مجلة “ناشونال إنترست” تكشفُ حقيقةَ التدخل الأمريكي في اليمن
وأسفت المجلة الأمريكية للقول إن قرار إدارة الرئيس باراك أوباما بتخفيف حجم الدعم والمساندة لـ”التحالف” يعد مسألة “صغيرة للغاية” و”متأخرّة إلى حد بعيد”، خصوصاً وأن القرار المذكور “لن يكفّر عن مسألة الانخراط الأمريكي الحاصل في اليمن”، مع استمرار مبيعات الأسلحة لدول “التحالف” بـ”صبّ الزيت على النار المتأجّجة أصلاً” على المسرح اليمني.
وأضاف تقرير المجلة، الذي حمل عنوان: “سحب الدعم الآن لن يغفر التورط الأمريكي في اليمن”، أن قرار حظر توريد لأسلحة “والذي يشمل الذخائر دقيقة التوجيه حصراً”، يضع، على ما يبدو، صفقات الأسلحة الموقعة بين الرياض وواشنطن في عهد أوباما، بقيمة إجمالية تقارب 112 مليار دولار، خارج مجهر “التساؤل والمساءلة”، دون أن يشمل أيضاً وقف تزويد طيران “التحالف” بالوقود، والمعلومات الاستخبارية، أو تقديم الخدمات الاستشارية في مجال التهديف وتقنيات تصويب الأسلحة.
وفوق ذلك كلّه، رأى التقرير الذي أعدّه تريفور ثرال، أن “الأهم هو أن الحظر لن يعرقل مبيعات الأسلحة لأي من شركاء السعودية في التحالف، مثل الإمارات العربية المتّحدة، وقطر، أو الكويت، وهي دول حصلت جميعها على الضوء الأخضر لإجراء صفقات أسلحة كبرى خلال الشهرين الماضيين”.
وعن صفقات الأسلحة الموقعة مع تلك الدول مؤخراً، لفت الباحث في معهد “كاتو” إلى موافقة واشطن على تزويد الرياض بخمسين مروحية من طراز “شينوك”، وبعض المعدات المرتبطة بها، بقيمة تصل إلى 3.5 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن الصفقة المقرّرة “تتفلّت من (قيود) الحظر المقترح، على الرغم من إمكانية استخدام تلك الطوافات الحملة العسكرية ضد اليمن”. وفي هذا الإطار، تابع الكاتب قائلاً: “في الواقع، فإن الصفقة الوازنة الوحيدة التي سوف يتم وقفها، بناء على قرار الحظر، تضم 16 ألف وحدة من معدّات التوجيه، وليس قنابل فعلية، يقتصر عملها على تحويل القنابل الغبية إلى قنابل ذكية”.
كما لحظ الأستاذ المساعد في قسم السياسة والحوكمة في جامعة جورج ماسون، المفارقة بإعلان الإدارة الامريكية عن حظر تزويد الرياض وحلفائها بالأسلحة (الذكية) في اليوم نفسه الذي شهد الإفراج عن الشحنة الأولى من طائرات “أف 15″، وفق صفقة جرى توقيعها مع الجانب السعودي في وقت سابق. وفي هذا السياق، أورد الكاتب أنه “من الآن فصاعداً سوف تقوم المملكة العربية السعودية باستخدام بعض المقاتلات الثقيلة فائقة التطور، لإسقاط القنابل الغبية”، مبدياً سخريته من أن “جلّ ما قدّمه هذا الحظر، هو دفع السعوديين لمواصلة قصف اليمن بأسلحة، تزيد من مخاطر تعرّض المدنيين عن طريق الخطأ”.
أما دول “التحالف السعودي” الأخرى، فقد أشار ماسون إلى تعاقد الإمارات مع الولايات المتحدة، في الثامن من ديسمبر الجاري، على شراء طوافات “أباتشي” بقيمة 3.5 مليار دولار، وهو التاريخ عينه الذي شهد وضع اللمسات الأخيرة على صفقة بين واشنطن والدوحة لتزويد الإمارة الخليجية الصغيرة بقطع غيار لطائرات “سي 17″، تبلغ قيمتها 81 مليون دولار، إلى جانب التعاقد على بعض خدمات ومعدّات الدعم اللوجيستي، بقيمة 700 مليون دولار. وإلى جانب حصول قطر على الموافقة الأمريكية لبيعها 72 طائرة “أف 15″، بقيمة تتجاوز 21 مليار دولار، خلال نوفمبر الفائت، أورد التقرير موافقة واشنطن خلال الشهر الحالي على تزويد الكويت بـ 218 دبابة قتال رئيسة من طراز “أبرامز”، بقيمة 1.7 مليار دولار، بعد إعطاء موافقة شبيهة إبان الشهر الماضي على مدّها بطائرات من طراز “أف 18″، بصفقة ناهزت قيمتها 10 مليار دولار.
وبعد التذكير بفشل التصويت على وقف إحدى صفقات الأسلحة بين واشنطن والرياض، في مجلس الشيوخ الأمريكي، على خلفية حرب اليمن، رأت “ناشونال إنترست” أن “التدابير المعززة بقوة دفع أكبر، وقدرة أوسع على التحكم، من أجل لجم وتقييد الحملة الجوية ضد اليمن، واجهت مقاومة شديدة من الكونغرس، والبيت الأبيض، على حد سواء”. كما سلّطت المجلة الضوء على ما تقدّمت به النائب عن الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي تولسي غابارد، وبالاشتراك مع مجموعة من زملائها، من مشروع قانون يهدف إلى “وقف مبيعات الأسلحة إلى الدول التي يشتبه في دعمها للمجموعات الإرهابية”، وهو تشريع، في حال تمريره، من شأنه أن “يوقف تدفّق الأسلحة إلى المملكة العربيّة السعوديّة”، وأن “يعيق نشاطاتها في اليمن”، وإن كانت حظوظه في النجاح لن تكون أكثر من سابقيه، على حد تعبير “ناشونال انترست”.
إلى ذلك، ختمت المجلة بالقول إن قرار إدارة أوباما بوقف مبيعات الأسلحة (الذكيّة) للسعوديّة، يعد في أحسن الأحوال، محاولة ضعيفة “لإظهار الفضيلة”، ولـ”النأي بالنفس عن حرب بشعة لا مبرّر لدعمها”، وفي أسوئها، ينظر إليه على أنه محاولة لـ”حجب حقيقة أن الولايات المتحدة تواصل إذكاء نيران الصراع من خلال مبيعات الأسلحة”. كما أوضحت “ناشونال انترست” أن “النهج الأفضل” إزاء الحرب في اليمن، يتمثّل في وقف العمل ببرنامج المبيعات العسكرية الخارجية للسعودية وحلفائها في تلك الحرب باعتباره السبيل لعدم وصول المزيد من الأسلحة الأمريكية الصنع إلى هذه الدول، لافتة إلى أن هذا النهج ربما “لن ينهي الحرب في اليمن”، كما “لن ينجح في جلب السلام والاستقرار إلى المنطقة بشكل سحري”، إلا أنه سوف “يؤكد على مسألة عدم اكتتاب الولايات المتحدة في صراعات غير قانونية، وغير منتجة”، الأمر الذي يمكن عدّه “محطة جيّدة للانطلاق”.