صالح .. بين الشراكة والمعارضة
أنس القاضي
تتسمُ الخطاباتُ السياسيةُ الأخيرةُ لزعيم المؤتمر بالأهميّة؛ باعتبارها تعيِّنُ طابعَ نهجه السياسيّ، إزاء الأَوْضَاع السياسية الجديدة، وهذا حقٌّ ديمقراطيّ للمؤتمر الشعبي العام.. كما هو لبقية الأحزاب في رَسْم سياساتهم. ومِن قاعدة تلاقي الموقف العام ضد العدوان، لا بد من تثمين استعادة صالح للخطاب الناصري المناهض للإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية في مقدمتها السعوديّة. فهذا الخطاب يرسُمُ خطاً فاصلاً في الموقف من السعوديّة.
لكن الأمرَ المثيرَ للانتباه وَغيرَ الواضح بالنسبة للمتابع، هو مفهومُ الشراكة بين أَنْصَار الله والمؤتمر، كما يراه صالح، وكذلك مفهوم السلطة والمعارضة بالنسبة لصالح، حيث اعتبر حزبَه حزباً معرضاً، مما يجعلنا نسألُ: من هي السلطة?.
المعروفُ أن المؤتمرَ حزبٌ حاكمٌ عريقٌ وله باعٌ كبيرٌ ومرحلة طويلة في الحكم، ورجالٌ في مفاصل الدولة، كما أن لبُنيته الفوقية مكانةً اقتصاديةً مميزة في السوق والواقع الاجتماعي كرجال الأَعْمَال -ولا مشكلةَ مع القطاع الخاص الانتاجي في مستقبل تطوّر البلد- وهذا يجعل المؤتمرَ جزءً من السلطة المسيطرة، بالإضَافَة أن المؤتمرَ لديه نصفُ حصص حكومة الانقاذِ، فكيف يكونُ معارِضاً؟، وما هي رسالة صالح؟ إلّا إذَا كان يقصُدُ أنه معارِضٌ لحكومة هادي غير الموجودة في صنعاء، أَوْ معارِضٌ لأَنْصَار الله من داخل الحكومة، وهذا أمرٌ غيرُ ممكن عملياً، مما يجعلُ الاحتمالَ الأقربَ للواقع أنه معارِضٌ لأَنْصَار الله في قضايا غير قضايا الحكومة كقضية كيفية إنهاء الحرب أَوْ أسس الحوار مع تحالُف العدوان، فقد تكرّرت كثيراً في الخطاب مسألة الحوار الندي المباشر مع السعوديّة، ولم يرد شيءٌ عن الحوار الداخلي لحلحلة الأزمة داخلياً.
وهُنا كان يُفترَضُ بصالح أن يوضحَ طبيعة هذه الخلافات؛ لأن حلفَ العدوان لا ريبَ يستفيدُ من هذه الضبابية ويملأ الفراغ بخطابه هو.
كما أن طبيعةَ الشراكة والتحالف مع أَنْصَار الله يجبُ أن تكون أشدَّ وضوحاً، فلا يمكنُ القولُ بشراكة في السياسة الخارجية بمعزل عن الإدَارَة الداخلية، فالشريكان -وهنا أقصد المؤتمر وأَنْصَار الله- سيحملان معاً تبعاتِ مرحلتهما في الجانبين السلبي والإيْجَابي، وستسجَّلُ في التأريخ، وإذا كانا أقاما شراكةً دون بحث هذه المواضيع، فهذا خطأ.
إن المفهومَ من الخطابِ الأخيرِ عند شريحة واسعة من الناس، وقد انعكس هَذا الفهمُ في الشارع وحقول التواصُل الاجتماعي، ومفادُه أن المؤتمرَ يريدُ تحميلَ أَنْصَار الله لوحدهم تبعاتِ أداء حكومة الإنقاذ ومسؤوليتها، ويتعزَّزُ مثلُ هذا الفهم من خلال استدراك تجربة شراكة المؤتمر مع “المشترك” في حكومة “الوفاق الوطني”, حيث تحمَّلَ المشتركُ لوحده تبعاتِ سلوك الحكومة وقراراتها وفشلها السياسي، وكذلك تجربة المؤتمر مع الحزب الاشتراكي ممثل الشريك (الجنوبي) في حكومة دولة الوحدة، حيث خرج منها الأخيرُ مدمَّراً وخاليَ الوفاض، هذه التجاربُ تجعَلُ صالح صادقاً حين يخاطِبُ مَن هم في الرياض ويقول لهم بأنه من يرحل وليس من يرحل.
أَمَّا في هذه المرحلة، من وجهة نظري، فالوضع معقَّدٌ ولا يسمَحُ بتكرار مثل هذه التجارب الخطيرة على التوازن السياسي والاستقرار الاجتماعي، خصوصاً أن العدوان يترقب ويريد الاستفرادَ بالحليفين وفق مقولة (الثور الأَبيض والثور الأسود)، كما يجبُ الأخذُ بعين الاعتبار بأن المؤتمرَ وزعيمَه يستعيدان زخَمَهما السياسي، انعكاساً للموقف السياسي للمؤتمر ضد العدوان، وليس في إطار الصراعات المحلية ضد أَنْصَار الله أَوْ المشترك، فما زالَ هناك صوتٌ كبيرٌ معارضٌ للمؤتمر وصالح كنتاجٍ لحُكمهم التأريخي، ومِن شأن جَعْلِ الخلافات البينية القضية المُلحة، أن يُعيدَ إثَارَة الخلافات والاصطفافات القديمة، وكلا الطرفَين (المؤتمر وأَنْصَار الله) في غنىً عنها، كما أن الشعبَ الذي يعاني من ظروف معيشية واجتماعية كارثية هو في غنىً عن أية صراعات بين حُلَفاء صنعاء، تُدميه، كصراعات المرتزِقة في عدن، وصمتُ الجماهير ممكنٌ أن ينفجرَ عفوياً فوضوياً بوجه أطراف الحكومتَين، إذَا تفاقمت خلافاتُهما ولم تحل القضايا الاقتصادية، وسيكونُ ذلك كارثياً بالنسبة للجماهير غير المنظّمة والتي تشهَدُ انقساماتٍ عميقةً، فيزيدُ ذلك البلدَ تمزقاً وتبعيةً، لتداخُلِ القضية المحلية بالعدوان الخارجي.