حروبٌ في حرب!
علي شرف الـمَحَطْوري
ما شنت حربٌ إلا وقد سبقها ما يمهد لها، ويستدعيها إن حقاً أو باطلاً، وفي حروب السيطرة ليس شيئاً أدعى لها مثل جهل الماضي وتجهيله ما يشكل فجوةً سحيقةً بين “الطرفين” يسعى المعتدي لأن يردمها بالحرب، وهكذا تكون البدايةُ جهلا بماضٍ، وتستمر محوًا لحاضر، لتمتد إلى اغتيال المستقبل.
وما يجري على اليمن ليس استثناءً مما سبق، كما أن ما يجري على اليمن ليس حرباً واحدة، بل هي حروب في حرب!
فإغلاق مطار صنعاء وحدَه حرب، والقصف الجوي حرب، والحصار البحري حرب، وتدهور قيمة العملة أخبث حرب!
وحجج العدو وافتراءات إعلامه أكذب حرب، وشيطنتك على منابر الجمعة حرب، ومن فوق منبر المسجد الحرام والمسجد النبوي.. فأفجر حرب!
ومنعك عن إقامة علاقات إقْليْمية ودولية خَاصَّـة بك حرب، وتواطؤ الأُمَم المتحدة.. أُمَميةُ حرب، والمرتزقة حرب، والتفجيرات الانتحارية حرب، وشراء الولاءات والذمم لأشخاص وحكومات وجيوش ومنظمات فأشرس حرب!
والعمل على شق الصف الداخلي أفتن حرب، ونفي وطنيتك واستقلاليتك أعدى حرب، والإصرار على استتباع اليمن أشر حرب، ومحاولات فرض مشروع الأقلمة تمهيداً لبيع اليمن مجزءاً.. أغربُ حرب!
ومحاولاتُ القفز عنك بالبحث عن حل دونك ليفرضَ عليك.. فتلك حرب، وعبث المفاوضات حربٌ، والمتاجرة بكرامة الشعب اليمني بتصويره منتظراً مساعدة عدوه الإنْسَانية.. أَلْأمُ حرب!
وقتلُ كوادر اليمن حربٌ سبقت الحرب، وقصف الأعراس والمآتم والأسواق والجسور يعني إبقاء اليمن في حالة حرب!
والتشبيكُ بين الملفات الإقْليْمية حتى تبدو مدافعاً عن جغرافيا المريخ فيما أنت تدافعُ عن أرضك ووطنك.. إعدامٌ أشدُّ من الحرب، وحين يُـمنَع عليك أن تحيا بضميرك أنت.. ليس مثلَها حرب!
ولما تُلملمُ جراحَك بتراب وطنك فيقال عنك متخلف.. أقسى حرب، ولما تتوضأ بالدم لتصلي صلاة الصبر والنصر فيقال أنت تبتدع في الإسلام بدعة.. أظلم حرب!
وأن يقال لمرأة يا سافرة لأنها أسفرت عن دمع متحدر، وقلب متجلد أليست حرباً؟ وأن تُتَّهم أخرى بالفجور؛ لأنها فكّرت في إنجاب جيل يواصل مهمة الدفاع عن الكرامة.. كيف لا تكون حرباً؟
وعندما ترى من أهلك وإخوانك وأبناء حيِّك وقريتك ومدينتك من لا يشعر بالحرب ويكتفي بمتابعة الأخبار تسليةً له بعد يوم طويل من القصف والمجازر.. فأتعب حرب!
وعندما يكون عدوك حِلفاً مشكلاً من مسلمين ومسيحيين ويهود (سعودية إمَارَات أمريكا بريطانيا فرنسا وإسرائيل) فينظر إلى ذلك وكأنه حضارة وسلام ودفاع عن حقوق الإنْسَان.. فأي حرب هي تلك إن لم تكن هذه هي الحرب!؟
وحين ترى حرباً عابرةً للقارات تشترك فيها (آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا) كُلٌّ بطريقته- فهي أطغى حرب! وعندما تجدُ مثقفين عباقرة يشككون في تلك الحقيقة.. فأنت أمامَ أسخف حرب! وبعدَ عامين من هكذا تحالف ولقاءات وتنسيق ولا كأن ذلك يعني شيئاً.. فأعجب حرب!
وحين ترى في تلك الحروب مختلف أنواع السلاح، ومختلف أنواع الصمت، ومختلف أنواع الكلام ومختلف أنواع اللوم.. فأقذر حرب!
وحين لا تدرك – أن هذه الحروب الطويلة والعريضة – النفسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والمالية والتكتيكية والاستراتيجية والكونية – هي التي سبقت العسكريةَ.. واشتدت معها، وسوف تبقى بعدها.. فأنت هزمتَ نفسَك، وإذا أنت أدركتَ.. هزمتَ عدوّك!