نشطاءُ التواصُل الاجتماعي في مواجَهة تعطيل صفحاتهم.. الاغتيال الإلكتروني!
صدى المسيرة – عبدالقادر حسين
زمن كشف الحقائق.. نعم إنه زمن كشف الحقائق فكم تغنت دول الاستكبار العالمي والغرب بشكل عام بالديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر، إلا أنها انكشفت وانفضحت خلال العدوان على الشعب اليمني فلا ديمقراطية يتمتعون بها ولا حقوق إنسان يرعونها.
وظهر جلياً كيف يضيق فيسبوك بشعار (الله أكبر الموت لأمريكا) أو بصورة السيد حسن نصرالله أو بنشر صورة للمجازر الحرب الشنيعة التي يرتكبها العدوان الأمريكي السعودي بحق أبناء الشعب اليمني.
انتشرتْ في الآونة الأخيرة ظاهِــرةُ تعطيلِ وإغلاقِ حسابات العديدِ من مستخدِمي موْقعِ التواصُلِ الاجتماعي (فيسبوك)، في ظاهرةٍ تُشبِهُ إلى حد كبير حوادثَ الاغتيال؛ كونها تستهدفُ ناشطين وتنسف بالمعلومات والبيانات التي يحتفظون بها في حساباتهم منذ أعوام، بالإضافة إلى قوائم الأصدقاء والمتابعين التي يصعُبُ استعادتها.
ويعاني المستهدَفون من هذه الظاهرة، التي تبدو أنها ممنهجةٌ وتستهدفُ أسماءً معينةً يجري تصنيفُها بحسب الموقف من خلال المواد التي تُنشَرُ في هذا الحساب أَوْ ذاك، فأصحابُها يفعلونها بأسمائهم الحقيقية، ويتم تأكيدُها وتوثيقُها برقم هاتف وصورة بطاقة شخصية أَوْ جواز سفر لإثبات الهوية، وعلى الرغم من ذلك لا يتمكن هؤلاء النشطاء من تأمين حساباتهم وحمايتها من الإغلاق، ليُفاجئ معظمهم في لحظة ما، برسالة (لقد تم تعطيل حسابك).
أسرةُ (بديل)
ولكون (فيسبوك) قد صار لدى اليمنيين وسيلةَ تواصل هامة ونافذة للتعبير عن الرأي، فإنهم يتجاوزن مسألة التعطيل أَوْ إغلاق الحساب، إلى إنشاء حسابات بديلة بعد نفاد كُلّ محاولات استعادة الحساب القديم، ليصطدمَ ذلك على جدار الفكاهة اليمنية، وذهب البارعون في مجال الفكاهة الساخرة للقول بأن مارك قد ضَـــمَّ الكثير إلى أسرة جديدة تُدعى (بديل)؛ لأن أولئك الذين تمّ تعطيل حساباتهم يُنشؤون حسابات جديدة ويُذيلون أسمائهم بـ (بديل).
تجريدُ النشطاء من وسائل التعبير
هذه الظاهرة التي نستطيعُ أن نُطلِقَ عليها (الاغتيال الإلكتروني) تُثير تساؤل، كيف أن الإعلامي والكاتب والمواطن العادي لا يمتلك الوسيلة لنشر إنتاجه الفكري أَوْ مساحة حرة للتعبير عن رأيه، فهو يظل خاضعاً لمعايير طبقات الهيمنة والاستغلال، فحتى الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي اعتبرناها وسيلةَ تمكين مفتوحة لأصحاب الرأي، إذ أن وصولَ هذه التكنولوجيا الحديثة أحدث ثورةً على الصعيد الإعلامية ومكَّنَ العديد من النشطاء بناء جماهير واسعة لهم تكاد تفوقُ أَوْ تضاهي على أقل تقدير جماهيرَ بعض الصحف، مما خلَّص الكُتّابُ والصحافيون من ربقة إدَارَة التحرير في المُؤَسّسات الإعلامية وكذا تكاليف التصميم والطباعة، وصار بإمكان الصحافي الوصول إلى جمهوره بتكاليف بسيطة في الفضاء الإلكتروني.
لم يتوقف الأمرُ عند الإعلاميين والنشطاء أفراداً، فمع ازدياد أعداد مستخدمي التواصل الاجتماعي الإلكتروني، كان لزاماً على المُؤَسّسات الإعلامية والحكومية والسياسية والتجارية، أن توجدَ لها موطئ قدم في هذا الفضاء الجديد الذي أتى من خارج فضاءاتِها التقليدية المحكومة بقبضتها الحديدية، وقد أتاحت إدَارَة مواقع التواصل الاجتماعي لهذه المُؤَسّسات ميزات عديدة كالإعلان الممول.
وبالرغم من الميزات مدفوعة الثمن، إلا أن الاحتكارات العابرة للقارات تبرز هيمنتها أكثرَ من سيطرة من الاحتكارات الصغيرة، فساوت – نوعاً ما – بين الفرد ومُؤَسّسته في هذا الفضاء ليكونَ على مستخدِمِ التواصل الاجتماعي كائناً من كان مواجَهةُ الاحتكارات العالمية والسياسة المسيطرة عليها.
هيمنةُ شركات التواصل الاجتماعي
هذا الفضاءُ الإلكترونيُّ الجديدُ، لا يضع قيوداً تقنيةً معقَّدَةً، بل يعمدُ على تبسيطها مع كُلّ تحديث، لكن ثمة قيوداً وعقوباتٍ كبيرةً تقفُ في مواجَهة المستخدمين ولا يستطيعون تجاوُزَها، ولدى إدَارَة (فيسبوك أنموذجاً) معايير وقواعد ليست تقنية بحتة، بل يتدخل فيها الموقف والتوجه السياسي، مما يمكّنها من تجريد أي مستخدم من كُلّ المكتسبات الإلكتروني وبلحظات يفقد متابعيه وجمهوره وأرشيفه ورسائله، بمجرد نشر ما يخالف سياسية القائمين عليها.
وفي ظل الأحداث العاصفة التي يمر بها العالم العربي لا سيما العدوان على اليمن، وبما أن التواصل الاجتماعي كانت ساحة مبارزة سياسية وإعلامية، تعرضت صفحاتُ الكثير من السياسيين والإعلاميين للإغلاق، وكذا قنوات تلفزيونية جرى إغلاقُ حساباتها في تويتر وفيسبوك ويوتيوب، نذكر على سبيل المثال قناة المسيرة التابعة لأنصار الله، وقناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، وكذا قناة الميادين.
بالنسبة للقنوات التلفزيونية، لم تقتصر محاولاتُ إسكاتها وإزاحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل طالها من جهة أُخْــرَى، بالقرصنة عليها في أقمار البث الفضائي وتعرض للتوقف أكثرَ من مرة، والتشويش المتعمد، مما اضطرها للإشراك في أقمار بث فضائي أُخْــرَى كالقمر الروسي.
“فيسبوك” بصَفِّ العدوان
مع طول أَمَــدِ العدوان على اليمن وزيارة محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى إدَارَة (فيسبوك)، بدا وكأن إدَارَةُ (الفيس بوك) قد جرى تجنيدُها في صفوف العدوان، وظهر ذلك جلياً في حملة إغلاق الحسابات وتعطيلها، بحجة أنها تبُثُّ صوراً مرعبة أَوْ تنشُرُ فكراً متطرفاً، أَوْ أن من بينها حسابات وهمية.
لقاءُ بن سلمان بالشريك المُؤَسّس ورئيس شركة فيسبوك مارك زوكربيرغ، حمل على اليمنيين وبالاً كبيراً، إذ زادت حملاتُ إغلاق وتعطيل حسابات النشطاء، وحينذاك كان تناوُلُ اليمنيين لخبر اللقاء بأن على النشطاء أخذ الحَذَر والحيطة على حساباتهم.. ونموذج للنشطاء الذين جرى استهدافُ حساباتهم الفسبوكية، تعرض رئيسُ مجلس وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” ضيف الله الشامي، لتعطيل حسابه ثم أنشأ له بديلاً فتعرض حسابُه البديلُ للإغلاق أيضاً وبفضل مساعدة أحد أصدقائه تمكن من استعادة حسابِه القديم، ويعلق على ذلك بسخرية قائلاً: “ليش زعل مارك من حسابي البديل، وقلبها احترامات ورجع لي هذا الحساب ونكع الحساب البديل؟!..”، متابعاً “أكيد شاف الأصدقاء فيه ما فيهم من بضاعته خرج زعلان وقفل الحساب..!!!”.
قوانينُ تقنية تحُــدُّ من حرية المستخدم
وعلى سبيل المثال نجدُ أن شركةَ فيسبوك تشترك في الحرب وتُشكل رديف إلكتروني للسعودية ومن وراءها الغرب الإمبريالي، إذ استحدثت قوانين استخدام تقنية تقيد من حرية المستخدم، إذ لا يستطيع أن ينشر شعارَ حركة أنصار الله كتابياً، ثم قررت إدَارَة الشركة حجب صور الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وإغلاق حساب كُلِّ مَن ينشر صوره على حسابه باعتبارها ترويجاً لتنظيمات إرهابية.
وحينها ثارت ضجةٌ كبيرة، وأطلق أنصارُ حزب الله هشتاق بعنوان “#قاوم_بصورة” على صفحات الفيسبوك، لتحدّي الموقع ونشر صور نصر الله على نطاق واسع، وهو ما قابلته الشركة بعمليات حجب واسعة لصفحات جمهور حزب الله، فلجأ جمهورُ “نصر الله” إلى التحايل على قرار الشركة، بنشر صور شخصية وخلفها على الحائط صورة لنصر الله، خوفاً من إغلاق حساباتهم.
بالنسبة لتعطيل حسابات المستخدمين يرى البعض أنها دليلٌ على أن ادعياءَ الديموقراطية وحرية التعبير تضيق ديموقراطيتهم ذرعاً بالأحرار ويتسعُ صدرها للعبيد من أذنابهم، ولا تأتي غالباً من إدَارَة الشركة، لكن هناك مجموعات خَاصَّـة يتم التعميم فيها على حساب ما لعمل تبليغات عنه، مما يؤدي إلى تعطيله، ويعتبر ذلك أحدَ أضرب الحروب الإلكترونية.
تدفُقٌ إعلاميٌّ غيرُ متوازن
يوردُ المفكرُ الفلسطيني، نائف حواتمة، في كتابه “اليسار العربي” « إن المفارَقةَ تكمُنُ في أن الكُتّابَ والمفكرين المجددين، مُبعَدون كلياً عن وسائل الإنتاج والإرسال.. “إنه المال السياسي السلطوي والنفطي والمذهبي”، فلم تعد لهم السيطرة عليها، فما يجري هو خصخصة تستبعد الثقافة المستندة على المعرفة الانتقائية.. أما خصخصةُ الثقافة بقوة المال السياسي فهي تستلزم إحالتها عملياً إلى الفاعل الخارجي فهو المهيمن والأقوى».
ووفقاً لهذه السياسة التي تحتكرُ التقنية الحديثة وتستخدمها لصالحها، ينكشفُ إفلاسُ الغرب وتنفضح دعاوى الحرية الديمقراطية وحرية الصحافة التي تعتبرها كذباً من أَسَـاسيات القيم الغربية اللبرالية الرأسمالية، ويظهر أن السياسةَ الامبريالية الرأسمالية تريد من الشعوب سماع الرأي الواحد والصوت الواحد والصورة الواحدة ومن يخرج عن هذا يواجه بالعقاب والقمع والتغييب لصوته.
إن الرأسماليةَ وقد وصلت لذروتها الإمبريالية عبر شركاتها العابرة للقارات، تسعى إلى احتكار التدفق المعلوماتي، والتعتيم والتضليل على أية معلومات تأتي من خارج سياق توجهاتها؛ لأنها تعلم أن السيل المعلوماتي المتدفق عبر وسائط الاتصال الحديث يترسب في وعي المتلقي وبالتراكم يولّد لديه قناعات معينة تصب في مصلحتها، وبعد أن حقّقت أَهْــدَافها العولمية بأن جعلت العالم قريةً واحدة وفضاء مفتوحاً للتدفق الإعلامي، استطاعت من خلاله أحياء الهويات الإثنية والمناطقية والطائفية، وأن تكرس هكذا مشكلات، فنجدُ على بعض القنوات كالعربية والجزيرة، أنها تطلبُ من المشاهدين إرسالَ مشاهد أَوْ التعليق على أيّ حدث سياسي هام، فيما هم مشاهدون عاديون، لكنه ذلك يأتي في إطار التوظيف من أجل مصالحها، فهم يعلمون بأن هؤلاء المشاهدين الموجهين أصلاً، تجاه أيَّة قضية كدعم الإرهاب في سورية أَوْ دعم تحالف العدوان في اليمن، لن ينشروا سوى قناعات تخدُمُ توجه الاستعمار الإمبريالي في العالم والوسائل الإعلامية المعبّرة عنه.
وتعمل جاهدةً لكي لا يُستخدم هذا الفضاء الإلكتروني في خدمة المشاريع الإنسانية، مشاريع السلام والتقدم على مستوى العالم، ومناهضة العولمة والاحتكار ولذا تسعى إلى إغلاق صفحات التواصل الاجتماعي لشخصيات مهمة وناشطين معرفين، وكذلك على مستوى القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، وعلى سبيل المثال قد نجد صفحاتٍ كثيرةً على مواقع التواصل الاجتماعي تخص مهرِّبي السلاح، أَوْ المتاجرة بالجنس، أَوْ تبادُل الزوجات، وأُخْــرَى لدعم القاعدة وداعش والتجنيد من خلالها، والمفارقة التي تبين التناقض الرأسمالي مع دعواته للحرية والديمقراطية، أن نجدُ أهمَّ الصفحات الفكرية والعلمية والنضالية أكانت ثوريةً ماركسيةً أم قومية تقدمية أَوْ دينية الأكثر تقدماً، تُغلَقُ هذه الصفحات بشكل متعمَّد وموجَّه.