الشهيدُ الخيواني الذي آمَنَ بالثقافة وانتمى للصحافة هو قائدُ جبهتَي الثقافة والإعلام في مواجَهة العدوان:
عن جبهة الثقافة والإعلام: حين يكون المثقف جندياً والثقافة خندقاً والإعلام سلاحاً فتّاكاً!
د. إبتسام المتوكل*
في حَضْرَةِ المثقف والإعلامي الوطني الإنْسَاني، عَبدالكريم الخيواني، يصبح كُلُّ ما له علاقةٌ بأدوار المثقّف ومهام الإعلامي مجسَّداً في رَجُلٍ واحد، لكنه متعدّد، متواضِع مع إباء لا يتزعزع.
الخيواني الذي آمَنَ بالثقافة وانتمى للصحافة هو قائدُ جبهتَي الثقافة والإعلام في مواجهة العدوان، إنه القائد الفعلي الذي نستقي منه مهامَّ المرحلة وواجبات القصيدة والمقال، فإليه في ذكرى خلوده الثانية تنتمي الكاتبة والمكتوب!
بين يدَي الجبهة الثقافية التي تواجهُ العدوان ـ وفي حضرة الإعلام الحاضن للقضية الوطنية، في معركة هي أقدس المعارك: معركة الوجود/ الفناء والحقوق/ العقوق، بين يدي كُلِّ ذلك، هل نتحدَّثُ عن نُخَبٍ ثقافيةٍ لها أبراجُها العاجية، وفلسفتُها الغامضة، ذاتُ الخصوصية التي لا يكادُ يتبيَّنُها العموم، واشتراطاتها المعرفية المعقدة؟ أم نحن بصدد الحديث عن وعي ينخرطُ فيه كُلُّ مَن امتلكه، وتحرك ضمن موجهاته والتزم بمقتضياته؟
هل نتحدث عن إعلام ديكوري/ يهتم بالشكل، وإدهاش الصورة، وبذخها ولا يحمل مبدأ، ولا ينقل حقيقة، بل هو يناصر القتلة، أَوْ ينقل لهم ما يخفي جرائمهم؟ أم نتحدث عن أمة، يحملها الإعلامي في كاميرته، ويكتبها في عباراته، ويدافع عن رهاناتها حتى يدفع حياته في كثير من الأحيان؟
إن معركةَ الثقافة في مواجهة العدوان، هي معركةُ وعي، ولهذا ينخرطُ فيها بنفس الكفاءة والفاعلية النخب وعموم الشعب، شرط أن يكونَ الجميعُ على درجة كاملة من إدراك من هو العدو؟ وعلى إيْمَان تام بقدسية الوطن، وعلى يقين بالغ بذرائع العدوان، وأطماعه التأريخية، وأياديه الكارثية، في كُلّ المجالات، وعلى بصيرة نافذة بجرائم العدو، ووحشيته القاتلة، وحقده غير المحدود على اليمن، ماضياً، وراهناً، ومستقبلاً، وإنْسَاناً، وحضارةً.
إن هذه المحدداتِ، تجعلُ من الجبهة الثقافية متضمنةً كُلَّ حراكٍ وطني، يرفض العدوان، ويجرِّمُه، ويواجهه ليكشفَ ضلالاتِه، وألاعيبَه التي يحاول أن يمرر بها إجْــرَامَه، ويبرره كما هو حاصل منذ 26 مارس 2015م.
هذا الانفتاح يعني أن كُلّ قوى الانتماء الوطني الواعية بهُويتها، وحقيقة عدوها، هي جبهة ثقافية مواجهة للعدوان، ومدافعة عن انتمائها، ومثابرة على فضح محاولات العدو، تزوير الوعي، وابتلاع الهوية، وهي محاولات فاشلة، بتصدّي الجبهة الثقافية لها، وبالفصل الحقيقي والكامل بين ما هو يمني، وما هو عدوان، والانتماء المطلق لليمن والمواجهة الشاملة للعدو.
حين يتحوَّلُ الوعي الثقافي إلى مواجهة، وتحرك على الأَرْض، سيتلاحم الثقافي بالإعلامي، ليكونا وجهين لجبهة واحدة، ولا غنى للمحتوى الثقافي عن ترويج إعلامي؛ ليحقق أَهْدَافه ويبلغ غاياته، ولا غنى للوسائط الإعلامية عن مادة ثقافية، بالكلمة، أَوْ الصورة، أَوْ الفكرة، أَوْ الأغنية، أَوْ اللوحة، أَوْ سواها؛ وإلا فماذا سيقول الإعلام؟ ومن سيتحدث، أَوْ يصور، أَوْ يقرأ، أَوْ يحلل، ويفسر، ويربط الظواهر، ويكشف المخبوء من ورائها؟ ومن سيقدم المادة الفنية التي تتعاطى مع الوجدان الوطني، وتعبر عن قيمه ومبادئه؟
ههنا نعرفُ أننا نتحدَّثُ في مجال واحد، وجبهة لا يكاد التمييز بينها يذكر، وهي بالفعل جديرة بأن نوصف بأنها جبهة الجبهات؛ حيث الرهان عليها في كسب المعركة النفسية، والأخلاقية، والميدانية أيضا، ولذا تولي قوى العدوان جل عنايتها، وتغدق الكثير من نفطها ودولاراتها، على هذه الجبهة التي ينقصها في جانب العدو عناصر النجاح كلها، وعلى رأسها الصدق في كُلّ ما تقوم به أَوْ تهدف إليه، وهو ما حكم عليها بالخسران من داخلها، والتداعي بسبب تناقضها مع نفسها، ومع الواقع الفعلي، وهو ما جعل بضع قنوات محاصرة تخترق كُلّ حصار، وتحاصر العدو بصدقها فيصدقها هو نفسه، وهو ما جعل ثلة مثابرة على الكتابة المواجهة للعدوان تتفوق في أدائها على مليارات مبذولة للتزييف والافتراء، تفوقت جبهتنا رغم كُلّ العوائق التي افتعلت لتعيق فاعليتها وتعطل نجاحاتها.
في الحالات الاعتيادية، يقوم المثقفون، والكتاب، والإعلاميون، بتدعيم عوامل الثبات، والتحدي، والشموخ، في ذروة المعارك، وعند احتدامها. لكن الحالة اليمنية تكاد تكون حالة فوق اعتيادية، ونموذجا استثنائيا، وما يؤكد ذلك أن المثقفين، والكتاب، والإعلاميين، يقفون مذهولين أمام بلاغة الشعب الشامخ، وينهلون من معين صموده، وعطائه، وقدرته على المواجهة، والتكيف بما يهزم رهانات العدو، وبفشل خططه، التي بنى عليها تصوراته لطبيعة المعركة، وأمدها، وقدرته على إداراتها؛ فأدارها الشعب اليمني، وَحدد المجال، وتفوق على السلاح، حتى بدا هذا السلاح الموصوفُ بالذكي غبياً للغاية، أمام فطرة المقاتل اليمني، وذكاء المواطن العادي، وبدا القادة العسكريون -من أعراب وعجم- أشد غباء، وأكثر حيرة، فقاد المشهد شعب مثقف، حضاري، واع، لا يفرط في الكرامة، ولا يتهاون في الحرية، ولا يتنازل عن السيادة والكبرياء. قاد المشهد عسكرياً، وقاده ثقافياً، وإعلامياً، فلم يكن صعباً على أصحاب الاختصاص أن ينقلوا الصورةَ، ويكتبوا الأسطورة، ويبدعوا القصيدة، ويصيغوا التقرير، ويدبجوا المقالات، ويلاحقوا الانتصارات على مستوى الصمود في جانب الوعي، وعلى صعيد النصر في أرض المعركة.
الجندي الحافي، الذي هو في الأصل مواطن بسيط، لم يدرس في أكاديميات عسكرية، أَوْ يرسم له خطة المعركة، ذلك الجندي أعني ذلك المواطن/ الشعب هو منبع صمودنا، وصانع انتصاراتنا، وكاتب وعينا، وقائد بصيرتنا إلى حيث يشرق الوطن بقوة يدين مشققتين من أثر الفلاحة، ويسير بعزيمة قدمين حافيتين إلى ذرى النصر والشموخ، حيث يدوزن شعب حر أبي معزوفة النصر بألحان يمينة صميمة، استعصت سرقتها أَوْ تحريفها، أَوْ يزوملها على وقع أنغام تراث موغل في الحياة، والإباء، والانتماء ليمن يصعب على العدو تحريفه، أَوْ ابتلاعه.
منذ عامين نهض شعب بكافة فئاته؛ للقتال في كُلّ جبهات المواجهة، وعلى رأسها جبهة الوعي الثقافية الإعلامية، ولم يتحلف عن هذا الواجب المقدس إلا من باع يمنيته، أَوْ توهم أنه يستعمل العدو لنصرة مشروعه الخاص، اما المشروع الوطني فقد نهضت به أقلام ووجوه جلها لم يكن معروفا في ما قبل العدوان، بل لربما لم يكن يظن أنه معني بكتابة صيغة وطنية ثقافية، تحمل الهوية، وتعليها، وتهاجم كُلّ مُخَطّطات العدو لطمسها أَوْ تحريفها.
في تلك اللحظة الفارقة: لحظة اقتراف العدو حماقته العدوانية تشكلت جبهات وطنية خالصة بشكل عفوي، وأحياناً عشوائي، في تللك الفترة لم تكن هناك حكومة، ولا جهات تنسق لعمل بهذه الضخامة، وهو ما يجعلنا بعد قرابة العامين نتوقف؛ لنراجع سبل الأداء، وآليات التنسيق، والاستمرار في المواجهة، مع تحديث السبل، وتغيير الخطط لتواكب مستجدات العدوان على الأَرْض، وعلى مستوى الخطاب، واسْتهدَاف الوعي، مطالبين الحكومة، وكافة المُؤسّسات الوطنية القيام بدورها، وتحمل مسؤولياتها في إسناد الجبهة الشعبية، التي صمدت، وانتصرت، وأربكت المُخَطّط المحكم المدروس لإسقاط اليمن الذي علا مسقطاً المُخَطّط القذر، ومحرجاً الخبراء العسكريين، والسياسيين، والدراسات، والأكاديميات التي سهرت على مُخَطّط العدوان منذ وقت مبكر منضجة إياه، ظانةً أنها قد وفّرت كُلّ وسائل اكتساح بلد سلَّمَ الخونة من أبنائه أسرارَه للعدو، واستسلم الباقون -على اعتاب مدن النفط ورنين العملات الأجنبية ـ ولم يبق إلا أن يسقط بيد الاحتلال علانية، فكان أن انهزمت القوة العسكرية المدربة، وكافة المُؤسّسات التي عملت على سيناريو العدوان، وكان أن أحرقت الولاعة باليد الواثقة بنصر الله أحدث العتاد العسكري، وأحدث برامج تزييف الوعي، واستثمار الشائعة، وتمزيق النسيج المجتمعي، كُلّ ذلك تهاوى وسيظل، مادام ثمة شعب، وثمة حضارة تأبى لها كينونتها أن تستسلم لنقيضها أَوْ تخون نفسها أَوْ تبيع يمنها.
*رئيسةُ الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان