أطماع النظام السعودي بحضرموت تصل ذروتها
إبراهيم السراجي
ليست الأَطْمَـاعُ السعودية بمحافظة حضرموت مشروعاً أَوْ موضوعاً جديداً، بل موضوعٌ قديمٌ، ولكن هذا المشروع وصل إلى ذروته مع العُـدْوَان السعودي على الـيَـمَـن وما كان مؤتمر الرياض والمسارعة إلى إعلان دولة اتحادية في الـيَـمَـن إلا مناسبة كشفت فيها الرياض بشكل علني عن أَطْمَـاعها تلك في حضرموت وثرواتها.
خلالَ العُـدْوَان على الـيَـمَـن تعمَّدَ النظامُ السعودي بَثَّ تسريبات إعلامية، بعضها نُشِرَ في وسائل إعلامية سعودية رسمية عبرت عن رغبة آل سعود بضم حضرموت اليها، ومنها اشتراط سعودي بضم حضرموت إليها لوقف عُـدْوَانها على الـيَـمَـن، وبشكل فاضح لم يَنفِ أي مسؤول سعودي تلك التسريبات رغم انتشارها على نطاق واسع.
وفي تعبير آخر عن الرغبة السعودية بضم حضرموت إليها، أكد النظامُ السعودي أكثرَ من مرة على حرصه على الوحدة الـيَـمَـنية في رسالة للحراك الجنوبي الذي يقاتل اليوم تحت راية السعودية، ولكنها تركت الباب مفتوحاً أمام حضرموت وتبنت إعلامياً عن جاهزية حضرموت للاستقلال، فمع انطلاق ما سُمِّيَ “مؤتمرُ الرياض” أجرت جريدة الرياض الرسمية السعودية حواراً مع أحد الموالين لها وهو عبدالله عمر باوزير الذي قالت الجريدة بأنه رئيس لجنة الخدمات بمحافظة حضر موت وعضو المجلس المحلي للمحافظة وعنونت الصحيفة ذلك الحوار أَوْ التصريحات بـ”حضرموت ستعلن انفصالها حال عدم التحول الاتحادي”.
العنوانُ الذي بدا واضحاً بأنه تهديدٌ سعوديٌّ بضم حضرموت أَوْ تقسيم الـيَـمَـن إلى أَقاليم، لم تُخفِ الرياضُ فيه أَطْمَـاعها بثروة حضرموت ولكن على لسان باوزر نفسه الذي قال في ذلك الحوار “إن مؤتمر الرياض يعد الفرصة الأَخيرَة للـيَـمَـن وفي حال لم يتحول الـيَـمَـن إلى جمهورية اتحادية فالحل الآخر هو استقلال قطاع حضر موت عن الـيَـمَـن، حيث أنها تمثل نصف المساحة الجغرافية لدولة الـيَـمَـن و70% من منتجاتها السمكية والنفطية والمعدنية والزراعية.”
التبني السعودي على مستوى الإعلام الرسمي للحديث عن انفصال حضرموت وبحسب مراقبين فإن العُـدْوَان السعودي على الـيَـمَـن الذي طال كُلَّ المحافظات باستثناء حضرموت التي تم تسليمُها للقاعدة يأتي في ذات السياق والنوايا السعودية لضم حضرموت ونهب ثرواتها، وكان الناطقُ باسم العُـدْوَان قد علَّقَ على احتلال القاعدة لحضرموت بأن أهداف العُـدْوَان السعودي لا تتضمن أية عمليات ضد داعش أَوْ القاعدة.
الأَطْمَـاعُ السعودية بحضرموت ليست وليدة العُـدْوَان وإنما نوايا مبيتة منذ عشرات السنين، وقد كشف الإعلام عن كثير من الخطوات السعودية في هذا الاتجاه بينما لا تزال هناك خطوات لم يكشف عنها بعدُ.
في عام 2011 كشف موقع ويكيليكس الشهير بتسريب الوثائق السرية الأمريكية عن وثيقة تعود لعام 2008 وهي عبارة عن برقية أرسلها السفيرُ الأمريكي ستيفن سيش رقمها 08SANAA711 وتحت تصنيف سري بعنوان “إدارة صالح للـيَـمَـن موضع قلق” ورصد فيها السفير آراء سياسيين وسفراء حول موضوع الوثيقة ومنهم السفير السعودي الذي قال بحسب الوثيقة المسربة أن “الرياض مهتمة جداً بالأحداث في الـيَـمَـن”، وخُصُـوْصاً أن أي حدث (وعلى سبيل المثال وفاة صالح) من شأنه أن يؤدي إلى “انهيار مفاجئ” للحكومة، نظرا للحيرة التي تحيط قضية الوريث الرئاسي. ويرى السفير السعودي أن البلاد تتحرك ببطء نحو نوع من التمزق، متوقعاً أن محافظة حضرموت الجنوبية “ستكون جاهزة للاستقلال في غضون 2-3 سنوات”.
عقب ثورة 11 فبراير الشعبية، كانت حاجة الـيَـمَـنيين للحوار ملحةً من أجل حل القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الجنوب وقضية صعدة، وكذلك مناقشة تعزيز الأمن وتقوية الجيش، وإنعاش الاقتصاد، لكن الـيَـمَـنيين وجدوا أنفسهم في الحوار أمام قضية تقسيم البلاد إلى أَقاليم والتي أَصْبَـحت الشغل الشاغل للخارج عقب انتهاء الحوار وتلاشت قضية صعدة والجنوب وبقية القضايا، فأَصْبَـح الهَّمُّ العالمي هو تقسيم الـيَـمَـن وهو ما كشف عنه خلال المكالمات بين الفار عبدربه منصور هادي وأحمد عوض بن مبارك مدير مكتبه.
في الأثناء كانت المخطط السعودي لضم حضرموت يجرب على قدم وساق بمساعدة أمريكية وبريطانية الذي كان سفيراهما يتمتعان بسلطات كبيرة في عهد هادي والإصلاح وعبر المسؤولين السعوديين مباشرة.
في ديسمبر من عام 2012 اجتمع مسؤولون سعوديون مع شخصيات موالية للسعودية من حضرموت، وخلال ذلك الاجتماع طرح السعوديون بشكل صريح أحقية حضرموت بالانفصال لما تحمله من مساحة وثروة تعد مقومات اساسية لقيام دولة مستقلة، ووعدوا بالمساعدة لتحقيق هذه الفكرة وكأن الحضارم هم من طرحوها وليس السعوديون انفسهم.
لم تمر أيام على اجتماع السعوديون بموالين لهم من حضرموت، حتى قام السفير البريطاني بصنعاء نيكولاس هوبتين بعقد اجتماع مع شخصيات من جزيرة سقطرى والمهرة في يناير من عام 2013 ولم يكن الاجتماع سرياً رغم أنه يخالف البرتوكولات الدبلوماسية فكان الاجتماع معلناً.
وبصورة تفضح المخطط الذي تسعى لتحقيقه السعودية بمعاونة حُلفائها، وعد السفير البريطاني من اجتمع بهم بإعلان جزيرة سقطرى والمهرة ومحافظة حضرموت إقْليْماً موحداً في إطار الدولة الاتحادية. ولعل الصورة اتضحت أكثر فكيف يملك سفير أَجْنَبي أن يعد بمصير محافظات يمنية رغم أن موضوع الأَقاليم كان ما يزال مطروح للنقاش في الحوار الوطني فكيف ضمن السفير أن يتوصل الحوار لتقسيم الـيَـمَـن إلى أَقاليم وكيف يضمن السفير أن تكون المهرة وحضرموت إقْليْماً موحدا؟؟
أما السفير الأمريكي بصنعاء في ذلك الحين جيرالد فايرستاين الذي كان يوصف بأنه الحاكم الفعلي للـيَـمَـن في عهد هادي والإصلاح فقد أكمل الحلقة السعودية البريطانية في أَبْريْل من العام 2013 باجتماعه مع الشخصيات التي اجتمع بها نظيره البريطاني من سقطرى والمهرة، وهذه المرة قدم السفير الأمريكي النوايا السعودية والأمريكية باعتبارها أمراً واقعاً.
ففي ذلك الاجتماع المخالف أَيْضاً للبروتوكولات الدبلوماسية والذي عُقد في منزل السفير الأمريكي ابدى في لمن اجتمع بهم تأييده لرؤية إقامة إقْليْم جزيرة سقطرى والمهرة.
وفي عام 2013 أَيْضاً أقدم التلفزيون السعودي الرسمي على عرض خريطة للسعودية وهي تضم أَجْزَاء من حضرموت وشبوة والجوف، وليس هذا فقط بل أن المناهج الدراسية السعودية تعرض للملكة نفس الخريطة التي تلتهم فيها تلك الأَجْزَاء الـيَـمَـنية.
وبين الحين والآخر تبدي السعودية ادعاءات بأحقيتها في منفذ بحري على البحر العربي وبملكيتها لنصف حضرموت الشمالي وأَجْزَاء من محافظة المهرة.
ونختتم الحديث عن الأَطْمَـاع السعودية وسعيها لضم حضرموت، تجدر الإشارة إلى ما قدمه الدكتور عبده البحش رئيس الدائرة السياسية بمركز الدراسات والبحوث وذلك في بحث تناول فيه التوسع السعودي في الأَرَاضي الـيَـمَـنية وبعد استعراضه لذلك أشار في نهاية بحثه إلى أن “آل سعود لم يكتفوا بكل ما استولوا عليه من الأَرَاضي الـيَـمَـنية، حيث ما يزال آل سعود يتطلعون إلى ضم محافظتي حضرموت والمهرة إلى مملكتهم الكبرى ومن خلال مشروع التقسيم للـيَـمَـن والمطروح على جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني والذي سيتم بمقتضاه جعل حضرموت والمهرة إقْليْما واحداً كمقدمة لإلحاقه بمملكة آل سعود الكبرى وهذا يثبت صحة المقولة التي تقول إن لأَطْمَـاع آل سعود في الـيَـمَـن بداية وليس لها نهاية”