على ضفاف الكرامة
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
قدّمَت (شرعية) النذالة والخِسة في (معاشيق) عدن وفنادق الرياض (أسرة بيت الذهب) في البيضاء كبادِرة (حُسْنِ عمالة) بلا حدود، وقرباناً استباقياً إلى إلهها المتوحِّش (ترامب)، وصيداً ثميناً لإثبات جدارة مِخْلَبه في ما يسمى بمحاربة الإرهاب.
إن (شرعية) قذرة ونتنة باركت عدواناً متوحشاً ومدمراً على شعبٍ بأكمله لجديرة ببيع أسرة واحدة، التي ربما رشّحتها عواملُ مختلفة لتكونَ (كبش فداء) و (قربان عمالة).
مع ذلك ليس هناك أغبى ممن يقاتِل تحت لواء هذه الشرعية العاهِرة؛ لأنه يعرف أنه حقير تحت قيادة شرعية عاهرة في موكبِ عهرٍ رسمي ومعلَن، وهذه القير قد رأى بأم عينيه أن ثمن تحاقُره إما ألف ريال سعودي، أو ضربة صاروخ من طائرات صديقة، لا تؤهِّله لأن يكون حتى غرابا توارَى جيفتُه أو ما بقي منها من أشلاء، والأكثف غباءً هو من يدري أنه ذاهبٌ إلى سوقِ الهوان أو الموت فيركضُ إليه سعياً برجليه، بأقوى ما يقدِر عليه، كما هو شأن الإخوان الذين يصطحبُهم التحالف كغداءٍ لذاتِ يومٍ آتٍ، فلا يستطيعون فيه التعشيَ به كما يظنون.
إخوانُ العمالة والغباء محاصَرون عالمياً وإقليمياً، ويزمع العم سام أن يعطيهم الضربة القاضية، بينما هم بعمالتهم وأدوارهم العسكرية والأمنية المبتذَلة والرخيصة بحق اليمن لم يتركوا لهم فيه مكاناً محترماً.
عملية البيضاء صورة مصغَّرة لليمن المستباحة على مدى عامين، شاركت فيها الإمارات بما يؤكِّد ألف مرة كيفية مصير إخوان العمالة والغباء، بيدَ أنه وإن أجاز السيد الأمريكي لحليفته الأثيرة (الإمارات) أن تظهَر كقائدٍ لعملياته في السواحل الغربية لليمن، فهو من باب التدليل والتمرين، وما على الأمة المغرية لسيدها سوى الرقص على الأنغام التي يهواها.
في المقابِل أظهَر اليمنيون بطولاتٍ عظيمة استولت على ألباب المراقبين والمحللين، وكلهم بلسان واحد يرددون: لن تنتصروا على شعبٍ لم يخضع لاحتلال أو غزو منذ آلاف السنين، وها هي رمال السواحل الغربية وكثبانها تلتهم مرتزقة التحالف برا، وتقيم منهم مآدب عظمى لوحوش الفلاة وطيورها، بينما أشبعت القوة الصاروخية كائناتِ البحر هي الأخرى من اللحوم الفاخرة والدسمة ضباطا وجنودا والتي كانت تستقِل تلك البارجة السعودية ضباطا وجنودا.
ومحارق المرتزقة من كل جنس في جزيرة زقر، وقد (زقرهم) صاروخ بالستي أحال مؤامراتهم إلى سراب بقيعة، بالإضافة إلى محارق الجنجويد وكتائب التكفيريين الذين أخرجهم القصاص الرباني من أوكارهم وجاء بهم من البدو والحضر، ومن الداخل والخارج بما اقترفوه بحق الأبرياء إلى حيث المنية فتحت أفواهها كأبواب جهنم، كلُّها ترسم مشهدا بطوليا عظيما في مسلسل العراقة الحضارية، وتحكي فرادة نادرة في تحديات الصمود، تردِّد ما عرفه التأريخ عن اليمانيين المجاهدين، وجهله أولئك الأغبياء الأغنياء المترفون.
بين حقارة (الشرعية) العاهرة، وكبرياء الصمود اليماني العظيم مساحة هامة يعرِفها قارئُ التأريخ والجغرافيا والتربية القرآنية، وما أخرجت الأرضُ من فلزِّ الأبطالِ، ولُجَين الفرسان، ومن خلالها يمتد أفقٌ واسعٌ يلمعُ من ورائه برْقُ نصرِنا المؤزّر، وتتضاءلُ خلفه ادعاءاتُ القوم شيئا فشيئا، وتتبخّر يوماً بعد آخر كلما تقدمنا إلى المستقبل القريب.
لقد فشلوا كلياً، ولم ننتصر كلياً، فشلوا في عدوانهم بشكلٍ جلي، ولم يُلحِق شعبُنا بعدُ بهم الهزيمة القاسية؛ الأمر الذي يشير إلى تهيُّب الأمريكي من الظهور بشكل فج في هذا العدوان، وهزيمتهم القاسيَة تتطلّبُ أن نمُدَّ الصبرَ بصبرٍ أعظم، والثباتَ بثبات أرسخَ وأدوم، ومن البصيرة بصيرة أنفذَ وأقوم، ومن المبادرة وابتغاء القوم ما يجعلهم نكالا لما بين أيديهم وما خلفهم.
اشرأبَّت أعناقُ اليمانيين جميعاً نحو سماء المجد، وهم يرون إخوانهم وأبناءهم المجاهدين يُذْهِلون العالم قتالاً على ضفاف الكرامة، وشفا نار جهنم، غير أنه لا يكفي أن نظَلَّ ننتظرُ ما تجود به عطاءاتُهم العظيمة، وانتصاراتهم الكبيرة، بل على السياسي منا والإعلامي والاجتماعي والثقافي، وعلى العلماء، والمثقفين، والأكاديميين، والشعراء والمنشدين، والرجل والمرأة، والطفل والشيخ، والموسر والمعسر، وعلى كل فئات المجتمع أن يتحرك كُلٌّ في دائرة عمله وإجادته لدعم هذه المعركة المقدسة، ونصر هؤلاء المجاهدين، وعلى الجهادِ كلٌّ بما يقدر عليه، في حركة منتظِمة، وعملٍ دؤوب مبادر، وسعي مخطَّطٍ له.
النصر قاب قوسين أو أدنى، وبيدنا من عوامله وأسبابِه الشيءُ الكثير، وليس بيننا وبينه إلا إعلانُ تحالفِ العدوان عنه، وعند ذلك انتظروا الارتدادات العكسية من ستمزق أوطانهم، وتبعثر أحلامهم، وتمزق كياناتهم، وتؤذن بدخول الفساد ذات بينهم.
لا خيارَ للحر إلا خوض غمرات الشرفاء، بدلاً عن غمزات الأنذال، وذوداً عن العِرض والأرض، ورسما لحاضرٍ واعِد، وتحقيقاً لمستقبل مشرِق وسعيد.