بيعُ الذات!
مصطفى عامر*
لا أحدٌ من المقيمين في الرّياض يفكّر بالقدوم إلى صنعاء، في الحقيقة لقد حسموا أمرَهم منذ أمدٍ بعيد، وهم حاليًا يقومون بشراء العقارات والشّقق والعمارات في القاهرة وبعض العواصم العربيّة، أَوْ الغربيّة بالنّسبة للقادة الكبار.
شخصٌ مثل ياسين سعيد نعمان، على سبيل المثال، وضع ذاته وتأريخه للبيع بثمنٍ معقول: سفارةٌ في لندن تتحوّل فيما بعد إلى لجوءٍ دائم، يتفرّغ خلاله للاستمتاع بما تبقّى له من الحياة الدنيا وكتابة مذكراته.
ياسين رجلٌ قنوعٌ على أيّة حال، فاسمه يقع في أسفل كشوفات مرتبات مناضليّ الرّياض، حتّى أنّ الهوّة تبدو شاسعةً بين ما يتقاضاه ياسين، الرّوح القُدُس للاشتراكيين اليمنيين، وبين ما يتقاضاه القُباطي، أَوْ نصر طه، أَوْ حتّى مختار الرّحبي.
في الرِّياض جمعٌ هائلٌ من التّافهين، ليس بمقدورك في الحقيقة أن تعيرهم اهتمامًا، لا يمكنك المجازفة بالقول أنّهم أحرقوا تأريخهم؛ لأنهم بلا تأريخ، ولا يمكنك أيضًا التفكير بما خسروه من مستقبلهم لأنّ قيمتهم الحقيقية، في الظروف الطبيعية، تساوي صفر.
لقد كان مؤتمر الحوار الوطني أكبر مفرخةٍ لإنتاج ذوي القيم الصّفريّة، والاحتفاظ بهم لحين الحاجة.
وقد جاء “حين الحاجة”، وتم استخدامهم لعامين متتاليين، وهي المدة التي تفوق كثيرًا تأريخ صلاحيتهم المدوّن، عادةً، في أسفل العلبة.
هؤلاء كثيرون، ومواقفهم لا تُحزن أحدًا، كما أنّ مآلاتهم لا تثير الشفقة بقدر ما تدعو إلى نقيضها:
برافو! لقد دُفع فيكم أكثر من ثمنكم الحقيقي.
بالتأكيد لقد دخلتم في صفقةٍ رابحة، والآن فلتذهبوا إلى الفناء بهدوء.
ما يدعوك للحزن حقًّا هو مآلات الزعماء الكبار، ليس عليهم بالطّبع فقد اختاروا بيع ذواتهم بالثّمن الذي يرونه مناسبًا، ولكن على مريديهم الطّيبين، وقد كنت في يومٍ ما- أعترف- من المدافعين الشّرسين عن ياسين سعيد نعمان.
ومن وقتٍ لآخر أصادف اشتراكيًّا في الطريق، أَوْ ناصريًّا، أتحدّث معه قليلًا، وألمح في عينيه خوفًا من إثارة الحديث عن ياسين، العذراء القدّيسة وفق إحدى التّوصيفات، أَوْ عن عبدالملك المخلافي.
بالنّسبة للرّهاجي، صديقي الاشتراكي الطّيب، فقد كان ياسين أيقونةً للوطن، ولا أدري الآن ما هو موقفه من الأيقونة التي تتقاضى راتبًا شهريًّا ريالاتٍ سعوديّةٍ معدودة، رغم أن جيفارا لم يكن امرأ سوءٍ وكاسترو لم يكُ بالتّأكيد بغيّا.
وقد تابعت مقالات ياسين الأخيرة، لقد أصبح متساهلًا بخصوص كلّ شيء، حينما يبيع الرّجل تأريخه فإنّه أيضًا يفقد بريقه، أمّا المخلافي فقد كتب تغريدةً قبل يومين ينعي فيها كاسترو.
حدّثت الصّفحة كرّتين، قرأت الاسم مرارًا، إنّه هو! عبدالملك المخلافي ينعي فيديل كاسترو!
أقفلت التليفون، استعذتُ بالله من الشّيطان، ضحكت قليلًا، ونسيت الأمر برمّته.