المجتمعُ الدوليُّ شريكٌ في الحصار شريك في التجويع
صدى المسيرة ـ رشيد الحداد
كشف العُـدْوَانُ والحصارُ خلال الفترة الماضية زيفَ المبادئ التي يرفعها النظام العالمي الجديدُ وازدواجية مهام المنظمات الدولية العاملة في اليمن، فالأُمَـم المتحدة التي أشادت بحيادية واستمرَارية البنك المركزي في القيام بتمويل الواردات وصرف المرتبات ودعا منسق العمليات الإنْسَانية للأُمَـم المتحدة في اليمن جيمي مكجولدريك في مؤتمر صحفي في جنيف الشهر قبل الماضي، الدولَ المانحة والمُؤسّسات المالية الدولية إلى تقديم الدعم المالي العاجل للاقتصاد اليمني، أشار إلى أن البنكَ المركزي اليمني يكافح من أجل استمرَار صرف المرتبات والنفقات التشغيلية الأُخْـرَى ويواجه اليمن صعوبة بالغة في الحصول على العُملة الصعبة أَوْ تحويلها لسلل الحصار، وقال مكجولدريك حينها: إن 13.6 مليون يمني على الأقل يحتاجون مساعدات إنْسَانية مع استمرَار تقييد الواردات وعدم قدرة سفن شحن كثيرة على تفريغ حمولتها في الموانئ، وأضاف أن هناك نقصاً في إمدادات الغذاء والوقود والدواء، وهو ما يجعلُ الأَسْعَار “باهظة” وَأشَارَ إلى أن المستوردون يواجهون صعوبات في الحصول على تسهيلات ائتمانية لاستيراد البضائع؛ بسبب رفض التحالف السماح بتحويل العملات الصعبة.
كما حذّرت منظمة “أوكسفام” البريطانية منتصف العام الجاري، في بيان صادر عنها، من خطورة وقوع ملايين اليمنيين في المجاعة، نتيجة تفاقم الأزمة المصرفية التي تلوح ملامحها في الأفق، وَأَشَارَت المنظمة إلى أن المصارف الدولية، باتت أَكْثَر ترددًا في توفير الائتمان للمستوردين، ما يعني أن التجار في اليمن قد يضطرون إلى وقف استيراد الشحنات الغذائية، مما يؤدي إلى ارْتفَاع الأَسْعَار، ودعت المنظمة الأُمَـم المتحدة إلى التدخل العاجل لفك الحصار المفروض عن الشعب اليمني والعمل على استمرَار تدفق الواردات التجارية لليمن.
يضافُ إلى تحذيرات مماثلة صادرة عن البنك الدولي في تقريره الفصلي للثُّلُث الثالث من العام الجاري، والذي حذّر من تداعيات اقحام البنك المركزي في الصراع، ونفس التحذيرات صدرت من منظمات أُخْـرَى دولية يضاف إلى اعتبار عدد من دول الـ 18 الراعية للسلام مساعي الفار هادي وحكومته بتغيير محافظ البنك ونقل البنك خطاً أَحْمَر.
إلا أن تلك المنظمات والدول التي حذّرت وأرعدت لم يصدر عنها أَي موقف مضاد لمحاولات تجويع الشعب اليمني من قِبل العُـدْوَان ومرتزقته، بل جسّدت شراكتها في العُـدْوَان والحصار على الشعب اليمني، فصندوق النقد الدولي الذي ظل لعامين يرفض التعاطي مع أَيّة مساعي أَوْ دعوات من قبل هادي واستمر في التعامل مع البنك المركزي بصنعاء، تراجَعَ عن موقفِه السابق وتعامل مع مرتزقة العُـدْوَان على مضض، كما يتضح بعد تلقيه ضغوطاً أمريكية، فكل المساعي التي قام بها الفار هادي ومرتزقته لإقناع صندوق النقد الدولي بالقبول بالقرار فشلت حتى الآن ولم تقابل بأي تأكيدات من قبل الصندوق الدولي الذي سبق أن أشاد بدور البنك المركزي في العاصمة صنعاء وتعامله مع كافة الأَطْرَاف دون استثناء، وحتى بعد محاولات نقل البنك أَكّد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في اليمن ألبرت جيغر في تصريح صحفي أن الصندوق أيّد في الماضي الاحتفاظ بالوظائف الأَسَاسية للبنك المركزي في صنعاء باعتباره المنهج الأَكْثَر فعالية لتحقيق مستوى أَسَاسي من الاستقرار الاقتصادي والمالي في اليمن، وذلك بالنظر إلى الدعم الذي قدّمه البنك المركزي في صنعاء لاستيراد المواد الغذائية الضرورية، وحفاظه على الخدمات الاجتماعية الأَسَاسية والأمن عن طريق صرف أجور العاملين في القطاع العام، وعلى سير عمل نظام المدفوعات، إلا أنه المسئولَ الدولي ورغم إدْرَاكه المسبق لتداعيات قرار الرئيس الفار هادي بنقل البنك المركزي والذي اعتبره جيغر قراراً خطيراً وغير مدروس، أقر وضعه تحت الرقابة دون أن يوافق أَوْ يرفض، وبالمثل قال متحدث باسم الخارجية البريطانية، إن بلادَه سوف تراقب بعناية التداعيات المتعلقة بنقل البنك المركزي خُصُـوْصاً على الاقتصاد والوضع الإنْسَاني.
المجتمع الدولي كان شريكاً رئيسياً بموافقة المتناقضة حول ما تعرض ويتعرض له الشعب اليمني من جرائم إبَادَة جماعية تمارس على مرأى ومسمع من العالم؛ فبسبب الحصار الذي لا يزَال قائماً حتى الآن رغم تلقي الشعب اليمني وعوداً متكررة من وكيل الأمين العام المتحدة ستيفن برفع الحصار إلّا أن كُلّ تلك الوعود زادت من معاناة الشعب اليمني وساهمت في تشديد الحصار.
فالتقديرات الاقتصادية الأولية تفيد بأن خسائر الشعب اليمني غير المباشرة تصل إلى مليارَي دولار شهرياً جراء الحصار الظالم، الذي شمل تحويلات 6 ملايين مغترب والتي تصل وفق تقرير اتحاد المصارف العربية في أغسطس الماضي إلى 3،4 مليار دولار.
الأُمَـم المتحدة التي وقفت عاجزة عن القيام بدورها في اليمن تحولت إلى شاهدٍ على ما يتعرَّضُ له الشعب اليمني من عُـدْوَان وحصار، فالناطق الرسمي باسم الأمين العام للأُمَـم المتحدة فرحان حق طالب في يوليو الماضي تحالف العُـدْوَان بتسهيل دخول إعانات الفقراء والمعدمين التي توزع عبر صندوق الرعاية الاجتماعية والبالغة 900 مليون دولار، كما جدّد تلك المطالب الأُمَـمية مبعوث الأمين العام للأُمَـم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ في مؤتمر صحفي عُقد في الكويت مطلع يوليو الماضي.
الحصار الاقتصادي والمالي الذي فرضه تحالف الشر والعُـدْوَان على الشعب اليمني الصامد شمل وقف كافة الأَمْوَال المملوكة للشركات الانتاجية والخدمية والنفطية اليمنية والبالغة مليار دولار، كما فقد اليمن 4 مليارات دولار كعائدات نفط سنوية حرمت منها الخزينة العامة؛ بسبب الحصار وتوقف النشاط الانتاجي والاستكشافي في مختلف القطاعات الانتاجية النفطية والذي تسبب بتجميد انتاج 49 مليونَ برميل نفط من مختلف حقول الانتاج وتسريح 15 ألف عامل كانوا يعملون في الشركات النفطية الأجنبية التي غادرت اليمن؛ بسبب ظروف قاهرة كما وصفتها، كما أن إمعان العدو ومرتزقته في منع تدفق الوقود إلى الأَرَاضي اليمنية رفع تكلفة الانفاق العام على الوقود إلى 7 مليارات دولار خلال الفترة الماضية من عمر العُـدْوَان، تلك الجرائم الاقتصادية التي وصفها المجتمع الدولي خلال الأشهر الأوْلى من العُـدْوَان بجريمة إبَادَة جماعية، شملت كافة مناحي الحياة وأثّرت على نشاط مختلف القطاعات الاقتصادية؛ فبسبب الحصار تراجعت المواد الاولية الداخلة في الصناعات التحويلية العام الماضي بنسبة 90% وادت إلى توقف عجلة الانتاج في المئات من المصانع والمعامل الانتاجية، كما توقفت 44 ألفَ منشأة صناعية متوسطة وصغيرة عن الانتاج نتيجة أزمة الوقود التي شهدتها البلاد جراء العُـدْوَان والحصار وتم تسريح عشرات الآلاف من العاملين الذين أنظموا إلى رصيف العاطلين عن العمل في ظرف استثنائي.
الأضرار الناتجة عن الحصار كبّدت القطاع الزراعي الذي يساهم بـ 21% من إجمالي الدخل القومي لليمن ويساهم بنسبة 50% من الامن الغذائي ويعمل فيه قرابة الـ 1،5 عامل يمني أَكْثَر من 16 مليار دولار، فبسبب الحصار وانعدام المشتقات النفطية والاستهداف الممنهج للمزارع والأسواق الزراعية منذ بدأ العُـدْوَان حتى الآن تراجعت معدلات الانتاج الزراعي إلى 35%، توقفت صادرات اليمن الزراعية إلى دول العالم العربي وَخُصُـوْصاً إلى الأسواق السعودية التي كانت حتى الأَيَّـام الأوْلى للعُـدْوَان تعتمد على الانتاج الزراعي اليمني من خضار وفواكه طازجة بنسبة 85 %.
وبسبب العُـدْوَان والحصار البري والبحري والجوي تكبد قطاع النقل اليمني 2،4 مليار دولار، فبسبب إعلان العدو حضراً جوياً على مطارات البلاد وخُصُـوْصاً مطار صنعاء توقفت 25 شركة طيران عن التحليق في الاجواء اليمنية، وفقد 80 % من العاملين في قطاع الطيران فرص أعمالهم وتأثرت إيرادات قطاع الطيران بنسبة 75-99 %، وبلغت الخسائر المباشرة نتيجة الحضر 230 مليون دولار، بالإضَافَة إلى المعاناة الإنْسَانية الناتجة عن إغلاق مطار صنعاء، ووفق التقارير الأولية شركة الخطوط الجوية اليمنية تكبدت حتى الآن ما يزيد عن 200 مليون دولار نتيجة حضر نشاطها في الاجواء اليمنية، وتكبد قطاع النقل البحري 900 مليون دولار وبلغت خسائر قطاع النقل البري 11 مليوناً و788 ألف دولار.
الأضرارُ الناجمة عن الحصار كان وجهاً آخر لا يقاس بمدى الضرر وإنما يقاس بمعيار الأَخْلَاق ويعد مؤشراً للسقوط الأَخْلَاقي والإنْسَاني للعُـدْوَان السعودي أمريكي وللأُمَـم المتحدة والمنظمات الدولية التي تتاجر بمعاناة اليمنيين فقط، ولا تستطيع وقف معاناتهم بوقف العُـدْوَان ورفع الحصار رغم وعودها المتكررة والتي تنكرت لها أَكْثَر من مرة، فالمنظمات الدولية وعلى رأسها التي رفعت اسم العدو السعودي من القائمة السوداء كانت شريكة في كُلّ سياسات التجويع التي مارسها ويمارسها العدو منذ الوهلة الأوْلى لعُـدْوَان، ولذات السبب ارتفعتْ مؤشرات الفقر إلى 85% من إجمالي السكان وبسبب صمتها المخزي على قرار نقل البنك التي طالبت في يونيو الماضي المجتمع الدولي بدعمه وأشادت بحياديته ستفقد 5 ملايين أُسرة مصدر دخلها الوحيد لترتفع معدلات الفقر إلى 100% ويتجه اليمن فعلياً إلى وضع إنْسَاني صعب، سيما وأنّ تقارير الأُمَـم المتحدة والمنظمات العاملة في المجال الإنْسَاني في اليمن تُجمِعُ على أن العُـدْوَان والحصار تسبب بتردي الأَوْضَاع الإنْسَانية ودخول 50% من المحافظات مرحلة الطوارئ وأَصْبَحت على خطوة واحدة من الجوع، وفي أَكْثَر من تقرير حذّرت من نفاد الغذاء بسبب الحصار أَوْ عجز البنك المركزي إلى تغطية واردات البلاد من السلع والمنتجات المنقذة للحياة، مشيرة إلى أن 14.4 مليون يمني لا يجدون قوت يومهم.