من القطيف.. الناشط الحقوقي السعودي مالك السعيد لـ “صدى المسيرة”: النظامُ السعوديّ انتهك كُلّ حقوق الإنسان والمجتمع الدولي ينحازُ للمال (مصحّح)
ناشطون من أبناء المنطقة الشرقية: صار لزاماً أكثرَ من أي وقت مضى عدمُ السكوت على النظام
أبناءُ القطيف.. بين الركوع للنظام السعودي أَوْ الموت في سجونه أَوْ الثورة
صدى المسيرة- زكريا الشرعبي
القمعُ، التحريضُ، السجن والإعدام والتكفير، أساليبُ ووسائلُ يستخدمُها النظامُ القمعي السعودي لمواجهة المواطنين تحت حكمه خُصُوصاً في المناطق التي لا يعتنقُ سكانُها المذهبَ الوهابي، وكذلك كُلّ من يصدر عنه انتقاد على أداء المؤسسات الحكومية وقبل ذلك من يعترض على سلوك وسياسات الأسرة الحاكمة.
أمس الأول أصدرت محكمة تابعة للنظام السعودي حكماً بسجن فتىً لمدة سبعة وعشرين عاماً ثم منعُه من السفر لمدة سبعة وعشرين عاماً أخرى بعد خروجه من السجن بتهمة إثارة الطائفية والإساءة للنظام، كما يقول الحكم.
بحسب ما تحدث به المحامي في المناطق الشرقية، طه الحاجي، لصدى المسيرة فإن هذا الشاب التي حرصت وسائل إعلام النظام السعودي عَلى عدم ذكر اسمه، هو الشاب حسين البطي من العوامية، وهو حدث دون الثامنة عشرة من العمر، وقد سبق أن صدر بحقه حكم بالقتل تعزيراً إلا أن الاستئناف أعادت القضية للمحكمة لوجود ملاحظات عليها.
ليس هذا بجديد على النظام السعودي الذي تعج سجونه بالآلاف من المعتقلين لذات التهمة، ففي 13 من فبراير الماضي تلقت المدافعة عن حقوق الإنسان سَمَر بدوي، استدعاءً من قبل ما يسمى بهيئة التحقيق والادعاء العام في مدينة جدة، وطالبتها بالحضور يوم الأربعاء 15 فبراير 2017، دون أن توضح الأسباب والدواعي، غير أن ناشطين تحدثوا لصدى المسيرة بالقول إن مثل هذه الاستدعاءات أصبحت روتينية من لدى النظام الحاكم، مشيرين إلى أنه سبق وتعرضت الناشطة “بدوي” لسلسلة من المضايقات، ففي يناير 2016، تم استدعاؤها من قبل “هيئة التحقيق والإدعاء العام” وتوصف بأنها بوليس طائفي، واعتقلتها بتهم منها تأليب الرأي العام، وإدارة حساب على موقع تويتر.
يقومُ النظام السعودي بهذه الجرائم المنتهكة لكافة القوانين والشرائع والمواثيق بالدولية، إلا أن ما ينفقه من أموال على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المأجورة تَحوّل الوقائع ويتم مكافأة هذا النظام من قبل العالَم بتعيينه في لجنة حقوق الإنسان. وإذ يدعو إمامُ وخطيبُ المسجد الحرام إلى إشعال حرب طائفية قائلاً “إذا لم تكن طائفيةً جعلناها طائفية” يقومُ النظام السعودي بمنع رفع الأذان في منطقة الأحساء؛ بحُجّة رفض الدعوة للطائفية، وبينما يدعو النظام السعودي إلى الحرية في اليمن وسورية والعراق تنفذ سلطاته القمع والاعتقالات ضد كُلّ ناشط سلمي وإن كان في وسائل التواصل الاجتماعية.
تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها بعنوان “السعودية تكثف القمع ضد الكتّاب والنشطاء.. تصاعد الاعتقالات والمحاكمات” 6 فبراير 2017: إن النظام السعودي كثّف الاعتقالات والمحاكمات والإدانات ضد الكتاب والحقوقيين المعارضين السلميين عام 2017م.
وتشير المنظمة إلى أن محكمة تابعة للنظام السعودي حكمت في يناير/كانون الثاني على ناشطَين بارزَين بالسجن لفترة طويلة، متهمة إياهما بالاتصال مع وسائل إعلام ومنظمات حقوقية دولية.
وأضافت هيومن رايتس ووتش أن من بين الناشطين والمعارضين السعوديين الذين يقضون حالياً عقوبات سجن طويلة، استناداً فقط إلى نشاطهم السلمي: وليد أبو الخير، محمد القحطاني، عَبدالله الحامد، فاضل المناسف، سليمان الرشودي، عَبدالكريم الخضر، فوزان الحربي، صالح العشوان، عَبدالرحمن الحامد، زهير كتبي، وعلاء برنجي.
وَكان ناشطون من أَبْنَاء المنطقة الشرقية قد عبروا لصدى المسيرة عن الوضع الذي يعانونه جراء ما أسموه بسيطرة أذيال الاستبداد وأدواته على الحياة العامة في القطيف، مشيرين إلى أنه صار لزاماً أكثر من أي وقت مضى عدمُ السكوت عن ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السعودي، والتقت الصحيفة بالناشط الحقوقي مالك السعيد أحد أَبْنَاء منطقة القطيف عضو المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأجرت معه هذا اللقاء:
- أوَدُّ أولاً أن أسألَك عن معاملة السلطات السعودية لأَبْنَاء المنطقة الشرقية هل يتمتعُ أَبْنَاء هذه المناطق بحقوق المواطَنة المتساوية؟
يتمتعون ببعض الحقوق، والحقيقة أن هناك تفاوتاً كبيراً، فالكُلُّ يتعرَّضُ للظلم بالسعودية، لكن بدرجاتٍ متفاوتة وبجوانبَ مختلفة، فأكثرُ طائفة تتعرض لسلب الحقوق هم أهل المنطقة الشرقية؛ وذلك لعدة أسباب، من ضمنها التنازع المذهبي والسياسي، ودعنا نسمّي الأشياء بمسمياتها، في السعودية توجد تقسيماتٌ كثيرة، مذهبية ومناطقية وقبَلية وعرقية، وتقسيمات بناءً على العلاقة التأريخية مع “النظام السعودي”، أي أن البلد هو في أصله مجموعةٌ كبيرة من الأقليات، بلدٌ في أصله متنوعٌ ويتعامل النظام السعودي مع الاختلافات بين الناس بما يخدم مصلحته الاستبدادية.
- لو تذكر لنا أمثلةً لأساليب التعامل مع هذه الاختلافات؟
مثلاً أساليب بث الطائفية والتفرقة بين الناس لكي تسهُلَ عليهم السيطرةُ على الشعب.
وهكذا يقرُبُ النظامُ السعودي من بعض الفئات، ويبعدون عن البعض ويخوّفون الشعب ببعض الفئات ويطرحهم كأعداء كي يقتربَ الناسُ منه.
- هل يُسمَحُ لأَبْنَاء المناطق الشرقية بممارسة معتقدهم وأعرافهم وتقاليدهم وبناء المساجد؟ إذا كان الجواب لا ما هي أساليب ووسائل التضييق عليهم؟
أهلُ المنطقة الشرقية من الشيعة تواجُدُهم التأريخي هو في منطقة الاحساء ومنطقة القطيف، حيث يشكّلون الأغلبية من السكان. وكل منطقة لها حدودها في الحرية الدينية. داخل القطيف حوالي ٩٥٪ من سكانها شيعة مسموحٌ لهم ممارسة الأنشطة والطقوس الدينية بشكل جيد برغم وجود حظر وتضييق على عدة أمور، ولكن الحرية الدينية في الاحساء أقل من القطيف، وخُصُوصاً في عاصمة الاحساء، وهي مدينة الهفوف هذه المدينة يتقاسمها الشيعة والسنة والحرّية الدينية للشيعة بها محدودة، مثلاً يمنع صوت الأذان الشيعي في الاحساء، أمَّا المدنُ الأخرى بالمنطقة الشرقية مثل الدمام والخُبَر والظهران والجبيل وهي مدُنٌ قريبةٌ جداً من القطيف ويسكن بها عشراتُ الآلاف من أهالي الاحساء الشيعة بالتحديد، إلا أنه لا يُسمَحُ لهم ببناء المساجد والحسينيات وهذه تعتبر أبسَطَ ممارَسة دينية وهم محرومون منها.
- عند حديثي مع بعض أَبْنَاء نجران قالوا إن هناك محاولة من قبل النظام الوهابي لفرض الوهابية بطريقة أَوْ بأخرى من ضمن ذلك في المناهج الدراسية.. ماذا عن المناطق الشرقية؟
نعم، أهالي نجران من الطائفة الإسماعيلية يختلفون قليلاً عن أهالي الأحساء والقطيف الشيعة، ولكن الطائفتين تتعرضان للتحريض والتكفير والحِرمان من الحرية الدينية، هذا فضلاً عن التمييز بالفُرَص ومختلف جوانب الحياة.
- بصفتك عضواً في المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان.. ما هي أبرز الانتهاكات التي تم رصدُها بحق أَبْنَاء المناطق الشرقية؟
هناك انتهاكاتٌ كثيرة ومتعددة لحقوق الإنسان، وتقريباً انتهك النظام السعودي معظم الحقوق المنصوص عليها بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ولو أردنا أن نلخِّصَ هذه الانتهاكاتِ في عدة نقاط، وبداية بالحقوق السياسية نجد أن أهل المنطقة الشرقية، وخُصُوصاً الشيعة، محرومون من حقوقهم بالمشارَكة في السياسة، سواء من تمثيلهم في الوزارات أَوْ في السفارات وسائر المناصب العُليا في الدولة، ولكي نوضح هنا فنحن عندما نقولُ إن الشيعة مظلومون، لا يعني أن غير الشيعة ليسوا مظلومين، ولو حاولنا أن نقسِّمَ البلد إلى أقسام جغرافية تجدُ أهلَ المنطقة الشرقية والشيعة هم الأغلب ويمثّلون ويمثّلون سكان المدن تأريخياً، وتجد أهل نجد وهم سكان الرياض ويعد هؤلاء هم الأقربُ إلى الدولة رغم أنهم لا يمثّلون إلا عشرين في المئة من إجمالي عدد السكان، وتجد أهل الحجاز وهم أَبْنَاء مكة والمدينة وجدّة وهم حضَرٌ معروفون، فالكل واقعٌ على الانتهاكات السياسية، لكن الأكثر هم الشيعة، ليس فقط على مستوى التمثيل في الوزارات والسفارات، ولكن حتى في القطاعات الحساسة، مثلاً قطاع الأجهزة الأمنية إذا أتيت لتنظر تواجد الشيعة الذين يمثّلون من 13-17بالمئة من إجمالي عدد السكان ستجد أن نسبةَ تواجُدهم معدومة خُصُوصاً أَبْنَاء المنطقة الشرقية، ولو أتيت إلى القطيف وهي التي يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة كلهم شيعة ستجدُ أن الشرطةَ هناك ليست من أَبْنَاء المنطقة وليست من الشيعة وإذا وجدت ستجد شرطياً أَوْ اثنين كحالات شاذة، هذا من أنواع الظلم والانتهاكات الواقعة عليهم.
- غير انتهاك الحقوق السياسية هناك انتهاك للحقوق المدنية بلا شك.. ما هي أبرز صورها؟
بالتأكيد مثلما أن الظلمَ موجودٌ في الفُرَص وفي المناصب العليا، يقوم النظام السعودي بالتحريض على الناس وبشكل خاص على الشيعة سواء الإمامية أَوْ الإسماعيلية، وأنا اشتغلت على هذا الموضوع ورصدت الكثيرَ من وسائل وأساليب التحريض الطائفي، فهناك كتب ومناهج دراسية، كتب مرخّصة من وزارة الثقافة ومناهجُ دراسية تفرضها الدولة فيها كم هائل من التحريض وأيضاً محاضرات لشخصيات ينتمون إلى ما يسمى بهيئة كبار العلماء وكذلك إلى مجلس البحوث والإفتاء وهو مجلسٌ تابع للدولة ويشكّل أعلى هيئة دينية لدى النظام السعود ولديه فتاوى صريحةٌ تدعو إلى عِداء الشيعة، عداء وكراهية وتحريض بكل وقاحة، ومن ضمن الفتاوى الموجودة على سبيل المثال حرام الشيعي يتزوج من السني، حرام السني يتصدّق على الشيعي إذا كان فقير، حرام السُّني يبيع ذبيحةً إلى الشيعي، حرام السني يأكل من ذبيحة الشيعي، حرام السني يصادق الشيعي.
قبلَ فترة كان هناك صديقان من المنطقة الشرقية أحدهما سُني والآخر شيعي ذهبا معاً إلى المحكمة حيث كان لدى السُّني قضية وطلب منه شهودٌ فذهب الشيعي ليشهدَ في قضية السني فتم رفضُ شهادته. وهكذا تصلُ الوقاحة إلى هذه الدرجة وأعظم.
هذه مجموعة صغيرة من الانتهاكات: التحريض وبث الكراهية، وأعظم منها أن هناك كتباً تدعو إلى القتل، وكذلك محاضرات وقنوات فضائية وبرامج، ومع وجود المشاكل في اليمن والعراق ولبنان وسورية تتحدَّثُ المحاضرات والصحف وحتى الأمراء بالتحريض ضد الشيعة بما في ذلك شيعة السعودية.
جميع هذه الانتهاكات موجودةٌ، كما قلنا، وهي تتصاعد وتهبط.
- إذا ما عُدنا إلى حديثك عن عدم تمثيلِ أَبْنَاء المناطق الشرقية في المناصب السياسية والأمنية.. هل نفهَمُ أن هناك تمثيلاً لهم في المناصب الإدارية الأخرى؟
التمييزُ واضحٌ أَيْضاً في المناصب الإدارية، ولكن ليس مئة بالمئة، فمثلاً حين يُفترَضُ أن يكون هناك خمسة أَوْ ستة أشخاص في مناصبَ إدارية بشركة معينة يتم أحياناً تعيين شخص واحد شيعي فقط، وذلك أمامَ الناس حتى لا يقال إن هناك إقصاءً تاماً.
- من خلال متابعاتنا نجد أن وتيرة الانتهاكات لحقوق الإنسان بحق أَبْنَاء المنطقة الشرقية ازدادت مؤخراً، ما هو تفسير ذلك؟
نعم زادت الانتهاكاتُ وارتفع وتيرة الاعتقالات، ونستطيع أن نقول إن النظام السعودي أصبح يأخُذُ راحته في الانتهاكات لحقوق الإنسان؛ لأنه أصبح هناك عزل للشيعة عن باقي الشعب. ومن ضمن هذه الانتهاكات أحكام إعدام كثيرة على بعض الشيعة، وتهم ومحاكمات تعسفية ضد ناس، لا سيما الناشطين السلميين والمدافعين عن حُقوق الإنسان ومعارضين وأصحاب رأي، وهناك محاكمات تصلُ إلى عشر سنوات أَوْ خمسَ عشرةَ سنة في أشخاصٍ لم يفعلوا شيء، مثلاً طفل مسكوه في نقطة تفتيش وعنده مجموعات واتساب ومنشورات عادية ومن ضمن الانتهاكات التعسفية التي تحدث الآن أنه في قرية “العوامية” هناك حي قديم اسمه مسوَرةح فيه اكثر من ٧٠٠ أسرة، النظام الان على وشك تهجير عوائل يسكنون حوالي ٦٠٠ منزل؛ وذلك لأن المظاهرات التي طالبت بالديمقراطية خرجت من هذا الحي.
النظامُ السعودي يوشك أن يقوم الآن بتهجير سكان ما يقارب خمسمائة أو ستمائة بيت. وتارة يقول إن هناك مطلوبين في هذه المناطق ولا يستطيع الدخول إليها لطبيعة مبانيها المتلاصقة وهكذا.
هناك أَيْضاً حقوق ثقافية وحقوق دينية وحقوق اجتماعية وحقوق اقتصادية مسلوبة عن أهالي المنطقة الشرقية.
- لماذا لا يتحَـرَّكُ الناسُ للمطالبة بحقوقهم؟
كثيرٌ من أَبْنَاء المنطقة لا يستطيعون الحديثَ عن مظلوميتهم ولا عن الانتهاكات لحقوقهم، وإذا تكلم أحد وطالب بحقوقه وطالب بالكرامة يتم سجنه.
- هل ترى أن هناك تهميشاً دولياً لقضايا أبناء المناطق الشرقية وتغاضياً عن النظام السعودي المنتهِك لحقوقهم؟
بالنسبة للمجتمع الدولي فكما تعرف السعودي يمتلك النظام السعودي المالَ، وهناك مصالح دولية كثيرة معه وعلاقات قوية اقتصادية وتجارية مع أمريكا، بريطانيا، فرنسا، كندا، أستراليا، وحين نكلم هذه الدول عن الانتهاكات لحقوق الإنسان يقولون لك السعودية: بلد قوي وعنده نفوذ في الشرق الأوسط وما نريد أن نخسَرَ علاقتنا معه، وبالتالي هذه الدول ليست مستعدةً لانتقاد النظام السعودي.