أبو الحسن.. جهادٌ واستشهادٌ
زيد البعوة
مِن بين المسمورة والمنقورة في الجامع الكبير بصنعاءَ كان أوّل موقف صَدَّرَه الشَّـهيْدُ طه المداني، حين ذهب بمحض إرادته إلى هناك ليصرخ بشعار البراءة من أَعْـدَاء الله، فتم القبضُ عليه والزجُّ به في زنزانة فردية في أروقة سجن الأمن السياسي لعدد من الأعوام.
كان التعذيبُ والضغوطاتُ المتكررة عليه وعلى بقية زملائه لا تتوقفُ؛ لجعلهم يتخلّون عن مواقفهم، لكنه كان قوياً بقوة الإيْمَان الذي يحمله في داخله.
وعندما تم الإفراج عنه هَرْوَلَ مسرعاً إلى قائد المسيرة القُــرْآنية السيد عَبدالملك ليطلُبَ منه عملاً في سبيل الله، تم التوجيه بالتحَـرُّك الجاد والمستمر ثقافياً وتعبوياً، فتحَـرّك الشَّـهيْدُ بكل لهفة وشوق للعمل؛ لأن هذه رغبتَهُ المنشودة والتي يحلُمُ بها منذ أن ترسَّخت الثقافةُ القُــرْآنية في صدره.
جاءت الحرب الربعة بعد خروج الشَّـهيْد طه من السجن بحوالي عشرين يوماً، فلبس لامةَ حربه وانطلق إلى ميدان المعركة كالأسد الهصور لا توقفُه كُلُّ أسلحة العالَم، لا دبابات ولا مدرعات ولا صواريخ ولا زحوفات، حتى أنه جُرح خلال الحرب الرابعة ثلاث مرات، كان يجترح ورغم الظروف الصعبة وقلة الإمْكَانات الطبية والمادية فيعالج نفسَه بالموجود ثم يواصل عملَه الجهادي وهكذا لم يتوقف يوماً عن الجهاد..
شابٌّ نشأ في طاعة الله، كُلُّ حياته مواقفُ، وأَكْبَرها وأعظمها الشهادةُ في سبيل الله.
هتف بشعار الصرخة في وجه المستكبرين في زمن الصمت لم يخَفْ يوماً من كُلّ عوامل الترهيب والترغيب، لم يخَفْ إلّا من حاجة واحدة إلّا وهي التقصير والتفريط.
أعماله الجهادية بمختلف أقسامها الثقافية والأمنية والعسكرية تشهَدُ عن عظمة صاحبها وتقول لمحبيه ورفاق دربه ولمَن يعرفه ولا يعرفه: اجعلوا من هذا البطل المغوار مدرسةً في الجهاد ومعانيه والتضحية وغاياتها، فمن كانت حياتُه جهاداً وختامها استشهاداً لا شك سيكون مدرسةً ينهل منها عُشّاقُ الشهادة في العمل المستمر في كُلّ الظروف في السلم والحرب والشدة والرخاء، هو كان هكذا، ولا شك أن من يعرفه أَوْ يتعرف عليه حق المعرفة سيكونُ قوياً في إيْمَانه وقوياً في مواقفه وأعماله..
قائدٌ عسكري صنعته الحروب والصراعات فجعلت منه بطلاً لا يشقُّ له غبارٌ كان شعلة لا تنطفئ يحرق نفسه لكي يضيء للآخرين.
صاحب قامة طويلة وهامة مرفوعة وهمة عالية، كان يعشق الجهاد، حياته كلها معلقة بين ذي فقار علي وشعار الحسين في كربلاء “هيهات منا الذلة”.
أخذ من ثقافة القُــرْآن معنى معرفة الله ورسّخ في نفسه “لا عذر للجميع أَمَـام الله”، وقال للموت والحياة محياي ومماتي لله، حمل سلاحَ الحديد على كتفيه وسلاحَ الإيْمَان بين جنبية وشمّر عن ساعديه، وقال للدنيا: لقد طلقتك ثلاثاً إلّا في حالة واحدة أن أعيشَ عزيزاً بعزة الإسْـلَام.
ثم قال للحياة مقولة جدّه الإمام زيد المشهور: من أحب الحياة عاش ذليلاً.. وفعلاً لم يكن يعرف من الذل إلّا الاسم ولم يكن يخافُ إلّا من الله، جسدُه مثخن بالجراح في مختلف المعارك خلال الحروب الماضية من الحرب الرابعة حتى العدوان السعودي الأمريكي على اليمن..
إذَا أَرَدْتَ أن تتعرف على الشَّـهيْد القائد أبي حسن المداني من خلال مواقفه فقم بجولة إلى ساحات المعارك في الحرب الرابعة في ضحيان وآل الصيفي، ثم في الحرب الخامسة في صعدة وفي الحرب السادسة في آل حميدان والمهاذر وجبل الصمع ثم اتجه غرباً إلى الحدود السعودية اليمنية إلى جبل الدخان بجيزان وخلال العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ذهب إلى الجنوب وطهّر العديد من المدن من عناصر داعش التكفيرية ومن العُملاء والمنافقين من مرتزقة العدوان في لحج وعدن، حيث سطّر الشَّـهيْد هنالك أروع البطولات والحق بأذناب المعتدين شر الهزائم المنكلة..
وإذَا أَرَدْتَ أن تتعرف على الشَّـهيْد طه حسن إسماعيل المداني من خلال القُــرْآن الكريم فستجده في قوله تعالى: “رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه”، وستجده في سورة الصف وفي سورة الأحزاب، وَإذَا أَرَدْتَ أَن تتعرفَ عليه من خلال التأريخ فسوف تجده في شخصية عمار بن ياسر ومالك الأشتر وَإذَا أَرَدْتَ أَن تتعرَّفَ عليه من خلال سيرته الذاتية فهوَ المجاهد طه المداني متزوج، وله عدد من الأولاد درس في الجامعة شريعة وقانون حالته المادية بذل وعطاء وانفاق في سبيل الله من ما يحصل عليه من والديه وزملائه، متواضع وذو أَخْــلَاق عالية تقلد الكثير من الأعمال؛ بسبب خلاصه وجدارته وحنكته وحكمته وثقة الجميع فيه وبحُسْن تدبيره للأمور لا ينامُ كثيراً ويعمل أَكْثَـر وكثير الذكر لله..
كان الشَّـهيْد المجاهد البطل طه المداني قائداً عسكرياً في الميدان يواجِهُ الزحوفات ويقتحم المعسكرات والمواقع تحقّقت على يديه الكثيرُ من الانتصارات، حيث كان يحظى بتأييد من الله سبحانه وتعالى وكان رفاق دربه من المجاهدين يعتبرونه درعاً حصيناً خلال المعارك، ينظرون إلى مواقفه الشجاعة فيبذلون جهدَهم للتنكيل بالمعتدين إلى جانب قائدهم وتأسياً به.
كان مجاهداً وصار شهيداً، حياته الدنيا وهبها لله وفي سبيل المستضعفين من عباده، فحصل على وعد الله الذي يقول “ويتخذ منكم شهداء”، استشهد أبو الحسن خلال ملاحمَ بطولية لن تستطيعَ أقوى شركات الإنتاج الدرامي أن تنتجَها وتخرجها إعلامياً كمسلسل أَوْ فيلم اكشن أَوْ تأريخي؛ لأنها أَكْبَر من ذلك.
كان خبر استشهاده كالصاعقة على أَنْصَـار الله على أفراده الذين كان يقودهم خلال المعارك وعاشوا معه حياة السلم والحرب.
لم يستوعب الناسُ الخبرَ، فجاء التوجيه بكتمان الأمر حتى لا يفرحَ العدو وحتى لا تنهار معنويات المجاهدين، وظل الأمر سراً كدعوة الأنبياء حتى جاء الإذن بالجَهْر في الذكرى السنوية للشهيد حصل ما لم يكن متوقعاً العدو اكتشف أن معلوماتِه الاستخباراتية ضعيفة وأنه لم يستطع أن يستخرُجَ خبر استشهاد قائد عسكري، بينما الشعب اليمني ممن يعرفون الشَّـهيْد، فكان الخبر بالنسبة لهم مزيجاً بين الحزن والوفاء ومواصلة المشوار على نفس الطريق الذي سلكه الشَّـهيْد جهاداً لا يتوقف حتى يحق الله الحق ويبطل الباطل.
فسلامٌ من الله ورحمةٌ على روح أبي الحسن المداني.