الاقتصاد.. الورقة الأخيرة في جُعبة العدوان
محمد المنصور*
*رئيس تحرير صحيفة الثورة
ليس العدوانُ على اليمن سعودياً فقط بل أمريكياً بريطانياً وعربياً وغربياً، وبغطاء مما يسمى الجامعة العربية، والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية.
ليس العدوان على اليمن عسكرياً وأمنيا فقط، بل واقتصادياً وإعْلَامياً، وحصاراً شاملاً براً، وبحراً، وجواً.
ليس العدوانُ على اليمن خارجياً فقط، بل هو عدوانٌ من الداخل تجنّد له طابورٌ عريضٌ طويل من السياسيين، والعسكريين، والأمنيين، والإعلاميين، والحقوقيين، والأكاديميين، والتُّجار وبعض المَشَايخ، وَتجنّد له تنظيم الإخوان وكثير من السلفيين، وأحزاب كالناصري والاشتراكي… إلخ.
ومع ذلك صمدت غالبية الشعب اليمني، وصمد الجيش واللجان الشعبية منذ قرابة العامين بحمد الله وفضله، وبات النصر قابَ قوسين إن شاء الله.
كانت الورقة الاقتصادية هي الأضعفَ في معادلة الصبر والصمود اليمني بوجه هذا العدوان العالمي، واتضح أن قرارَ نقل البنك المركزي اليمني كان الورقة الأخيرة في جعبة العدوان، بما أحدثته من إرباك في الواقع المالي للدولة نجم عنها تأخيرُ صرف المرتبات وآثار أخرى تأتي في سياق أهداف العدوان الذي فشل سياسياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً وإعْلَامياً في كسر إرادة الشعب اليمني العظيم، وسيفشل بإذن الله في تحقيق أهدافه عبر سياسة التجويع وصولاً لإخضاع الشعب اليمني عبر طاولة الحوار، أَوْ برفع راية الاستسلام لا سمح الله.
وفي مواجهة تلك التحديات ثمة جهودٌ كبيرة تُبْذَلُ على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية للتخفيف من آثار قرار تحالف العدوان نقل البنك المركزي اليمني، وامتصاص الصدمة الناجمة عنه، يعزّزها الجهد الشعبي المبذول في سياق حملة دعم البنك المركزي اليمني التي دعا إليها قائدُ الثورة السيدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، واستجاب لها قطاعٌ واسعٌ من أَبْنَاء الشعب اليمني يجودون بما استطاعوا تبرٌّعاتٍ أَوْ إيداعاتٍ، وهذه الأخيرة تحتاج إلى تفاعُلٍ أوسعَ من كبار التجار والمصارف التجارية لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي إجمالاً، وتنشيط الدورة المالية والاقتصادية، بما يسمحُ بتجاوز آثار قرار العدوان بتجفيف موارد الدولة ونقل البنك.
ومما يعزز فرصَ نجاح الحلول والمعالجات الرسمية والمجتمعية ما تمثّلُه حالة الاستقرار والأمن التي ينعَمُ بها المجتمع في معظم المحافظات الشمالية برغم العدوان السعودي الأمريكي التحالفي الهمجي المستمر، وما يمثله خيارُ تشكيل المجلس السياسي وإعادة تفعيل مجلس النواب، وتشكيل مجلس الوزراء من عودة لتفعيل مؤسسات الدولة للقيام بدورها ووظائفها المتوخاة.
إن حالةَ الصمود المجتمعي العظيم، والأداء المشرّف للجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، كما في عُمق العدو السعودي والتفنّن في استخدام التكتيكات والخطط العسكرية الاستنزافية للعدو ومرتزقته، وإدخال المنظومات الصاروخية بعيدة المدى وحُسن استخدامها في الزمان والمكان المناسب، قد أربك تماماً حساباتِ العدو ومرتزقته، وأعطى مردوداً سياسياً وإعْلَاميا عالمياً كبيراً.
لقد بدأت أطرافُ تحالف العدوان اليوم تحسبُ حساباً مختلفاً لليمن وجيشه ومنظوماته الصاروخية يختلف عن حساباته عند بداية العدوان.
السعودية اليوم تولولُ من على منبر الأمم المتحدة وتشتكي الصواريخ اليمنية التي تتهدّد جدة وغيرها من مدن المملكة، ولفت استهدافُ السفينة الحربية الإمَارَاتية سويفت قبالة ساحل المخاء من قِبل البحرية اليمنية أنظار العالم إلى خطورة ما تمارسه دول العدوان في ذلك الجزء الملاحي المهم والاستراتيجي أعني باب المندب، ويمكنُ القولُ ودونما مبالغة: إن استهداف السفينة الحربية الإمَارَاتية كان عملاً عسكرياً دفاعياً يمنياً يحملُ أبعاداً استراتيجية استباقية لمُخطّطات العدوان، نجم عنه إرباكُ أَوْسَاط العدوان سياسياً وإعْلَامياً ولوجستياً يحسب لصمود الشعب اليمني، ولكفاءة القيادة التي تدير المواجهة مع العدوان.
وبهذا المعنى تأتي المزاعمُ العسكرية الأمريكية بإطلاق صواريخ يمنية باتجاه سفن البحرية الأمريكية أمام السواحل اليمنية في محاولة طمأنة التحالف العدواني على اليمن باسْتمرَار يقظةِ البحرية الأمريكية في الساحل اليمني ومضيق باب المندب، وتحذير الجانب اليمني من مغبة استهدافِ ذلك التواجد، ولا يمكن فصلُ المزاعم الأمريكية باستهدافِ بحريتها بصواريخ يمنية ثم التراجُع عنها عن السجال الحاد الأمريكي الروسي حول الموضوع السوري وقضايا المنطقة.
كان النفي العسكري اليمني لاستهداف المدمرة الأمريكية ماسون قاطعاً وواضحاً لناحية التحذير من أيْ انتهاك للسيادة اليمنية والاستعداد للرد على أي انتهاك.
هذه المواقفُ والتطوّراتُ على الجانب اليمني الصامد بوجه العدوان السعودي الأمريكي التحالفي الهمجي، يقابلها على الجانب الآخر انكشافُ أهداف العدوان الإجرامية للعالم بما لا سابق له، فجريمةُ استهداف طيران العدوان المعزيين بالصالة الكبرى التي أودت بـ700 شهيد وجريح، نالت من الإدانات السياسية والإعلامية والحقوقية ما لم تنلَه أية مجزرة أَوْ جريمة سابقة.
ولبشاعة وهمجية جريمة الصالة الكبرى فإن الإدارة الأمريكية أدانت الجريمة ولوّحت بمراجعة دعمها للسعودية في الحرب على اليمن.
ما تعانيه السعودية اليوم اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً جراء عدوانها على اليمن كبير وخطير، ولن تقوى على الاسْتمرَار فيه إلى النهاية.
فشل تجربة الاحتلال لمحافظات الجنوب اليمني في إرساء ملامح دولة وأمن واستقرار وتنمية وخدمات، واسْتمرَار الانقسامات السياسية داخل المكونات الجنوبية التي انخرط معظمها في الانتفاع بالاحتلال وفتاته، والبحث عن مكاسبَ آنية بمقاييس جهوية مناطقية صغيرة، ما يجعل من فكرة استنساخ الدولة ومؤسساتها بما فيها البنك المركزي في عدن أمراً غيرَ مُجْدٍ، ومحفوفاً ببيئة أمنية تتصدّرها دوماً أعمالُ القتل والاغتيال والخطف وهيمنة المليشيات والعصابات على المشهد في الجنوب.
انكسارُ المشروع السعودي الأمريكي في اليمن وسوريا والعراق يسيرُ بموازاة استعادة الشعوب العربية بعض وعيها المفقود، وبتعبيرات سياسية وإعلامية سوف تتنامى، ولا يعني ذلك انحسارَ موجة المد الإرهابي السعودي الوهابي بغطاء أمريكي سريعاً، بل يعني أن معركةَ استعادة الهُوية العربية والإسلامية سوف تتعاظم وتستمر.
وإن نجاحَ الشعب اليمني في هزيمة تحالف العدوان السعودي الأمريكي هو نجاح لمشروع التحرر العربي والإنساني وهو ما سيكون إن شاء الله.