الاحتلالُ في الجنوب.. احرِقْ ومَــزّقْ تَسُــدْ
صدى المسيرة| أنس القاضي:
بالطريقةِ ذاتها، التي قامت بها سُلطاتُ الاحتلال البريطاني في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً، بتجنيد أَبْنَـاء القبائل ونقلهم إلى مستعمرة الهند، لكي لا يقاوموا الاحتلال وينهضوا بمهام تحرير الجنوب، وفي مقدمتها محمية عدن آنذاك. يقوم تحالفُ العدوان الأمريكي السعودي اليوم، بأخذ شباب المحافظات الجنوبية، إلى معارك في (نجران) و(ذو باب) وغيرهما، في معركة لا تمت بصلة إلى “القضية الجنوبية” همُ فيها بموقع المرتزق، ويمثلون الوقود للتحالف، الطامع بجنوب البلاد وشمالها.
وكعهد المستعمر الإنجليزي في حكمته الشهيرة “فرِّقْ تَسُدْ” تمارُس قواتُ التحالف الاحتلالية هذه الاسْترَاتيجية؛ من أجل تمزيق المجتمع (الجنوبي)، لتُنهكَه ببعضهِ، مما يجعلهُ خاضعاً لها دونَ حَول أو قوة.
في هذا السياق اعتبر القيادي في الحراك الجنوبي فادي باعوم: بأن “التضحيات الجنوبية، دَائماً تصب لصالح الشرعية غير الشرعية، وعن سبق إصرار وتعمُّد، وتَرَصُّد من التحالف العربي، الذي يرى في الجنوبيين مجرد مقاتلين يستطيع دَائماً أن يزُجَّ بهم في مختلف الجبهات غير الجنوبية، ولأَهْدَاف تتناقض تَمَاماً مع الحق الجنوبي في أقامه دولته”.
مؤكداً أن “المقاولات الرخيصة والمتاجرة بالدم الجنوبي هي أساس العلاقة مع هذه الشرعية ومن خلفها التحالف، حيث أن الهدفَ هو الريال والدرهم والمنصب والمغنم وعلى حساب أَبْطَال المحافظات الجنوبية الذي يراق دمُهم ليل نهار على مذبح ما تسمى الشرعية!”.
المظلوميةُ التأريخية (الجنوبية)، وحّدت الجنوبيين تحت لواء مطلب الحراك، في “تقرير المصير” وأياً يكن موقفنا من هذا المطلب، إلا أنهُ جمَعَ أهالي المحافظات الجنوبية تحت مطلب واحد، مما يعزز تماسكهم الاجتماعي، وبالتالي وحده أراضيهم، لكن العدوان الغربي بأدواته الخليجية ذات الأَطْمَاع التوسعية والاحتلالية، ليسَ له مصلحةٌ من بقاء النسيج الاجتماعي في الجنوب متماسكاً، فمن أجل فرض تقسيم جغرافيا الجنوب لأَكْثَـر من إقليم كأمر واقع، نجد الاحتلال الراهن يبعَثُ النزعات المناطقية من أجل تمزيق وحدة الجنوب- كما يحاول أن يفرض ذات التقسيم في الشمال- وهو في الجنوبُ أَكْثَـر نشاطاً من أجل تقسيم المجتمع، وتغيير روابط الشعب في الجنوب، لا فيما بينه وبين قوى الحراك، بل ربطه بدويلات الخليج ومشايخها، التي تحكم كُلّ شيء كحال الإمَارَات في حضرموت وعدن.
وليسَ مُستغرباً أن قواتِ الاحتلال، قَمَعت مسيرة الحراك التي أرادت أن تقيمَ احتفالاً بعيد الاستقلال في المكلا؛ لأن احتشاد الجنوبيين من مختلف المحافظات إلى المكلا يُعبر عن الوحدة الموضوعية لأَبْنَـاء المحافظات الجنوبية وجغرافيته.
تتصارع اليوم إرادتان استعماريتان في الجنوب، خلفَهما أمريكا وبريطانيا، وهما السعودية والإمَارَات، ففيما تسعى الإمَارَات إلى دعم شرائحَ معينة من الحراك الجنوبي وشخصيات عسكرية ومشيخية لها ارتباط بها، تحاول السعودية ما أمكنت أن تنهضَ بالانقسامات المناطقية التي تنتمي إلى واقع السلطنات ما قبل ثورة الرابع عشر من أكتوبر، والتي بلغت 27 إمارة ومشيخة، والسعودية تقوم بدعم تَشكُّل مراكز النفوذ هذه التي تنتمي لواقع ما قبل 67 لإعادة الجنوب إلى واقع التشظي، وبالتالي سلخ حضرموت عَن الوطن اليمني عموماً، ولهذا المطمع مصلحة اقتصادية مباشرة للسعودية.
يقوم الاحتلال في المحافظات الجنوبية اليوم، بتغذية العصبيات المناطقية وتسريع تبلورها، وهي عصبيات مبعثها الريف، (يافع) من جهة و(أبين) من جهةٍ أُخرى، وهي ذات الانقسامات المناطقية التي وقفت خلف أحداث 86 المؤسفة، وهذه المعضلة الجديدة القديمة هي الخطر الأكبر، فتناميها يعني انقطاعَ الرابطة التي حافظت على وحدة الجنوب حتى اليوم، وهي الرغبة في استعادة الدولة الجنوبية الموحّدة، تحت لواء الحراك الجنوبي، الذي يتفاوت موقفُه من المتطرف جداً المطالب بالانفصال وخلق هُوية أُخْـرَى غير الهُوية اليمنية إلى الحراك الذي يطالب بفيدرالية من إقليمين.
والشيء الموحَّدُ لدى مختلف تيارات الجنوب جميعاً هوَ وحدةُ الأرض على خارطة ما قبل وحدة عام 90م، وهذا ما لا تقبله قوات الاحتلال وما تحاول أن تمزق روابطه. وفيما تسعى بعض قوى الحراك إلى رفض التقسيم هذا، تقوم القوى الجنوبية الموالية للتحالف، بإخضاع أي صوت يرفض تقسيم الجنوب، العبث بالقضية الجنوبية، سواءً عبر التضليل، وكيل التهم والْشائعات لمن يحتفظون بموقف وطني، أَوْ عبر شراء الذمم وتوزيع الوظائف والأموال، لتنظيمهم في صفوف الاحتلال.
ومع تدني مستوى النقاش العام في الجنوب واليمن عموماً، أمكن لتحالف العدوان والاحتلال، أن يخلُقَ صُنّاع رأي يعملون في خدمته، يتصدّرون المشهد، ويعززون الدعوات المناطقية، حيث تلعب الوسائط الإعلامية والتواصل الاجتماعي دورَ الموجِّه السياسي، يفسّرون عبرها كُلَّ حدث في المحافظات الجنوبية، من منظور مناطقي، بما فيها العملياتُ التي تنفذُها “داعش”.