الجنوب وقضيته في رسائل السيد عبدالملك الحوثي!
المسيرة أحمد داوود:
أقولُ لإخوتنا الجنوبيين: “نحن لكم، وأنتم لشعبكم، هو عمقُكم الاستراتيجي، هو سنَدُكم، هو سيكونُ معكم دَائماً؛ لتنالوا حقوقَكم ولتستعيدوا كرامتكم وعزتكم، ولتكونوا أنتم لهذا الشعب، تاجَ رأسه، ووسامَ شرفه”.. السيد عبدالملك الحوثي.
بإمكان أيِّ متابع منصفٍ لخطابات السيد عبدالملك الحوثي ومواقف أنصار الله أن يلحَظَ بوضوح الاهتمامَ الكبيرَ بالقضية الجنوبية وبأبناء المحافظات الجنوبية، فالمظلومية تجمعُهما، والمجرمون والمتسلطون الذين فتكوا بصعدة والجنوب وجْهٌ واحد.
وكأقوى تعبير عن القضية الجنوبية يقول السيد عبدالملك الحوثي: “القضية الجنوبية هي جُرحٌ في هذا الوَطَن بكل ما تعنيه الكلمة، معاناةٌ كبيرة جدّاً مأساة مظلومية”.
وخلال خطاباته التي ألقاها أثناء ثورة 21 سبتمبر وبعدَها كان السيد عبدالملك الحوثي يتطرق إلى القضية الجنوبية وإلى مظلومية أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن الثورة الشعبية ليس خَاصَّـة بأبناء الشمال أَوْ أبناء الجنوب، بل هي ثورة لكل الـيَـمَـنيين، ويقعُ على عاتق الجميع مسؤولية إخراج البلد من كُلّ الأزمات التي يمر بها وإفشال كُلّ المؤامرات التي تحيط بهذا الوطن.
النصيحة القيمة
وكبادرة طيبة منه وجَّه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خطاباً للقادة الجنوبيين في الخارج، طالباً منهم العَودةَ إلى أرض الوطن، وإلى العاصمة صنعاء معزَّزين مكرمين؛ كي يتسنى الحديث معهم وترتيب كُلّ القضايا المتعلقة بالقضية الجنوبية، كان خطاباً نابعاً من القلب ومن إحساس القائد بأهمية حل القضية الجنوبية، غير أن تلك القيادات لم ترد على خطاب القائد وفضَّل أغلبيتها المكوث في بلدان المهجر.
قال السيد عبدالملك في خطاب له بمناسبة عيد الغدير مخاطباً القادة الجنوبيين: “حبذا لو أتيتم إلى بلدكم إلى صنعاء، معززين، مكرمين شامخين لمعالجة هذه القضية ومناقشة هذه المشكلة، والوصول إلى الحل العادل في الإطار الداخلي وليس في الإطار الخارجي”.
وأشار إلى أن الظروفَ اليوم مهيأة وأحسن من أي وقت مضى لحل المشكلة الجنوبية حلاً عادلاً، مضيفاً بقوله: “لأننا مستعدون كثورة شعبية أن نقفَ بكل ثقلنا مع إخوتنا في الجنوب بكل إمكاناتنا، بكل رصيدنا الشعبي كثورة شعبية، لحل مشكلتهم ومعاناتهم ومظلوميتهم، وإنني أؤكد من جديد ألا يثقوا بالخارج تجاه القضية أبداً”.
بيد أن السيد عبدالملك الحوثي كان جاداً في حلحلة القضية الجنوبية، منطلقاً من الموقف الثوري، غيرَ أن الحلَّ هُنا لا يأتي عن طريق التقسيم أَوْ التجزئة للجنوب أَوْ انفصال المحافظات الجنوبية عن الشمالية أَوْ بالتغاضي وعدم الاهتمام بهذه القضية، وقال كلمته المشهورة (العدل هو الذي ينبغي أن يكون وهو الأساس لحل أية قضية، وأية مشكلة، وأن ما فوق العدل هو الظلم، ودون العدل هو ظلم، وينبغي أن نرضى جميعاً بأن يكون العدل هو الأساس الذي نعول عليه”.
هادي والخارج.. مواقف سلبية
ولعل السيدَ عبدالملك كان يدرك جيداً الدور السلبي للخارج في ما يخص القضية الجنوبية، وتحديداً المال السعودي وإغراء الكثير من القادة الجنوبيين في الخارج للعب دوراً يلبي رغبات الرياض تحت عنوان القضية الجنوبية، وجاءت الأحداثُ الأَخيرَة والعُـدْوَان ليثبت للعالم بأن بعض القادة لا هَـمَّ لهم سوى جمع الأموال وتقديم الطاعة للبيت السعودي، وهو ما شاهدناه في ما يسمى “مؤتمر الرياض” مؤخراً.
وطالما حذَّر السيد عبدالملك الحوثي من خطورة الخارج ودوره المشبوه في معالجة أَوْ حل القضية الجنوبية، فالقوى الدولية والإقْليْمية تعمد إلى تحريك الملف الجنوبي ليس حرصاً منهم في حل المشكلة الجنوبية؛ لأنهم لو كانوا حريصين على إيجاد الحلول فإنهم سينطلقون من منطلق إنْسَـاني وأخلاقي وقيَمي، ولمَّا كانوا متفرجين على مأساة إخوتنا وأحبائنا في الجنوب منذ عام 94 إلى الآن كما يقول.
هذه المواقف السلبية للقوى الإقْليْمية وتحديداً السعودية كان يعيها السيد عبدالملك بشكل كبير، وكان يوجه نصائحه للجنوبيين وإلى الشعب الـيَـمَـني أكثر من مرة، فهو يرى أن تلك الدول تتآمر على الشعب الـيَـمَـني برمته، فهم لا يحبون لا الشماليين ولا الجنوبيين، ولا أي يمني، فهم يريدون الـيَـمَـني أن يبقى تحت أحذيتهم وأن لا يرفع رأسه عزيزاً مستقلاً بقراره في أمر نفسه وتدبير واقعه، بل إن السيد يرى أن القضية الجنوبية تتآمر عليها قياداتٌ من داخل الجنوب ذاته، إضافة إلى التدخلات الخارجية.
ولكن كيف تعاطت الأحزابُ والقوى السياسية مع القضية الجنوبية؟
لن نتطرق إلى بيانات تلك الأحزاب ولا إلى مواقفها، بل سنستمع ما يقوله السيد عبدالملك عن هذه الأحزاب وتعاطيها مع القضية الجنوبية، حيث يقول: “ليس هناك تعاطٍ إيجابي من بعض القوى السياسية في سياق الاتجاه الجاد نحو الحل العادل والتَحَـرُّك الصحيح تجاه الأمر، وكذلك الحال بالخارج فهم يسعَون إلى استغلال القضية الجنوبية ليس لما فيه مصلحة الجنوبيين ولا فيما فيه استعادة حقوق الجنوبيين ولا فيما فيه إنصافُهم، بل استغلال قذر وانتهازي ولهم أَطْمَـاع حقيقية”.
وإضافةً إلى التعاطي السلبي من قبل القوى السياسية والخارج، فقد كان عبدربه منصور هادي هو العقبة الأكبر في إيجاد حل أمثل للقضية الجنوبية، فالرجلُ حتى لم ينفذ ولا 3% من النقاط العشرين الخَاصَّـة بحل القضية الجنوبية، ولعب دوراً سلبياً خلال مؤتمر الحوار الوطني في تمييع القضية وتقريب قيادات إليه ليس من الصف الأول أَوْ من الصف النضالي في الحراك الجنوبي.
ويرى السيد عبدالملك الحوثي أن عبدربه منصور هادي كان بإمكانه أن يتخذَ قراراتٍ مهمةً ومعالجات عاجلة تجاه الوضع في الجنوب، ولكنه لم يفعل!، لأن الخارجَ يريد أَن تبقى القضية معلقةً وأن يظَلَّ الوضع في البلد يغلي هنا وهناك وأن تتفاقم المشاكل، ولا يريدُ أَبَداً حلاً صحيحاً لأية مشكلة من مشاكل البلد الكبيرة وعلى رِأسها القضية الجنوبية، يريدُ الاستغلال فحسب.
ومن وسائل الاستغلال التي اتبعها هادي أنه سعى مع ابنه لتعقيد المشكلة بدلاً عن الاتجاه لحلها، واتجهوا بالوضع العام نحو الفوضى والاضطراب، وكل جُهدهم صَبَّ في عملية التفاف على اتّفَاق السلم والشراكة، وَعلى كُلّ تلك الاستحقاقات التي تلبي مصلحة الشَّعْـب ومطالب الشَّعْـب.
لقد كانت الظروفُ مهيأةً للحل العادل للقضية الجنوبية قبل العُـدْوَان على الـيَـمَـن، فأبناءُ المحافظات الجنوبية لديهم مظلومية كبيرة ومعاناة كبيرة، الخارج وهادي والقوى السياسية يتعاطون بسلبية مع هذه المظلومية، بل تحولوا إلى مرتزقة يشتغلون ويتعاطون بالقدر الذي يريده الخارج، وَهذه المؤامرات لا تمكن مواجهتها إلا بالتحرك الشعبي الثوري الواسع الصحيح الذي سيفشل كُلَّ المؤامرات مهما كانت ومن أي طرف كان.. هكذا كان يرى السيد عبدالملك.
وكخطوة حقيقية على مصداقية ما يقوله السيد عبدالملك الحوثي وأنصار الله من دعم وتأييد لحل القضية الجنوبية فقد أعلن السيد قبل تشكيل حكومة الكفاءات (حكومة بحاح) عن تنازُل مكون أنصار الله لحقائبه الوزارية لصالح الجنوبيين.
الثورة والجنوب
وحين انتصرت ثورة الشعب في 21 سبتمبر 2014، كان لا بد على قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن يوضح بعض النقاط في ما يتعلق بأبناء الجنوب في المرحلة الانتقالية، فقال في إحدى خطاباته: “سنحرِصُ في المرحلة الانتقالية على أَن نلتفتَ إلى إخوتنا الجنوبيين الذين طالما ظُلموا من القوى ذاتها التي تسعى للتعطيل والتي تسعى لإثارة الفتن ولتخريب المصالح العامة، هي كانت وراءَ ظلمهم ومعاناتهم، اليوم أيدينا بكلِّ محبة ممدودةٌ لإخوتنا الجنوبيين؛ لينهضوا بدورهم الوطني بشكل بارز ومتميز وعادل، ونحن حاضرون لذلك، حاضرون لأَن نكونَ معهم بكل محبة بكل جد؛ للخلاص من مظالمهم، وحاضرون أَيْضاً إلى كُلّ أَبْنَـاء شعبنا الـيَـمَـني العظيم، هذه الثورة هي ثورة كُلّ الشَّعْـب، هي ثورة الشمال وثورة الجنوب، ثورة تعز وثورة مأرب وثورة تهامة وثورة صعدة، هي ثورة الـيَـمَـنيين كُلّ الـيَـمَـنيين، وما تسعى لتحقيقه هو مصلحةُ كُلّ الـيَـمَـنيين بدون استثناء، هذه الثورةُ أرادت شعبَنا الـيَـمَـني العظيم موحداً ويعيشُ على حَدٍّ سواءٍ بعزة وكرامة واستقلال وحُرية، هذا ما تريدُه هذه الثورة، وهي تعبِّر عن إرَادَة هذا الشَّعْـب الصامد الذي سيكونُ أقوى من كُلّ المؤامرات، شعب قوي وشعب له أَخْلَاقُه وشعب له قيَمُه الإنْسَـانية وكذلك قيَمُه وأَخْلَاقه الإسْـلَامية التي تعبِّرُ عن إصالته وتعبِّرُ أَيْضاً عن عظيم ما هو عليه من المبادئ”.
وزاد السيد عبدالملك بقوله “القضية الجنوبية هي جُرحٌ في هذا الوَطَن بكل ما تعنيه الكلمة، معاناةٌ كبيرة جدّاً مأساة مظلومية هذا أمرٌ لا شك فيه، نحن نأملُ في هذه المرحلة الانتقالية أَن يعادَ الاعتبارُ للإخْـوَة في الجنوب أَن يعاد الاعتبارُ للشراكة الوَطَنية معهم، هذه مسألة مهمة، أَن يتحقق لهم كُلّ ما يريدونه تحت سقف العدل، كُلّ ما يريدونه تحت سقف العدل”.
القاعدة.. الخطر الأكبر
وحين انتصرت ثورة 21 سبتمبر، كانت (القاعدة) ومعها حزبُ الإصلاح يتحركان بكل وسائلهم المتاحة لإجهاض هذه الثورة وإفشالها ومن ورائهم المملكة العربية السعودية.
هذا التحرك كان مفضوحاً ومكشوفاً وطالما حذَّر منه السيد عبدالملك الحوثي أكثر من مرة، فهو يقول “القاعدة ببشاعتها بجرائمها الفظيعة جداً بحق هذا الشَّعْـب يتحالَفُ معها حزبُ الإصْـلَاح، يتعاون معها، ينسِّقُ معها بدون موارَبَة ولا حياء ولا خجل.. وهذه إحدى وسائله في مواجَهة هذه الثَّـوْرَة الشَعْـبيَّة.. كلنا يعلمُ أن القاعدةَ في هذه المرحلة تلعَبُ دوراً أساسياً في مناهضة الثَّـوْرَة الشَعْـبيَّة، وتتَحَـرَّكُ في عدد من المناطق وفي عدد من المحافظات في هذا السياق ذاته”.
وحين غادر عبدربه منصور هادي صنعاء، انتقل مباشرة إلى عدن، وهناك بدأ في استقطاب قيادات من عناصر القاعدة وتم تزويدُهم بالسلاح والمال، وشكل إلى جانبها مليشيا خَاصَّـة به وبدعم سعودي خليجي واضح.
وبدأ هادي والقاعدة وتلك المليشيا في استهداف الجيش وذبح الجنود في عدن ولحج، بل انتقل شرهم إلى أمانة العاصمة وتم استهداف المصلين في مسجدَي بدر والحشوش في جريمة بشعة اهتز لها الضمير الإنْسَـاني.
وفي مثل هذا التوقيت كان من الواجب على الثورة التحرُّك لمواجهة هذه المخاطر، وحينها أكد السيد عبدالملك الحوثي أن تحرك الجيش واللجان الشعبية في الجنوب لا يستهدف الجنوبيين بحد ذاتهم، بل يستهدف عناصر القاعدة وداعش.
وقبل تحرك هادي ومليشياته كانت القوى الغربية ترسل التكفيريين عبر مطار عدن إلى الـيَـمَـن ويتم تسليحُهم وتوفير الغطاء السياسي والثقافي والإعلامي لهم.
ويرى السيد عبدالملك أن الخطورة هنا تكمُنُ في المد التكفيري وأهم هو احتلال بلداننا والسيطرة عليها تحت مسمى مكافحة تلك العناصر المصنوعة، مُشيْراً إلى أن الخطر الحقيقي الذي يهدد الجنوبيين هو خطر على حياتهم ووجودهم وأمنهم واستقرارهم وهو في نفس الوقت خطر على قضيتهم الحقوقية والسياسية وكذلك خطر على سائر أبناء الشعب.
وحين كان هناك تحسس من تحرك الجيش واللجان الشعبية لمواجهة هذه الأخطار في الجنوب، وجه السيد رسائل لهؤلاء قائلاً “إذا كان هناك حساسية في أية منطقة تجاه أي دور لمواجهة القاعدة وداعش والمليشيات المتعاونة معها فليتفضل أولئك المتحسسون والمستاؤون والغاضبون ويقومون هم بمسؤوليتهم حتى لا تكون مناطقهم أرضية يستغلها أولئك للتحرك منها للاعتداء على الآخرين وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم”.
وكان السيد عبدالملك واضحاً، فقد طالب أبناء الجنوب أن يتصدوا لهذا الخطر، حيث قال: نؤكد للجنوبيين لا نيةَ لنا أبداً لاستهدافهم، ونيتنا الوقوف معهم إلى جانبهم؛ لأن الخطر عليهم أولاً وعلى غيرهم ثانياً، ولا يمكن لتلك القوى الإجرامية التي ترتكبَ أبشعَ الجرائم أن تحتميَ في أية منطقة في هذا البلد أبداً”.