الحرب النفسية.. أساليبُها وطـــرُقُ التصدّي لها
زيد البعوة
تعتبَرُ الحربُ النفسية من أهمّ أنواع الحروب تأثيراً في الصراعات بين الدول وتستهدفُ الشعوبَ بالدرجة الأولى، فالحربُ العسكرية تعتمدُ على القوة والمال والتخطيط العسكري والقوة البشرية المتمثلة في الجيوش والمقاتلين، إلا أن الحربَ النفسية تعد أهمَّ من الحرب العسكرية البحتة، فهي تسهمُ في خلخلة المجتمع المستهدَف وإرباكه وزعزعة نفسيات الناس وخلق حالة من الهلع والخوف في قلوبهم ويعتمد المعتدين على الحرب النفسية بشكل كبير لتحقيق أهدافهم والنيل من خصومهم.
والحربُ النفسيّةُ هي حربٌ إعلاميةٌ بالدرجة الأولى، فهي تعتمدُ على وسائل الاعلام ونشر الشائعات من خلال عناصرَ استخباراتية ومن خلال عملاء في أوساط المجتمع المستهدف، وهي ليست جديدةً، فهي موجودة منذ أن خلق الله آدم، إذ كان أول من جرّبها الشيطانُ الرجيم في إغواء أبينا آدم من خلالِ النصح والتحذير لا تقربا هذه الشحرة وقاسمهما إني لكم لمن الناصحين ثم بين ابني ادم قابيل وهابيل فقتل أحدهما الآخر، وهكذا استمرت الحربُ النفسيةُ تشُــقُّ طريقَها عبرَ معلمها الأول إبليس حتى أصبحت طريقةً يستخدمُها عبيدُ الشيطان في كُلّ زمان ومكان، فقد تحدَّث القرآنُ الكريم عنها ووصف مَن يقومون بها بالمرجفين والمنافقين الذين كانوا يعملون على خلخلة المجتمع المسلم في أيّام رسول الله وحذر اللهُ منهم ووصفهم بأنهم أشد كُفراً من اليهود والنصارى.
تعتمدُ الحربُ النفسية على استهداف شريحةً من المجتمع في نشر شائعة ما، إما عن قوة العدو وإمْكَانياته وعدد جيشه ويضيفون لها أرقاماً وأوصافاُ مهولة؛ بهدف إرباكِ الناس ومع تطور التكنلوجيا يتم دعمُ الشائعة بمزيد من التقارير الخبرية والمقالات والتحليلات حتى تصبح الشائعةُ وكأنها صدق وواقع، أَوْ نشر أكاذيب تتحدّثُ عن جرائمَ وهمية ارتكبها الطرف المستهدَف وفبركة صور وفيديوهات لكي يشوّهوا صورةَ هذا الطرف ويجعلوا منه مجرماً يستحق العقاب ويتخلى عنه الناس أَوْ نشر منشورات ورقية كما يفعلُ العدوان السعودي الأمريكي اليوم في مختلف المناطق، حيث تأتي الطائراتُ وترمي بعشرات الآلاف من الأوراق التي تم طبعُها في غرفة العمليات العسكرية وكتب عليها (أيها الشعب اليمني نحن إنّ ما نقومُ به هو من أجلكم ولتخليصِكم من عدوكم المجوسي الإيراني…)، وهكذا.
وهذا الأسلوبُ تم استخدامه في عدد من الحروب والصراعات منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، وهناك أسلوبٌ آخر يعتمدُ على الكُتّاب والمجالس ووسائل الإعلام، يعتمد على بث سموم مؤثرة تتمثل في العنصرية والفساد والحرية والمظلومية وغيرهَا من العناوين التي يستخدمُها العدوانُ لصالحه، وهي من أشد الأساليب خطورة، إذ أنها توجدُ ضجةً في أوساط الناس وتترك أثراً بالغاً في نفوسهم.
كما يعتمد المعتدون على أساليب أخرى أشدَّ ايلاماً في حربهم النفسية إلى جانب حربهم العسكرية، فبالرغم من الحصار البري والجوي والبحري للمواد الغذائية والعلاجات يتم إرفاقُ ذلك بهالة إعلامية عن أن مَن تسبب في ذلك هو الطرف المستهدَفُ، كما يفعل العدوان اليوم، وأيضاً التطويل في أمد الحروب حتى يملَّ الناس ويتخلوا عن قضيتهم ويستسلموا للعدوان، إضافةً إلى ذلك الحديثُ عن مفاوضات وإعلان هُدَن سلام لا تصمُد وتحميل الطرف الآخر المسؤوليةَ لإيجاد شرخ بين المجتمع والقيادة.
وقد استخدمت الحربُ النفسية بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي آنذاك وبين أمريكا وحلفائها، وسُمّيت بالحرب الباردة، وقد استطاعت أمريكا أن تتفوّقَ على الاتحاد السوفيتي وجعلته ينهار، وكان شعارهم هو وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب في المناصب القياديّة والهامة من خلال عملائهم واستخباراتهم، ولا يزال أعداء الإسلام يستخدمون الحربَ النفسية إلى جانب حربهم العسكرية من خلال إفساد الأمة ونشر ثقافات مغلوطة ووسائل إعلامية خادِشة للحياء وتجعل الإنسان يفقدُ زَكَاء نفسه ويغرَقُ في تفاصيلَ شهوانيةٍ لا يلتفت بعدها للقضايا المصيرية والأساسية فينسى نفسَه وينسى اللهَ ويصبح من السهل على المعتدين النيلُ منه والفتكُ به.
ومن أهم الأشياء التي يجب الاعتمادُ عليها لمواجهة الحرب النفسية هي الوعي والبصيرة الوعي بأساليب الصراع: تفهم من أنت ومن هو عدوك وما هي قضيتك وماذا يريد العدو منك.. تسلم للقيادة التي تحارب تحت لوائها.. تبتعد عن وسائل إعلام العدو، لا تنجر للمهاترات والمناكفات التي لا طائلَ منها.. لا تسمح للمصطلحات، التي يريد العدو أن ينشرَها في أوساط المجتمع أن تمر بدون توضيح ورَدٍّ وكشف للحقائق ومنها العنصرية والفساد والمظلومية و… إلخ.
كذلك في مواجهة الحرب النفسية لا تصدّق كُلّ ما يأتي من جانب العدو وإن كان تحت مسمى إنسانية أَوْ مفاوضات أَوْ منشورات ومحاضرات وخطب وأخبار؛ لأنك بذلك تجعَلُ من نفسك لاقطاً يستقبل كُلّ ما جاء من قبل العدو، فيؤثر عليك وتصبح أداةً من أدواته بشكل غير مباشر وأنت لا تزال تظن أنك في مواجهة معه وأنت في الحقيقة تخدُمُه..
ولكي يفشلَ العدو عسكرياً عليه أن يكتشفَ مقدارَ وعي المجتمع المستهدَف ويعلم مدى وعيه وبصيرته وتمسُّكه بموقفه وإصراره على المواجَهة، وخاصة عندما يقومُ بنشر شائعة، فلا تلقى آذاناً صاغية، وكلما يحاول يجدُ أنه أمام صخرة من الوعي صلبة تتحطّم عليها كُلّ الأساليب والمكر والخداع فينكفئ على نفسه ويدرك أنه يواجِهُ أمةً قويةً في إدراكها ووعيها.