أحداث ما بعد إقالة الزبيدي: واشنطن تُديرُ الفوضى على الجنوب
صدى المسيرة – ضرار الطيب
أثارت قراراتُ الفار هادي الأخيرةُ بشأن التعديلات الوزارية في حكومة المرتزقة وإقالة محافظ عدن الزبيدي والوزير بن بريك، موجةً من الفوضى الإعلامية المنقسمة بين تأييدات وانتقادات على مستوى الإعلام الجنوبي التابع لقوى العدوان، وكذلك إعلام العدوان نفسه ممثلاً بطرفَي الاحتلال: الإمَارَات والسعوديّة، بالإضَافَة إلى تراشُقات سياسية أدّت إلى فوضى في شوارع الجنوب على خلفية تلك القرارات.. وهو ما مسح الغبار عن مزيدٍ من الخلافات العميقة والانقسامات الواسعة، وأظهر تفاصيلَ جديدةً تشرح الطبيعة العامة للوضع السياسي القائم في الجنوب، والمصير الذي وصلت إليه المكوّنات السياسية الجنوبية، وحدود ما يسمى “الشرعية” في ظل ما يحدُثُ هناك.
الحراكُ الجنوبي الضائع
تناقلت وسائل إعلام جنوبية تابعة للنفوذ السعوديّ، تصريحاتٍ لقيادات في الحراك الجنوبي تؤيِّدُ قرارات هادي، وتناقلت وسائلُ أُخْـرَى جنوبيةٌ وتابعة للنفوذ الإمَارَاتي تصريحاتٍ لقيادات في نفس الحراك تندد بتلك القرارات وتدعو إلى مظاهرات، في مهزلة تظهر بوضوح أن “الحراك الجنوبي” قد تم تقاسُمُه وتضييعُه تماماً.
في السابق كان الحراكُ الجنوبي هو الكيانَ الأوَّلَ جنوبياً والمتحدثَ الأبرزَ باسم ما كان يُعرَفُ بالقضية الجنوبية، ولكنه تحول في ظل الاحتلال إلى أوراق إعلامية صالحة للاستخدام السعوديّ والإمَارَاتي على حدٍّ سواء، وأما “القضية الجنوبية” فصار حدودُها هو أن تدعم نفوذ الاحتلال فقط، وأَصْبَحت مفرغة تماماً مما يخص الشأن الجنوبي الداخلي.
لقد سلبت دول العدوان من الحراك الجنوبي كُلّ ما بُني عليه، وأعادت تشكيلَه على حسب محددات الاحتلال التي جعلت دورَه مقصوراً على التطبيل السياسي، وتقديم المرتزقة المقاتلين.. وما سوى ذلك، لم يعد من شأنه على الإطلاق.
أمريكا تحدّدُ شكلَ “الشرعية” المزعومة
قراراتُ الفار هادي الأخيرة أيضاً، بلورت قضية الخلاف السعوديّ الإمَارَاتي في الجنوب والتي يمثل الدعم الأمريكي المحورَ الرئيسي فيها، ومن الواضح أن ذلك الدعمَ الأمريكي يتجه نحو السعوديّة في عدن، وبالنسبة لتلك القرارات فقد عمّدها الدعمُ الأمريكي بلقاء جمَعَ بين سفير أمريكا ومحافظ عدن الجديد المعيّن من قبل الفار هادي، حيث أَكَّـد السفير على دعم الإدَارَة الأمريكية لهذا التعيين.
لم تستطع الإمَارَات الاعتراضَ بشكل واضح على القرارات التي أطاحت برجالها، وبدل ذلك اتجه المسؤولون الإمَارَاتيون إلى التلميح بالانتقاد كما فعل الوزيرُ الإمَارَاتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” حينما غرد على موقع التواصل الاجْتمَاعي “تويتر” عقب قرارات الفار هادي، قائلاً: “من قواعد العمل السياسي أن تبني الثقةَ مع حلفائك وألا تطعَنَ في الظهر وأن تكون قراراتك بحجم قدراتك وأن تقدم المصلحة العامة على الخَاصَّة”.
ترى الإمَارَات أنها تتحكم بالكثير من النفوذ في عدن، وامتلاكها لقوات عسكرية خَاصَّة بها وغير داخلة في تنظيمات “الجيش الرسمي” التابع للعدوان، يجعلها تثقُ بقدراتها هناك وفي الكثير من المرات استطاعت الإمَارَاتُ بفضل تلك القوات أن تتغلبَ على النفوذ السعوديّ، ولكن الجانب الرسمي في دولة المرتزقة القائمة في عدن، يخضعُ معظمُه للنفوذ السعوديّ، وبالتالي فهو الذي يحظى بالدعم الأمريكي؛ ولذلك أَيْضاً تتصرف السعوديّة في عدن بدون حاجة إلى إظهار التصادُم مع الإمَارَات، وخلاصة ذلك هو أن القرارَ النهائي سيظل متروكاً لرغبة أمريكا، ومَن تحدده تلك الرغبة في أن يكونَ هو صاحب النفوذ الأوسع في عدن، سيكون كذلك بدون أن يتجرّأ منافسُه على الاعتراض.
في المقابل أيضاً، لم يستطع الفار هادي المرتبط بالنفوذ السعوديّ، أن يتحكمَ في قرار “حضرموت” المحسوبة على النفوذ الإمَارَاتي، والتي تمرّدت على شكل “الشرعية” المزعومة، والذي ظل الفار هادي نفسُه يروِّجُ له كثيراً بشأن الدولة الاتحادية.. فقد أعلنت انفصالُها بدون أن ترجعَ إلى حكومة المرتزقة التابعة لهادي، ولم يملك الأخيرُ أن يعترضَ، فقط لأن أمريكا داعمةٌ لذلك.
وكما أن حدودَ “القضية الجنوبية” باتت محصورةً على التطبيل لدول الاحتلال والقتال في صفها، فإن “شرعية” الفار هادي ودولته أَيْضاً محدودة بدعم أمريكا وإرادتها.
الإمَارَاتُ تُشعِلُ الفوضى ردّاً على القرارات
الطريقُ الآخرُ التي تسلكه الإمَارَات دائماً بدل الاعتراض على تصرُّفات السعوديّة هو مهاجمة حزب الإصلاح، الذراع الأطول للنفوذ السعوديّ؛ ولذلك كانت ردّة الفعل الإمَارَاتية على قرارات الفار هادي الأخيرة، هو إشعال الفوضى في الجنوب، وإخراج مظاهرات منددة بإقالة “الزبيدي” المحافظ السابق، واتهام حزب الإصلاح باستخدام هادي للسيطرة على عدن.
المظاهراتُ خرجت في عدد من مناطق عدن وأبين وبعض المناطق الجنوبية، ورفعت شعاراتِ الرفض لقرار إقالة “الزبيدي” ودعوة الفار هادي لإعادة النظر في قراره، بل وأحرقوا صورَه في الشوارع.
ولم يقف الأمرُ عند هذا الحد، فقد بدأ “الزبيدي” بتجميع أنصاره كما لو أنه ما زال متمسكاً بمنصبه، وقد نقلت مواقعُ جنوبية أن عدداً من قياداتِ ما يسمى “المقاومة الجنوبية” العسكرية والأمنية، وكذلك قيادات في السلطة، وعدداً من مشايخ الجنوب قد توافدوا إلى منزل الزبيدي عقب قرار الإقالة ليؤكّدوا على الوقوف مع “الزبيدي” ضد مَن يهدّدون أمن واستقرار الجنوب، حسب تعبير المواقع.
وقد تزامنت تلك المظاهراتُ مع حريقٍ التهم مقرَّ حزب الإصلاح، بمدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج الجنوبية، ومع أن الحزبَ لم يتهم أحداً بذلك، إلا أنه لا يستبعد أن تكون للحريق علاقةٌ بالاعتراض على قرار إقالة “الزبيدي”، فقد ذكرت مواقعُ جنوبيةٌ أن الأخير التقى بعدد من قيادات سلطة المرتزقة في محافظة لحج وعلى رأسهم المحافظ نفسه.
يبدو أن المشهدَ في الجنوب يتجه إلى مزيد من الفوضى في ظل الانقسام المستمر وتحكم دول الاحتلال بالمكوّنات السياسية والعسكرية هناك، بالإضَافَة إلى عدمِ امتلاك تلك المكوّنات القدرةَ على تسيير الشؤون الداخلية، وهو ما يضيفُ أسباباً أُخْـرَى مساعدة لانعدام الأمن والاستقرار، على كُلّ المستويات.