الاستراتيجيةُ الأَمريكيةُ في اليمن
حميد رزق
كان المطلوبُ من هادي أن يكونَ الرجلَ المريضَ في صنعاءَ؛ ليقودَ نظاماً هشاً وضعيفاً يعجزُ عن مواجهة الأَزمَات، وتنتشرُ في ظل وجوده بصنعاءَ عناصرُ القاعدة وترتكب أشكال وأنواع الجرائم المختلفة.
ثورة 21 سبتمبر قلبت الطاولةَ على مُخَطّطات واشنطن وطوى الشعب اليمني صفحة القاعدة وتم سحبُ هذه الذريعة الأَمريكية التي تم التحضيرُ لها منذ سنوات عديدة..
لم تقتصر انجازاتُ ثورة سبتمبر على دحر القاعدة، بل تم إسقاطُ المنظومة السياسية والقبَلية والعسكرية المرتهنة للخارج (الإخوان).. أَمريكا لم تتحمل هذه الخسارة، فجاء قرارُ شَنِّ الحرب المباشرة على اليمن؛ بذريعةٍ جديدةٍ اسمُها استعادةُ الشرعية، وبعد اتخاذ قرار العدوان على اليمن، اختفى بشكل مفاجئ الحديثُ الأَمريكي عن مخاطر القاعدة في اليمن، وغابت غاراتُ الطائرات بدون طيار وأَصْبَـحت القاعدةُ جزءَ ممَّا أسموها المقاومة.
الإدَارَةُ الأَمريكيةُ الجديدةُ بقيادة دونالد ترامب ترفُضُ العديدَ من سياسات الإدَارَة الأَمريكية السابقة، وقد عبّر ترامب أَكْثَــر من مرة عن استراتيجيته الخَاصَّــة في التعامل مع ملفات الشرق الأَوْسَط، وكان القرارُ بخصوص اليمن العودة إلى الخطة الأصلية في البنتاغون القائمة على تسمين القاعدة وتحريكها لتكونَ الذريعة للتدخل في اليمن.
ترامب قال في تصريحات كثيرة بأنه غيرُ معنيٍّ بالتعاون مع دول الخليج إلّا بقدر ما يحصل على مال، وبالتالي فإن التنازُلَ عن ورقة القاعدة وتحويلَها إلى رافد للجُهد الحربي السعودي ضد اليمن لا بد أن يكونَ بمقابل ثمن كبير ومُجزٍ، وما لم يحدث ذلك فإن ترامب ينوي خوضَ حرب أَمريكا الخَاصَّــة في اليمن والقائمة على مبرّر محاربة خطر القاعدة والإرْهَـاب، وفي هذا الإطار نفّذ الأَمريكيون الإنزال العسكري في البيضاء، مستهدفين عناصرَ كانوا من ضمن مجاميع حزب الإصْلَاح القتالية بقيادة علي محسن الأَحْمَـر وعبدالمجيد الزنداني، الأمرُ الذي أحدث انزعاجاً كبيراً داخلَ صفوفِ المرتزقة الإخوانيين؛ بفعل الصدمة والمفاجأة، لا سيما أنهم كانوا ما يزالون يراهنون على التفاهُم بين أمريكا والمملكة السعودية لتحويل عناصر القاعدة جزء من مجاميعهم القتالية ضد الجيش واللجان الشعبية.
لقد نفّذ الأَمريكيون إلى الآن ثلاثة انزالات عسكرية في البيضاء وأبين وشبوة، واستخدموا نيراناً كثيفة وأسلحةً متطورة وقتلوا عشرات المدنيين، بينهم نساء وأَطْفَال، ولم يجرؤ هادي أَوْ حكومة ما يسمى بالشرعية أَوْ قيادات حزب الإصْلَاح التي تقدِّمُ نفسَها وطنيةً ودينيةً على الادانة أَوْ الاحتجاج.
المواطنون في المحافظات التي يسمونها محررةً هم مَن سيدفعَ الثمنَ، وسيكونون هدفاً مجانياً للهَجَمات الأَمريكية، وما يزالُ الأَمريكي يهدّد بتصعيد انتهاكه لسيادة اليمن بعد أن اطمأن أن رجالَ الجيش واللجان الشعبية غيرُ متواجدين في المناطق المستهدفة، فالعدوان السعودي الإمَارَاتي على اليمن لم يكن غيرَ مقدمة وتهيئة للطريق أَمَام الأَمريكيين الذين يخشَون مواجهةَ شعبٍ متسلحٍ بالثقافة القرآنية ويعيشُ الانتماءَ الواعي إلى دينه ووطنه وأُمَّته، فما كان من أمريكا إلا أن تخطفَ من أَدواتها دورَ البطولة.