الجيشُ واللجانُ الآية (60) من سورة الرحمن
زيد البعوة
حين خلَقَ اللهُ آدمَ وجمع الملائكةَ وأمرهم بالسجود له ليس مجرّد استعرضٍ أَوْ تمثيلٍ؛ بل لأنه سيخرُجُ من صلبه ذريةٌ مجاهدون يقارعون الظلمَ والطغيانَ يستحقّون أن تسجُدَ لهم الملائكة، فكيف لا نأمر أقلامنا وهاماتنا أن تسجُدَ لهم؛ إجلالاً وتعظيماً لمواقفهم القُرآنية، وإذا لم نفعل ذلك فنحنُ نستحقُّ اللعنةَ التي سطّرها الله وفرضها على إبليس.
المجاهدُون جمع رواية تكتبهم الأقلامُ بحبر من ماء الذهب، ويكتبون الحرية والاستقلال بحبر دمائهم بأقلامٍ من عِظام أَجسادهم ليخطوا لنا عنوان الحياة بعزة وكرامة.
كم نكتُبُ عن المجاهدين ترليونَ كتاب ومليار مقال ومليون ديوان شعر، هذا قليلٌ، فهم فوق التعبير والبلاغة، بل هم الإعجاز البلاغي والمحسّنات الإبداعية والمشاعر.
هم أَكْبَــرُ مما تخُطُّه حروفُ أقلامنا، فهم يشبهون اللغةَ العربيةَ في اليوم الأول من الإسْلَام، معجزة نزل القُرآن بلسانها، فجاهد المسلمون انطلاقاً من آيات السور التي قال عنها الله بلسان عربي مبين..
نحن مقصّرون بحقهم مهما قلنا ومهما كتبنا فإذا كنا نكتب عنهم مادحين لبطولاتهم وعطائهم جُمَلاً وكلمات في سطور، فإنهم يكتبون التأريخَ بأعمالهم وتضحياتهم بالرصاص والقذائف والصواريخ.
حين نثني عليهم وعلى أعمالهم وشجاعتهم وإقدامهم، فنحن لا نتجاوز بضع دقائق نخسرُ فيها قليلاً من حبر الأقلام تُسكَبُ فوق بياض الأوراق، أما هُم فإنهم يكتبون الملاحمَ الأسطورية بعرق وجوههم ودماء قلوبهم في معاركَ طويلة يموتُ فيها الباطلُ ويخلّد في الحق ويهزم فيها الطغيان وينتصر فيها العدل.
من نحن حين نقارن حروفَنا مهما كانت عظمتها فليست إلّا مجرد ألوان نلوث بها سطوح الأوراق نجمعها ونلملمها لتصير جملاً مفيدة وتعابير انشائية لا ترقى إلى ذرّاتِ الغبار الذي عَلِقَ في نعالِ المجاهدين في سبيل الله والمستضعفين.
إن قلنا عنهم ظُلمناهم وإن سكتنا شاركنا في مواجهتهم، فهم يضعوننا اليوم في موقف محرج، الصمتُ عن تضحياتهم وتعبهم حرامٌ، والكلامُ عن صمودِهم وانجازاتهم واجبٌ شرعيٌّ لا نثاب عليه إن لم يكُنْ بمستواهم ونابعاً من صدق إيماننا بعظمة ما يصنعون.
ماذا نقولُ وكل كلامنا مجرد موجات صوتية تخرج من بين الشفاه ويدعمُها اللسانُ لتكونَ مفهومةً للمستمع عن رجال، صمتهم تفكيرٌ وكلامُهم تسبيحٌ، جُلُّ وقتهم في صمت؛ لأنهم جعلوا بنادقهم تتكلمُ بدلاً عنهم حتى أن تلك البنادق تقولُ كلمات غفل عنها القاعدون والمعتدون، فكل رصاصة تنطلق من فواهات بنادقهم تقول: “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى”، وتقول: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ”، وهكذا.
وماذا نكتُبُ ونحن نبحَثُ عن العبارات والكلمات من داخل المعاجم والقواميس العربية لنكتب الأفضل إلا أننا لا نساوي حرفاً واحداً مما يكتبه المجاهدون ليس بأقلامهم بل بمواقفهم وآلاتهم الحربية، فكل موقف يقومون به ستجدُ أنه موجودٌ في سورة التوبة أَوْ سورة الانفال أَوْ سورة النصر، وكُلُّ رصاصة أَوْ قذيفة يطلقونها ستجدُها في معركة بدر أَوْ غزوة الأحزاب.
وحينها نحن لم نأتِ بجديد، وهم كتبوا الإسْلَامَ على الواقع، كما سطره القُرآنُ، وكما ضحّى وتعب من أجله رسولُ الإسْلَام محمد صلى الله عليه وآله، وهنا المعجزةُ نكتُبُ قصص وروايات بأقلام وهم يكتبون سيرةً وتأريخاً بأعمال ومواقف.
وهُنا على قلمي هذا أن لا يظلَّ منصوباً كعادته وخَاصَّـة عندما يكتُبُ عن المجاهدين من أبطال الجيش واللجان الشعبية، بل عليه أن يكون أحدبَ كالهلال في حظرة القمر والشمس وعلى الحروف التي أكتبها عن أَنْصَار الله ورجاله أن تكون مرفوعةً دئماً في مقامهم تعظيماً لشأنهم ومكانتهم، فالحروف التي تكتبُ عن المجاهدين عليها أن لا تكون مكسورةً ولا مضمومة ولا منصوبة، بل مفتوحة ومرفوعة لكي تليقَ بأولياء الله.
وفي الأخير أنا لم أكتب شيئاً إلى حد الآن يليقُ بالمجاهدين الذين يواجهون العدوانَ السعودي الأمريكي على اليمن.
كُلّ ما كتبته مجرد عتابٍ لقلمي وحروفي وأناملي لكي لا تظن أنها قد فعلت شيئاً للمجاهدين، فيصيبها الغرورُ، فالحروف والأقلامُ والأوراقُ والجُمَل والعبارات كُلُّها تُختزَلُ في آية واحدة تقولُ: “وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”.
المقالُ يكمُنُ في العنوان..
((الآية رقم 60 من سورة الرحمن تقولُ: “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ”)).