ولد الشيخ “الترزي” التائه
إلا أنه وحين طال أمدها أكثر مما يحتمل كون الأطفال والأبرياء هم أكثر وقودها، ودون أن يتحقق النصر الخاطف المعلن عنه في الساحل الغربي، عاد بخفته المعهودة حاملاً مبادرة أو تفصيلاً للباس جديد مختلف عن سابقه، ويريد أن يلبسه الأطراف، وهو يعلم أنها على غير المقاس ولن تجد قبولاً. وقبل ذلك كله، هو متيقن أن أي حديث معه من الجانب اليمني المسيطر في الداخل، إذا حصل رغم عبثيته، فإنه لن يكون سوى اجترار لتأكيدات سابقة حول مطالب موضوعية يجب تحقيقها أولاً، في ما له علاقة بفك الحصار عن الشعب اليمني، وإيقاف الحرب حتى قبل الإستماع لما يمكن أن يقول.
المبعوث الأممي، وبحسب لقاء له مع “الجزيرة” الخميس الماضي، قال إنه يحمل مبادرة وصفها بالشاملة، مع أنها وبحسب ما كشف في اللقاء ليست أكثر من توليفة لأفكار متناثرة، جمعها من محاضر المفاوضات، بعضها قد تجاوزها الواقع. وكعادته البالغة السوء المتمثلة بتناسي وعوده التبشيرية باقتراب الخلاص التي لم يصدق في واحدة منها، فهو يعود اليوم للمرة الألف لبيع الوهم، وهي السلعة التي لا يجيد بيع غيرها. قال إنه سيبدأ التحضير لـ”وقف جاد وحقيقي لإطلاق النار بعقد جلسة تحضيرية للأطراف المعنية”، وأكد على ضرورة أن تقوم لجنة التهدئة والتنسيق بمسؤوليتها في هذا الجانب. هذا الكلام لا يرتكز على أي حيثيات، وهو ليس أكثر من افتراض قائم على وهمه الخاص بإمكانية قبول الأطراف به دون أن يكون له أي معطى منطقي، بعد رفضه طوال الفترة الماضية كونه يقفز على الواقع.
هذا المبعوث يتحدث بيقين عن تحضير جاد لوقف إطلاق النار، وكأنه يقر بأن ما سبق كان مجرد دعابات أممية لا غير، في وقت لم يستطع فيه هو ومعه منظومته الأممية فرض فتح مطار صنعاء، مع أن إغلاقه غير إنساني، ولا يحمل أي مبرر أخلاقي أو قانوني، باعتبار أن المتضرر منه هو المواطن اليمني. لم يتغير ولد الشيخ لأنه لم يراكم أي خبرات خلال أكثر من عام على رعايته للمفاوضات، ولأنه فضل وظيفة المراسل بين الأطراف على الوظيفة الأممية التي تعني أنه وسيط نزيه، تمكنه من تقديم رؤية وسط محايدة غير مراعية لمصالح طرف ضد آخر، مثلما أنه غير معني برضى هذا الطرف أو ذاك عنه، كما أن ليس من مهامه التبشير كذباً بنجاح لا يمكن أن يصمد أمام واقع معاكس.
وفي هذا السياق، هو يقول في ذات المقابلة بعد أن اعتبر افتراضياً أن الخصوم قد التأموا على طاولة واحدة وحصلت المعجزة بوقف الحرب، إنه لم يتبق سوى الانطلاق إلى المرحلة الثانية، وهي الدخول في نقاش المبادرة المكونة من شق سياسي وآخر أمني بحسب ما قال. ثم لا يبدو معنياً بالأرضية التي يبني عليها أسس السلام المفترض، ولا بالتوقيت الذي يشهد أكبر عمليات الغزو والإبادة، لكنه يختم بتناقض صار جزءاً منه عن تضاد ما تطرحه سلطة صنعاء وسلطة الرياض، ليستمر في السير بذات الدائرة التي قبل بإغلاقها عليه.