المولدُ النبوي مولدُ النور مناسبةٌ حيةٌ في قلوب المسلمين محارَبة من المعتدين
مُحَمَّد بن سقاف الكاف
لقد مَنَّ اللهُ الخالقُ على هذه البشرية بإيجادِ نُور النَّبيّ الخاتم الحامل لنور السماء والرشاد الإنساني (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة 15-16) فسمّى اللهُ حبيبَه ومصطفاة صلى الله عليه وآله نوراً، ومر هذا النور الشريف بمراحلَ طوالَ منذ عهد الإيجاد الأول في عالم النور إلى أن برز بشراً مكتملاً خارجاً من بطن السيدة الشريفة المطهرة آمنة بنت وهب عليها السلام.
فلنستعرض مسيرةُ النور النبوي المطهر الذي اختصه الله بإسعاد البشرية وكان بحق هو الهدى والرشاد.
- ورد في الأثر من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما عندما سأل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله عن أول ما خلق الله تعالى فقال: له صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله خلق نور نبيك مُحَمَّد من نوره) فكان هو أول الموجودات ومبدأ المخلوقات وأشرف الكائنات فهذا هو الميلاد الأول والإيجاد الأول لسيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم.
- ثم شاءت عناية الباري تعالى أن تسكن هذا النور المشرف في كائن طيني يكون له سِر الخلافة الإلهية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(البقرة 30) فأسجد الله تعالى لهذا الطين الملزوب بالماء والمتكون من الحمأ المسنون المتمثل في البشر الأول وهو صفوة الله آدم عليه السلام والذي تنور بنور مُحَمَّد صلى الله عليه وآله حيث وصف هذه الحالة بقوله الشريف: (كنتُ نبياً وآدم منجدلٌ في طينته) فكان هو وسيلة الأنبياء وتشريف البشرية.
- وبعد أن سكن هذا النور النبوي والسر المصطفوي والشرف المُحَمَّدي في صلب أبي البشرية صفوة الله آدم عليه السلام وانتقل هذا النور في رحلة عبرَ الأصلاب الطاهرة والأرحام الشريفة الفاخرة والتي تقلب فيها حبيب الله في هذه الحياة الدنيوية الإنسانية (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(219الشعراء) فتنقل وتقلب هذا النور العظيم حتى نزل في صلب قمر بني هاشم الذبيح الثاني عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم عليهم السلام وما أحاطت بهذا المولد المشرف من إرهاصات وبشارات.
والتي وصف هذا الميلاد الإمام البوصيري في بردته الشهيرة بقوله:
أبان مولده عن طيب عنصره يا طيب مبتدئ منه ومختتم
- واختصت الطاهرة المصونة الشريفة آمنة بنت وهب الزهرية عليها سلام الله بالحمل البشري لهذا النور المُحَمَّدي وقد وصفت حال الميلاد العظيم بخروج النور منها فرأت أنه أضاء له الخافقين فرأت منه قصور الفرس والروم فكان البروز الجسدي والظهور النوراني لهذا الخلق الكامل المكمل والمعصوم المعظم وكما أبدع في الوصف أمير الشعراء شوقي:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
بَيتُ النَّبيّينَ الَّذي لا يَلتَقي إِلّا الحَنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ
خَيرُ الأُبُوَّةِ حازَهُم لَكَ آدَمٌ دونَ الأَنامِ وَأَحرَزَت حَوّاءُ
هُم أَدرَكوا عِزَّ النُبُوَّةِ وَاِنتَهَت فيها إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ
خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها إِنَّ العَظائِمَ كُفؤُها العُظَماءُ
- ومن هنا كان سر احتفالنا وفرحنا بهذا الميلاد وما هو إلا تحقيقاً لما أمر الله به في كتابه العزيز بوجوب الاحتفال والفرح بذكر النعم حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)(يونس 57-58) وهذا الاحتفال والفرح هو ديدن أبناء الأمة المُحَمَّدية المحبة لسيد البشرية صلى الله عليه واله من خط الفلبين السنغال وهم يسعدون ويفرحون بميلاد منقذهم الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سواء بقراءة مولده الشريف وسيرته العطرة أو إنشاد القصائد والمدائح والترنم بها أو إطعام الطعام وتوزيع الحلوى أو تعليق الزينات والأنوار كل هذه مظاهر المحبة لدى المسلمين أجمعين وما نحن اليمانيون إلا جزء من هذه الأمة الفرحة المستبشرة عبر تاريخنا الإسلامي الطويل المليء بالفرح بحبيبنا مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه الصور المتمثلة بالحب والفرح والتقدير لصاحب الذكرى صلى الله عليه وآله نجدها تتفاوت من أمة لأخرى ومن مجتمع لآخر إلا أن القاسمَ المشتركَ هو الحُبُّ والفرح وجوهر الإيمان المتمثل بهذه الصور.
لكن لو انتقلنا إلى مكة المكرمة وهي موضع التشرف المكاني بنور مُحَمَّد صلى الله عليه وآله ومكان نشأته وبعثته المعظمة والتي لوثت بدنس العدوان الوهابي السعودي فامتهن مكان الميلاد الشريف بأن جعلَه في بادئ أمره مَــرَبِطاً لخيل الغزاة المعتدين من الجيش الوهابي السعودي ثم إذاعة ثم أصبح مكتبة في مبناً صغير تعلوه قصور حكام آل سعود.
ونجد هذه النابتة الأثيمة في قلب الأمة المُحَمَّدية الوهابية ودولتها تحارب الذكرى وصاحبها والمولد زماناً ومكاناً بل وأتباعاً وسبقاً فهاهم يكشفون عن وجههم القميء بقتل أحباب المصطفى صلى الله عليه وآله وأوائل المصدقين به وهم أهل الإيمان والحكمة حيث قال فيهم صلى الله عليه وآله (الإيمان يمان والحكمة يمانية أتاكم أهل اليمن أرق قلوباً وألين أفئدة).
إن مَكَّةَ المكرمة مكان ميلاد النور النبوي ترزَحُ تحت وطأة هذه القوى المجرمة المعتدية والتي تدعي كذباً الخدمة والحماية سائلين المولى أن يمن على الأمة بإحياء ما أفناه هذا العدوان البغيض.