ورقةُ أنصار الله الرابحة والعجزُ السعودي
شنت الرياض عدواناً عسكرياً على اليمن في شهر مارس عام 2015 من أجل تغيير التركيبة السياسية لحكومة صنعاء واعادة بنائها وفقا للأجندة السعودية.
وكان وزير الدفاع السعودي، وولي ولي عهد المملكة، يأمل اعادة عبدربه منصور هادي الى السلطة في اليمن بالاعتماد على القدرات التسليحية الأمريكية ودعمها الاستخباراتي والسياسي، ليستغل ذلك لتعزيز موقعه في هرم السلطة بالمملكة. ولكن المعادلات في اليمن تغييرت بصمود أنصار الله وحلفائهم ومنهم الموالين للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
ان استمرار الحرب في اليمن بالتزامن مع تصاعد الخسائر العسكرية التي يتعرض لها الائتلاف الذي شكلته السعودية مع دول عربية، تسبب بابداء الرأي العام ردود فعل سلبية. وقد أدى ذلك الى ادراج الأمم المتحدة اسم السعودية في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال (أو ما يُسمى بقائمة العار)؛ رغم ذلك فقد شطبت الأمم المتحدة اسم السعودية من هذه القائمة لتمنع اتخاذ اجرائات بحقها، وذلك بعد الضغوط التي مارسها وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان على الأمين العام للمنظمة، بان كي مون.
وتوجه السعوديون الى انهاء هذه الأزمة عبر المفاوضات حيث أن كلفة الحرب على اليمن تبلغ 200 مليون دولار يوميا، كما أن المملكة اضطرت الى اتباع سياسات اقتصادية تقشفية، الى جانب القلق الامريكي من ادراج اسم السعودية الى قائمة البلدان المنتهكة لحقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد، بدأت محادثات السلام اليمنية في شهر نيسان من العام الجاري في الكويت. وجلس الى الطاولة وفد صنعاء المتكون من ممثلي حركة أنصار الله ومؤيدي الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وعلى الجانب الآخر جلس الوفد السعودي باعتباره ممثلا عن الحكومة اليمنية المستقيلة التي كان يترأسها عبدربه منصور هادي.
وبعد 90 يوما من المفاوضات لم يتوصل الوفدان الى نتيجة، وخرقت السعودية جميع الهُدن التي تم الاتفاق عليها؛ حيث لم يستسغ السعوديون القبول بمطالب حركة أنصار الله، ومن هذا المنطلق كانوا يريدون استغلال الأجواء لتوجيه ضربة قاضية الى حركة أنصار الله في ميدان المعركة. ولكنهم في كل مرة غاصوا أكثر في المستنقع واضطروا لتحمل المزيد من الضغوط السياسية والعسكرية.
وتتكون حركة انصار الله من اغلبية شيعية زيدية كانت مهمشة في المشهد السياسي والحكومة اليمنية حتى بداية الحرب السعودية ضد اليمن. حيث أن مقاومة المحتلين وخطوات تشكيل اللجان الشعبية بالإضافة الى توصل الحركة الى اتفاق سياسي مع علي عبد الله صالح، أدى الى أن تصبح حركة انصار الله اليوم جزءا من المشهد السياسي اليمني، ولم يعد يمكن لأي مجموعة او شخصية تشكيل حكومة يمنية من دون الالتفات الى مطالب الحركة.
وخلال مفاوضات الصلح اليمنية، سعت حركة أنصار الله الى بقاء السلطة المركزية بين يدي أبناء الشعب اليمني وبعيدة عن اللاعبين المدعومين سعوديا. وعلى الجانب الآخر أصرت الرياض على اعادة الرئيس اليمني المستقيل، والمطالبة بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الذي نص على القاء حركة انصار الله السلاح. وفي ظل هذه الظروف تضائلت الآمال بالتوصل الى حل سلمي بالنظر الى اختلاف وجهات نظر الفريقين وعمق الهوة بين الطرفين.
ووفقا لما مر ذكره فإن البطاقة الرابحة بيد زعيم حركة انصار الله في ظل الظروف القائمة هي الاسناد الشعبي للحركة على الرغم من مضي أكثر من عام على الحرب والمآسي التي مر بها الشعب. وفي ظل ذلك ازدادت ثقة الشعب اليمني بأنصار الله اثر سيطرة الثوار على العاصمة صنعاء، مضيق باب المندب الاستراتيجي، المؤسسات الاقتصادية والمراكز الأمنية بالإضافة الى قيادة حركة أنصار الله الحكيمة في مواجهة الحصار على سواحل اليمن وانعدام امكانية الحصول على مساعدات من الأصدقاء.
وعلى الجانب الآخر تعتمد السعودية على صمت المجتمع الدولي، الأمم المتحدة والدعم الأمريكي، وفي ظل هذا استطاعت حكومة آل سعود أن تشن حربا غير قانونية وحربا لاحتلال اليمن كان من الممكن أن تؤدي وفقا للقواعد الدولية الى رد فعل عسكري عالمي ضد السعودية وتمكنت السعودية من متابعة هذه الحرب التي أدت الى مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني حتى الآن.
وعلى الرغم من أن الاعتدائات السعودية التي تخللتها هُدن مؤقتة قد أدت الى تعرض اليمن لخسائر كبيرة بالأموال والأرواح، إلا أن الرياض لم تتمكن حتى الآن من تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة في ظل مقاومة الثوار اليمنيين لها؛ كما يبدو أن تصاعد الخسائر المادية والبشرية السعودية من ناحية والتحول الذي طرأ على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جهة أخرى، جعل السعودية تغرق أكثر واكثر في المستنقع اليمني.
*الوقت التحليلي