرب اليمن” تحقيق أكثر من غاية:
“جائزةَ ترضية” لتَسْلَمَ من المشاغبة عليها بشأن الاتفاق النووي.
ومجالاً للانتفاع بعقد المزيد من “صفقات التسلح”.
واحتواء “مارد 21 سبتمبر اليمني” بدون أن تخسر واشنطن سنتا واحدا.
إنما الأخبث من ذلك كله – والذي لم تحسب له “الرياض” أَي حساب – أن تكون الولايات المتحدة قد نصبت لها (فخا)، ووضعت احتمالات للفشل، بتقدير أحد أمرين:
إما أن السعودية ذاهبةٌ نحو مكان محفوف بالمخاطر وبالتالي فهي لن تخرج منه سالمةً (كأدنى تقدير) أَوْ هي منحدرة بقوة “حزم العاصفة” نحو الارتطام المدوي ومن ثَم الغرق في “المستنقع” (كأقصى تقدير)، وهذا ما يسمح بتحريك ملفات مُعدّةٍ لوقت الحاجة، ومنها ملف يشغل الساسة الأَمريكيين منذ 2001، هو ملف “أحداث 11 سبتمبر”.
ولأن المتورط فيه حسب “الاعتقاد الأَمريكي “حليفٌ من العيار الثقيل”؛ فلحظةُ “غرقه في المستنقع اليمني” لا بد وأن تشكل فرصةً لمواجهته “بالتهمة”، وأن أَي صُراخ يتعالى سعوديا سَيَحُولُ دون تردداته المزعجة ما تعيشه الولاياتُ المتحدة من “صخب الانتخابات”. وهذا من سوء حظ الرياض ما وصلت إليه اندفاعتُها الحمقى نحو اليمن، فما كان من واشنطن سوى أن وجدت اللحظة المناسبة التي يمكن أن تُشهِر خلالها “قانون العدالة ضد رعاة الإرْهَـاب” المسمى اختصارا “جاستا” والذي أقره الكونجرس في الـ28 من سبتمبر الماضي، مبطلا فيتو أوباما.
وأما لماذا بدا الاهتمامُ الأَمريكي “بالسعودية” – وكأنه يتراجع عما عليه خلال “ثمانية عقود”، فليس مدار هذا المقال، إنما تجدر الإشارة إلى أن إحْدَى أهم ركائز العلاقة السعودية الأَمريكية” – وهي ” سلعة النفط” – لم تعد بذات الأَهميّة التي كانت عليه في الماضي، وذلك بفعل اكتشاف “النفط الصخري” الذي يعده كثيرون بأن واشنطن قد وجدت منه على أراضيها بديلا يغنيها عن “نفط السعودية”، ما يعني بأن زمن “تدليل المملكة” قد يكون هو أيضا من الماضي، وقد عبر عن ذلك الأمير تركي الفيصل في معرض رد له على انتقادات وجهها أوباما مطلع العام للسعودية ودعاها لاقتسام النفوذ مع إيران، فرد الفيصل: “الأيام الخوالي مع أَمريكا انتهت إلى غير رجعة”.
وبداهة أن عوامل عدة – وليس فقط ” النفط البديل” – قد تظافرت لتخلق تعقيداتٍ لا سابق لها في مسار العلاقات “الأَمريكية السعودية”. مما يسمح بالقول إن “القلق من أَمريكا وليس أَمريكا” هو من بات يحكم الرياض ويتحكم بها.
وفرصة اليمن أين؟
بإقرار أن ليس من خطر هدد اليمن وجوديا مثل هذا العدوان المستمر منذ أكثر من عام ونصف، إلّا أن الصمودَ الوطني أسقط على آل سُعُـوْد ما ظنوها – في “ظلمة ليل الـ26 من آذار مارس2015” – (فرصةً) سنحت لهم لابتلاع اليمن، فكان أن خاب مسعاهم نحو تجديد حضورهم كقوة إقْليْمية لا يُستهان بها، وخسرت ما كان يمكن أن تقوم به من وساطة قبل العدوان بين اليمنيين، لتربح عوضا عن ذلك عداوةَ شعب لا يُضام، وأشعلت جذوة “الخصوصية اليمنية” لأجيال ممتدة لحقب متوالية.
وبمقدار واقعية اليمنيين في هذه المعركة لناحية إدراكهم ما هو مطلوب منهم، وهو أن يدرؤوا عن أنفسهم العدوان بكل أشكاله؛ تكون السعودية بمبالغتها في أَهْدَافها تقدم لليمنيين (فرصةً) لأن يُعمِّقوا لها الحفرة، ويوسعوا عليها المستنقع، وقد نجحوا حتى الآن من خلال اعتماد “استراتيجية النفس الطويل”. وهي استراتيجية مثلت أرضيةً خصبة لأن تواكب المتغيرات الإقْليْمية والدولية وتستوعبَها، وفي جُلِّها لا تصب في مصلحة آل سُعُـوْد.
فالآتي من الميدان السوري يَشِي بتبدد أحلام المملكة، وعلاقتُها الدولية مع “سيدها الأَمريكي” دخلت مرحلة اضطراب وتوتر مقدر لها أن تطول، لتطال يدُه باسم “قانون جاستا” ما جنته طول عمرها الثمانيني من “ثروة مودعة لديه”، أضف إلى ذلك اهتزاز علاقاتها مع أغلب شعوب المنطقة، وقد زادت هي – من سوء تدبيرها – أن خدمت الآخرين وفي مقدمتهم اليمن بمساعيها نحو تظهير علاقاتها السرية مع كيان العدو الإسرائيلي، ونفطيا هي في موقع من يخسر المليارات جراء انخفاض الأسعار، وما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على وضعها الداخلي الملتهب أَسَاسا، والذي يعيش أهوالا اجتماعية وأزمات اقْتصَادية حادة كانعكاس طبيعي لحالة غياب الرؤية الشاملة، والركون المطلق إلى “مظلة أَمريكية” قد تنقشع – إن لم يكن بشكل كامل – إلّا أن استمرارَها مرهونٌ “بضريبة حماية” يسعى المرشح الأَمريكي التاجر دونالد ترامب – في حال فوزه- إلى تدفيعها.
وأمام هكذا مستقبل ينتظر آل سُعُـوْد إلّا أن من حسن حظهم – ورغم ما ارتكبوه من “جناية لن تنسى ولن تُمحى بحق الجار الـمُفْـقَر والـمُدْمَى” – أنهم أمام “قيادة يمنية” لا تؤمن “بالكيدية السياسية”، وهذا ما تجلى في خطاب “الهجرة النبوية” حين أشار السيد عبدالملك إلى القانون الأَمريكي (جاستا) بقوله: “إنه سيء وخطيرٌ على بلدان العالم الإسْلَامي، لكن الخسارة الأكبر على عملاء أَمريكا”، متوجها إليهم ناصحا: “راجعوا حساباتكم، وصححوا توجهكم”. مع الأخذ بعين الاعتبار أن “القائد الثائر” وهو إذ ينصح “العدو الألد” فإنه يستنهضُ همم اليمنيين لأن يستعدوا لملاقاة “فرصة تأريخية”، موقنا بأن اليمن “يعيش مخاضا” وهو في طريقه “ليولد من جديد”.
وإذا لم يكن بوسع آل سُعُـوْد أن ينتصحوا، لكن هل لهم أن يجيبوا على تساؤل فرضته الأقدار وهو: كيف لمن يعتدون عليه وعلى شعبه يُسديهم نصحا، فيما حليفُهم وحاميهم يطعنهم من الخلف، ويلف حول رقبتهم حبل ” قانون جاستا”!!
..
على هامش المقال:
يكفي “البطاقة التعريفية” – المشار إليها في ثنايا المقال- أنها كفلت لصاحبها حق الانتساب بقوة إلى “القرن الـ21″، الرافض بدوره أن يكون وعاءً زمنيا لنفايات “القرن السابق”. ومن هذه النفايات حتماً تلك الدول والأنظمة والكيانات التي أكل عليها الدهر وشرب، وبدت سياساتُها لا ترقى إلى مستوى “المشترك الإنْسَاني” المكتوب له الاستمرارية والخلود.