ساحل اليمن: مَن اقترَبَ احترق!
علي الـمَحَطْوري
هو تأريخٌ من العزة والإباء يكتُــبُه اليمنُ من جديد، يخُــطُّه “الأبطالُ الأحرار” في كُلِّ الجبهات، وعلى طول الساحل الغربي للبلاد، عنوانه “كرامة وسيادة”، في زمن لا يؤمن إلا بحق القوة، وطالما العالم لا يتعاطى إلا بتلك اللغة، فقد جاءه من اليمن (حقان وقوتان) (حق القوة، وقوة الحق)، وقد رأى عبرَ مشاهد الإعلام الحربي اليمني ما لم يكن يراه من قبل، وأن الضرباتِ البحريةَ المتتالية التي تنفذها البحرية اليمنية ليست ضرباتٍ طائشةً بلا معنى، بل هي ضربات دفاعية فتاكة تقفُ وراءها إرادةٌ ثورية، وشرعية شعبية، تستند إلى مبدأ حق الدفاع عن النفس، وهو ما لا قبل للعالم إلا أن يقر بذلك عاجلاً أو آجلاً.
لقد أحدثت ضربة 30 يناير الموثّقة بعدسة الإعلام الحربي اليمني على فرقاطة المدينة السعودية “فرنسية الصنع” موجاتٍ من الهلع تجاوزت الرياض ومشيخات الخليج إلى تل أبيب بإبدائها قلقاً مما يجري في البحر الأحمر، وتكفلت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية بإظهارِ ذلك الموقف، أمَّا واشنطن -ورغم ما تعيشه من مراسيم ترامبية مثيرة للجدل – إلا أن مسألةَ “البحر الأحمر” فرضت نفسها، إذ جرى اتصال هاتفي بين وزير الحرب الأمريكي جيمس ماتيس الملقب “بالكلب المسعور” والأمير السعودي محمد بن سلمان، تطرقاً فيه إلى “الضربة البحرية قرابة ساحل الحديدة اليمنية” وقدم الوزير الأمريكي لنظيره السعودي تعازيه في وفاة بحارته الثلاثة الذي صرعوا جراء الضربة، ولفت كلاهما كما هي العادة إلى “تفعيل التعاون المشترك الممتد بين البلدين لأكثر من ثمانين عاما”.
وبالنظر إلى ما سبق من ضربات أشهرها ضربة اكتوبر التي طالت سفينة سويفت الإماراتية، إلا أن ضربة 30 يناير تتميز من حيث التوقيت أنها جاءت عقب أول اتصال بين الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب والملك السعودي، وهو اتصال من فرط ما احتفت به وسائل الإعلام السعودي فقد يخال المرء أن المملكة على وشك أن تعلنَه يوماً وطنياً جديداً للملكة، كون الرعب الترامبي قد سبق إلى قلوب آل سعود منذ تصريحاته الانتخابية، فكان الاتصال بمثابة “الطمأنينة” التي ملأت قصورهم بعد غياب.
الحنق الأمريكي من الضربة البحرية اليمنية عبر عنه مستشار الأمن القومي الأمريكي، بإعلانه أن واشنطن وجهت إنذارا لإيران على خلفية تجربتها الصاروخية الأخيرة، وضربة الفرقاطة السعودية، وأن تدفع واشنطن باتجاه التصعيد ضد إيران بخصوص الشأن اليمني إنما تزيد في خلط الحابل بالنابل، وهي في ذلك تتقصد تمييع القضية اليمنية حتى لا تأخذ مسارها الطبيعي باعتبارها قضية عادلة في وجه عدوان وحصار، وهي قضية وطنية تنشد استعادة سيادة اليمن، وليست ذراعاً لإيران.
ويبقى القول بأن ما انتهى إليه العدوانُ على اليمن من كونه تحتَ إدارة رباعية هي “أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات”، فإن معركة الساحل قد كشفت لاعباً آخر يقفُ في كرسي القيادة من الخلف، وهو العدو الإسرائيلي، كما تظهر ذلك تصريحات زعماء الكيان منذ وقت مبكر، وتعاطي صحافته أيضاً، مفردة للقضية اليمنية تغطيةً واسعةً على صدر صفحاتها، ما يؤكد أن صمود الجيش واللجان الشعبية على الساحل يمثل ركيزة كانت مفقودةً لإعادة ترميم نظرية الأمن القومي العربي، وأن الخليج بعدوانيته تجاه اليمن، وصمت العرب على ذلك إنما يعادون أنفسهم بغباء شديد، مقدمين لإسرائيل خدمةً مجانيةً لن يسلموا من تداعياتها مهما طال الزمن.
وختاما، فهذا ساحل اليمن ليس مشاعاً لأحد، وأيَّة قوة احتلال سوف تقاوم بضراوة وبأسٍ شديد، ويكفي الضربةَ البحرية أنها فرضت معادلةً دفاعيةً هي الأولى في تأريخ اليمن مكونةً من ثلاث كلمات: مَن اقترَبَ احترق.