صحيفةُ “لوماتان داليجيري”: ترامب طلب من ابن سلمان المزيد ويريدُ استنزافَ أموال النفط بممالك الخليج
ترجمة: شامية الحيدري:
لطالما استمدت المملكة الوهابية قوَّتَها وثرواتِها من النفط ومن وضعها الخاص حيال إمبراطورية الانجلوسكسون -القبائل الجرمانية التي غزت وسكنت بريطانيا في القرن الخامس والسادس- التي ساهمت في تأسيس المملكة في عهد الملك عبدِالعزيز آل سعود في العام 1932 والتي قدمت لها الضمانات الكافية لتوفير الحماية والأمان للمملكة.
وفي 14 فبراير 1945 وهو اليوم التالي للحرب العالمية الثانية تم إبرامُ اتفاق كونسي بين الملك عَبدالعزيز آل سعود مؤسّس المملكة العربية السعودية والرئيس الأَمريكي فرانكلين روزفلت، وكان من المقرر أن يدومَ هذا الاتفاق 60 سنةً، وتم تجديدُ محتوى اتفاقياته لنفس المدة في 2005 من قبل الرئيس جورج دبليو بوش ومن أهم ما جاء في هذا الاتفاق توفير الولايات المتحدة الأَمريكية الحماية غير المشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة الأَمريكية.
من خلال هذا الاتفاق أصبح استقرار المملكة العربية السعودية جزءاً لا يتجزأ من المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأَمريكية التي بدورها تضمن الحماية غير المشروطة لعائلة آل سعود وأيضاً حماية المملكة من جميع التهديدات الخارجية التي من الممكن حدوثها، ولكن هذا الاتفاق أَيْضاً يقضي بـ “منع أي تدخل” في السياسة الداخلية للمملكة. وفي المقابل، تقوم أسرة آل سعود بمنح الشركات الأَمريكية الاحتكار المطلق لاستغلال احتياطي البترول بالإضافة إلى توفير المملكة للجزء الأكبر من إمدادات الطاقة الأَمريكية والتي يتم دفعها بالدولار فقط (البترودولار).
الاستفادةُ من الحماية العسكرية المقدمة من الولايات المتحدة الأَمريكية لضمانِ بقاء عرشها وثروتها المتأتية من عائدات النفط والحج لطالما كان أحد العوامل الرئيسية في استراتيجية مملكة آل سعود التي أصبحت اليوم أكبر بلد مستورد للأسلحة الأَمريكية وغيرها من القوى الغربية مثل (المملكة المتحدة وَفرنسا). وهذا هو ما جعل المملكة العربية السعودية “ديكتاتورية محمية” كما كتب عنها في إصدارات البين ميشيل (دار نشر فرنسية) وَجون ميشيل فلوكيير وأيضاً تم وصفها بالحليف المخلص الذي لطالما نفذ الخطط الامبريالية الانجلوساكسونية في المنطقة.
من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأَمريكية، بريطانيا وفرنسا قامت هذا العام جميعُها بتجديد عقود بيع الأسلحة مع المملكة العربية السعودية بشكل يرضي المجمع العسكري الصناعي لجميع هذه البلدان، على الرغم من اعتراض المنظمات غير الحكومية الإنْسَانية ضد استخدام المملكة العربية السعودية للأسلحة المحرمة دولياً، فقد اتهمت منظمة العفو الدولية في 23 مارس من العام الجاري واشنطن ولندن “بتغذيتها للأزمة الإنْسَانية في اليمن من خلال تزويد المملكة العربية السعودية بالأسلحة”، إذ بلغت قيمة صفقات الأسلحة المبرمة مع الرياض أكثر من 5 مليار دولار منذ العام 2015.
من جانبها أبرمت فرنسا عقداً بقيمة 455 مليون يورو مقابل بيع أسلحة للرياض عميلها الرئيسي في الشرق الأوسط، وقد عُرف هذا العقد باسم “دوناس” والذي قامت المملكة العربية السعودية وفرنسا بتوقيعه لصالح لبنان الذي تحول أخيراً، وبحسب الصحافة اللبنانية، إلى البيع المباشر للأسلحة بالنيابة عن الرياض. وبزيادة قدرها 3 مليارات يورو تمت إعادة تسمية هذا العقد ليصبح العقد العسكري السعودي الفرنسي (SFMC) والذي سيخدم المصالح السعودية من خلال إعادة بنائها لمخزون أسلحتها بمبلغ وقدرة 455 مليون يورو، ولكنه قد يصل من1,2 إلى 1,4 مليار يورو في العقود الآجلة. وقد تمكّنت فرنسا من خلال قيمة المعدات العسكرية المباعة خلال العام 2016 والتي بلغت حوالي 20 مليار يورو من تحطيم رقمها القياسي السابق الذي توصلت اليه في العام 2015 وهو 17 مليار يورو، مما يخولها للحفاظ على مركزها الثالث ضمن كبار تجار الأسلحة في العالم.
بيد أن التطور الملحوظ في النفط الصخري للولايات المتحدة الأَمريكية والذي جعل منها بلداً مصدراً للنفط وليس فقط بلداً مستورداً، مما يعني أن السوق الأَمريكية ستغلق أبوابها أمام البترول السعودي، فضلاً عن ذلك، أعلن الرئيس الأَمريكي الجديد دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية أنه سوف يضع حداً لاستيراد النفط من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومن الدول الخارجية بشكل عام؛ وذلك من أجل تأمين استقلالية الولايات المتحدة الأَمريكية في مجال الطاقة، و”التحرر” تماماً من جميع “خصومها” بما في ذلك “التكتلات الاحتكارية البترولية”.
تسبب خطاب دونالد ترمب بحالة من الذعر في أوساط الرياض التي قامت على الفور بإرسال وزير خارجيتها عادل الجبير ليبحث العلاقاتِ بين البلدين وليوضح للولايات المتحدة الأَمريكية أنها تتقاسم مع المملكة العربية السعودية المصالح ذاتها وأن الرياض هي دوماً على استعداد لتقديم خدماتها الموالية لواشنطن؛ ولإثبات ذلك قامت المملكة العربية السعودية بإبرام عقود تصل قيمتها إلى عشرات الملايين من الدولارات مع الشركات الأَمريكية.
من جانبه، قام وزيرُ الدفاع الملك محمد بن سلمان بزيارة إلى واشنطن ليبين للرئيس الأَمريكي أن المملكة لا تزال أفضل حليف للولايات المتحدة الأَمريكية وأن كلا البلدين لديهم نفس الأعداء والأهداف، بيد أن الرئيس الأَمريكي الجديد الذي يتمتع بكونه رجل أعمال جيد بالطبع أجابه بأن المملكة عليها دفع المزيد إذا كانت بالفعل تريد أن تستمر بالاستفادة من المظلة الأَمريكية! وبحسب ما نشرته الصحافة فإن ترامب يريد أن يستنزفَ المزيدَ من الأموال التي تملكها الممالك النفطية.
علاوةً على ذلك، يميلُ احتياطي النفط السعودي إلى الانخفاض، الأمر الذي أوضحته دراسةٌ متخصّصةٌ تم نشرُها في صحيفة علوم البترول والهندسة مستشهدةً بموقع ميديل است آي، وبحسب الدراسة فإن المملكة العربية السعودية التي وصلت إلى الذروة في إنتاجها للنفط، ستشهد في العام 2028 تراجُعاً لا يعقل. ومن الجدير بالذكر أن صافي الصادرات النفطية للمملكة العربية السعودية بدأ بالفعل بالانخفاض منذ العام المنصرم، إذ أن نسبةَ الانخفاض السنوية بين العامين 2005 وَ2015 كانت 1,4%، وبحسب أحد التقارير الصادرة عن سيتي جروب أحد أكبر شركات الخدمات المالية الأَمريكية أن صادرات البترول التابعة للمملكة (والتي تمثل 80% من الإيرادات)، “ستتراجع إلى الصفر خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة”.