جرائم العدوان.. نــزوعٌ إلى الانتـقــام من الهـزيمـة
صدى المسيرة: خاص
عامان من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن لم يمر يومٌ منهما دون أن يرتكبَ هذا العدوان جريمة أَوْ جرائمَ بحق الإنْسَان اليمني وبُنيته التحتية ومقدراته ليس فحسب، بل عامان من الحصار الخانق أيضاً، الحصار حتى من حبات الدواء وقطن الجراحة.
بدأ العدوان أولى غاراته حوالي الثانية بعد منتصف ليل الخميس 26 مارس 2015م، حيث فوجئ سكان العاصمة صنعاء بأصوات تحليق مكثف للطيران وانفجارات تهز منازلهم دونما معرفة منهم بالذي حدث، استهدفت الغارة الأولى مطار صنعاء الدولي واستهدفت الغارة التالية حي بني حوات السكني في مديرية بني الحارث محافظة صنعاء.
كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف، وكان أهل الحي مذعورين من سماع الغارة الأولى وصوت الطيران المكثف، ثم فجأةً كان أكثر من 71 منهم مدفوناً تحت الأنقاض؛ غارة إجْـرَامية أحالت منازلهم وأحلامهم إلى رُكَام وأحالت أجسادَهم إلى أشلاء متفرقة.
لم يكن ما حدث لأهالي بني حوات إلا موجزاً مبسطاً لما سيقومُ به التحالُفُ الإجْـرَامي لاحقاً، وفيما أعلن في ذلك الوقت أن عملياته تهدفُ إلى محاربة قوى الواحد والعشرين من سبتمبر مَن أسماهم بالانقلابين وإعادة الفارّ المنتهية ولايته هادي إلى سدة الحكم، تبين منذ الغارة الأولى ما يواربه تحت هذه الأَهْدَاف من أَهْدَاف حقيقية أُخْــرَى، لا سيما أن الحي الذي أصابته الغارات الأولى والأطفال والنساء الذي راحوا ضحيةً لتلك الغارات لم يكونوا سوى من عامة الشعب اليمني، واستهدافهم كان تدشيناً للعدوان على الشعب اليمني بأكمله سعياً لتركيعه وإعادته إلى دائرة الوصاية السعودية.
وطوال الشهر الأول من العدوان ارتكب الجريمة تلو الجريمة؛ بهدف تدمير مقدرات الدفاع اليمني وقوامها العسكري والمدني بداية من قصف مطار صنعاء الدولي في السادس والعشرين من مارس 2015م وليس انتهاء بقصف العاصمة صنعاء بقنبلة فراغية استهدف بها جبل عطان في العشرين من أبريل 2015م، غير أن صمود الشعب اليمني أمام آلات القتل والدمار أصاب العدوان الذي راهن على تركيع اليمن في بضع ساعات باليأس وقلب أطراف المعادلة لصالحِ اليمنيين، فالعدوانُ الذي يمتلكُ أبشَعَ أسلحة الموت وأحدث وسائل الدمار وامبراطورية إعلامية ودبلوماسية ضخمة، ويمتلك الأموال الطائلة لشراء ذمم العالم بدا فاشلاً في تحقيق ما يرمي إليه أمام شعب محاصَر وفقير ولا يمتلك من الأسلحة سوى أسلحة عتيقة من مخلفات الحربيين العالميتين.
لم يكن من العدوان أمام كُلّ هذا إلا أن يعلنَ النصرَ الكاذبَ وإنهاء عملية “عاصفة الحزم”؛ باعتبار أنها حقَّـقت تسعة وتسعين بالمئة من أَهْدَافها كما صرح الناطق باسمها “العميد أحمد عسيري”.
كَي الوعي
يعود مصطلحُ “كَي الوعي” إلى المؤسّسة العسكرية الصهيونية (رئيس الأركان السابق موشيه يعلون)، وقد هدفت إسرائيل من خلاله إلى تحديث أدوات «الردع» في عُمق شخصية الفرد من جهة، وإنزال الهزيمة الثقافية والفكرية وترسيخ الشعور بالعَجْـز في الذهن الجمعي الفلسطيني من جهة أُخْــرَى، وبعدم جدوى النضال الشعبي، بالإضافة إلى عقم خيار «الكفاح المسلّح» في استعادة الأرض وتحقيق حلم الدولة.
كما استخدمت هذه الاستراتيجياتُ في حربها على لبنان في عدوان تموز 2006 على لبنان وذلك لمحاولة انتزاع رمزية التحرير عام 2000 من خلال الهجوم على مدينة بنت جبيل؛ لأن مجرد السيطرة عليها عسكرياً يمثّل «كيّاً لوعي» المقاومة في لبنان وانهيار أسس خطاب الانتصار الذي ألقاه قائد المقاومة، السيد حسن نصر الله، في 25 أيار عام 2000 (إسرائيل أوهن من «بيت العنكبوت»).
مع انتهاءِ الشهر الأول من العدوان على اليمن شعر تحالف العدوان الأمريكي السعودي بالعجز واليأس في استعادة الوصاية على اليمن فأعلن عملية عدوانية جديدة أطلق عليها اسم “عاصفة الأمل”.
لم تكن عاصفةُ الأمل لبَثِّ الأمل في نفوس اليمنيين والبدء بإعادة الإعمار، كما صرح الناطق باسم العدوان، بل كانت عملية إعادة أمل للتحالف الدولي في إيجاد استراتيجيات أُخْــرَى لإعادة اليمنيين إلى قمقم الوصاية.
مدفوعاً باليأس والعقل الأعرابي المكابر والفشل العسكري لقواته ومرتزقته في الجبهات أطلق تحالف العدوان العنان لآلة التدمير الممنهج للبُنى التحتية اليمنية العامة والخاصة، فدمّروا المستشفيات والمدارس والمساجد والمعالم الأثرية والحضارية، والأسواق المكتظة بالمدنيين، وانتقلت مجازرُهم إلى قصف المدنيين في منازلهم على مساحة الوطن من دون مراعاة لحرمة أَوْ دين أَوْ منطقة، أَوْ التفريق بين الأعراس، وسيارات الإسعاف، حتى أن الضحايا يتكرر قصفهم مراراً للتثبت من مفارقتهم الحياة.
كانت هذه الاستراتيجيةُ هي استراتيجيةَ كَي الوعي، حيث ذهب تحالف العدوان الأمريكي السعودي إلى استنساخ التجارب الإسرائيلية، بالتدمير الممنهج وضرب كُلّ سبل الحياة في مدن اليمن وعاصمته صنعاء، وباعتماد سياسة واضحة لتدفيع الشعب اليمني ثمن صموده، في محاولة يائسة لكيّ الوعي اليمني الفردي والجمعي.
في هذه المرحلة ارتكب العدوانُ الأمريكي السعودي المئاتِ من المجازر البشعة فقصف العاصمة صنعاء بقنبلةٍ فراغيةٍ ثانية استهدف بها منطقة نقم في 11-5-2015م ودمّرت أحياءً بكاملها وكذلك ارتكب مجازرَ يوميةً في محافظة صعدة وصنعاء وحجَّة والحديدة وتعز وذمار وسائر المحافظات اليمنية، مخلّفاً ما يزيد على 30 ألف شهيدٍ وجريحٍ وأضراراً بالغة في المنازل والمدن والبُنية التحتية حتى أنه لم تمر جريمة إلا وكانت الجريمة التي تليها أكثر منها بشاعة.
وفيما اعتبر البعضُ بأن مذبحة الصالة الكبرى بصنعاء التي ارتكبها العدوان في الثامن من أكتوبر الماضي مئات المواطنين الذين اجتمعوا لأداء واجب العزاء لبيت الرويشان وراح ضحيتها ما يقارب 150 شهيداً وأكثر من 600 جريح هي آخر جرائم العدوان هذا العدوان لما بلغته من الفظاعة التي لا يمكن أن يقدمَ عليها امرؤ في قلبه ذرة من إنْسَانية، ونسبة إلى عجز المجتمع الدولي عن تغطيتها ومسارعته بإدانة تحالف العدوان واضطرار العدوان إلى الاعتراف بها، إلا أنها لم تكن الأخيرة بل كانت بداية مرحلة جديدة من الإجْـرَام خرج فيها هذا التحالُفُ الأمريكي السعودي عن طَوْرِه بعد أن عجز حتى بهذه المجزرة عن النيل من صمود الشعب اليمني خُصُوْصاً، وكذلك بعد استهلاكه لورقة الضغط الأخيرة والتي تمثلت في قرار نقل البنك المركزي في 19 -9-2016م وتجويع الشعب اليمني.
خروجُ العدوان الأمريكي السعودي عن طوره دفع به إلى القصف الهستيري على الطرقات والشوارع والمدن والأحياء بشكل متكرر دونما أي هدف سوى لأنها يمنية.
على سبيل المثال قصف نقيل يسلح لأكثر من مرة خلال الشهر الماضي وكذلك معاوَدة استهداف مصنع اسمنت البرح في الحادي عشر من ديسمبر 2016م بعد ما يقارب العام من استهدافه وتدميره كليا كذلك استهداف محطات الاتصالات وآبار المياه ومختلف المنشآت المدنية والخدمية، فضلاً عن القصف اليومي على محافظة صعدة بالقنابل العنقودية وتدمير كُلِّ مظاهر الحياة فيها من المزرعة إلى الإنْسَان.
الإجْـرَامُ الممنهجُ
الأَهْدَاف التي طالتها غاراتُ العدوان والتي وصلت لآلاف المنازل والمصانع والمساجد والمدراس وغيرها، لم تكن قريبة من مناطق المواجهات ولم يجر استهدافها عن طريق الخطأ أَوْ الشبهة، وقد استهدفها العدوان الأمريكي السعودي استهدافاً ممنهجاً، هدفه تدمير البنية التحتية للشعب اليمني وإعاقته عن التقدم لسنوات طويلة، إضافة إلى دافع الحقد الداعي إلى تدمير كُلّ شيء جميل وعقدة النقص التي يشعُرُ بها أعراب السعودية أمام ما يمتلكه غيرهم من حضارات وجذور تأريخية وما يمتلكونه من مقدرات بشرية ومواقع جغرافية لم تتمكن أموالُ النفط من بلوغها.
وإذا كانت قراءةُ نفسية قوى العدوان قد وصلت لاستنتاج أن الجريمة كانت استراتيجية ووسيلة لتحقيق الهدف العسكري وإجبار الشعب اليمني على الاستسلام، فإن الإجْـرَامَ المنظم انتقل لمرحلة أُخْــرَى وهذه المرة نحو معاقَبة الشعب اليمني على عدم استسلامه، ونظراً للفشل العسكري الذي مُنِي به العدوان فقد لجأ إلى تدمير اليمن عوضاً عن السيطرة والهيمنة عليه.