ثورة 21 سبتمبر تقضي على آمال السعودية في إعادة اليمن إلى وصايتها من جديد
صدى المسيرة- خاص:
يدركُ الجميعُ أن ثورةَ 21 سبتمبر كانت للسعودية بمثابة “الصاعقة”، فآلُ سعود عرفوا جيداً أن الـيَـمَـن قد تحرَّر من التبعية والوصاية وأن ما بعد 21 سبتمبر ليسَ كما قبله!.
والمؤكد وما لا يدع مجالاً للشك أن الهدف الرئيسَ في العُـدْوَان السعودي الأمريكي على بلادنا كان لإجهاض الحل السياسي وإفشال التوصل إلى أَي اتفاق كانت القوى والمكونات السياسية على وشك الانتهاء منه وإعلانه بعد مفاوضات عسيرة في فندق موفمبيك استمرت ما يقارب الشهرين.
ويأتي تصريحُ المبعوث الأمم السابق إلى الـيَـمَـن جمال بن عمر ليؤكدَ صوابيةَ ما نطرحه، فقد أكد في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن أن العُـدْوَان السعودي أفشل توصُّل الـيَـمَـنيين إلى اتفاق تأريخي لحل المشكلة القائمة في البلاد.
ومنذ التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية في 21 مارس العام الماضي والسعودية تعمل على عرقلته بشتى الوسائل، فقد أوعزت إلى هادي بأن هذا الاتفاقَ لا يمكن أن يُنَفَّذَ ويجب عليه عدم الاعتراف به والممانعة في تنفيذه، وبدأت هذه الرغبة تظهر في بيانات دول مجلس التعاون الخليجي والتي كانت تتعمدُ عدمَ ذكر اتفاق السلم والشراكة الوطنية.
وبعد أحداث يناير أجريت “مفاوضات الموفمبيك” بين المكونات والقوى السياسية الـيَـمَـنية تحتَ رعاية الأمم المتحدة، وخلال تلك الفترة كانت السعودية ممانعةً للوصول إلى حل سياسي، وأعاقت خروجَ المفاوضات بأي حل متوافَق عليه؛ كون إطار العملية السياسية بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة لم يعد يصب إلا في مصلحة الشعب الـيَـمَـني وفي بناء الدولة المدنية الحديث ذات الشراكة بين جميع أبناء هذا الوطن.
وآنذاك كانت السعودية تسعى إلى إجراء بعض التشطيبات الجوهرية على الملعب السياسي الـيَـمَـني بما يعيد صلاحيته لتلبية طموحاتها ومخططاتها وإعادة الـيَـمَـن تحت الوصاية السعودية من جديد.
غيرَ أن تحرك الثورة الذي قضى على هذه الرافعة الوحيدة المتبقية لديهم في البلد، جعلهم أمامَ خيارَين: إما التسليم بالأمر الواقع في الـيَـمَـن، والتعاطي معه بشكل أَوْ بآخر أَوْ التحرك المباشر، في محاولة لتغيير هذا الواقع وفرض معادلات جديدة عليه لا تمكن القوى الثورية والوطنية من الاستفراد بالمشهد الـيَـمَـني وتحتفظ لهم بقدرة التأثير فيه.
وقد عزمت السعودية على تنفيذ الخيار الثاني وهو التدخُّلُ المباشرُ في الـيَـمَـن والذي جاء بعد تدارُس مشاورات استمرت لمدة ستة أشهر إلى سنة تقريباً بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، حسب ما صرّح به السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير والذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية السعودية.
وفي ظل كُلّ هذه الحيثيات يتضح أن الهدفَ الرئيسي من العُـدْوَان هو فرض معادلة جديدة على المشهد، لتتمكن من بعض الترتيبات اللازمة على المشهدين الميداني والسياسي، وذلك من خلال الآتي:
- إعاقة تقدُّم الثوار (الجيش واللجان الشعبية) في المحافظات الجنوبية.
- العمل على إحياء وتوسيع بؤر المعارضة العسكرية على الأرض.
- استهدافُ ما أمكن من الأسلحة خَاصَّةً الأسلحة الاستراتيجية كالصواريخ بما يمنع استفادة الثورة منها.
- إحداث أَكْبَر تدمير للبُنية التحتية وقطاعات معينة في مؤسسات الدولة بما يمنع أَوْ يعيق مزاولةَ الثورة لدور السلطة المكتملة الأركان وبعث ما أمكن من تذمُّر المواطنين أَوْ على الأقل التوجس تجاه أَية حكومة جديدة.
- فرض الحصار الخانق الذي يضع الثورة في وضع محرج مع المواطنين وتفرض عليها ما أمكن من التنازلات.
وتزامناً مع العُـدْوَان السعودي الأمريكي على الـيَـمَـن رفضت السعودية فتح المجال أمام أَي سياق سياسي؛ كونه لم يعد مهيئاً لتوجُّهات وطموحات العُـدْوَان، لذا عملوا على الإقدام على بعض الخطوات وهدفها إجراء بعض التغييرات والإجراءات التي تضمن إعادة تأهيل الأرضية للمسار السياسي بما يعيد صلاحيته من جديد في سياقات مرحلية أكثر منها استراتيجية حيث يمكن إيجاز تلك الخطورة وأهدافها في التالي:
- عملوا على استصدار قرار من مجلس الأمن (القرار 2216/2015) والذي يهدف إلى تحقيق متطلبات المرحلة بالنسبة للسعودية وواشنطن بخصوص الـيَـمَـن، حيث تمثلت هذه المتطلبات بالدرجة الرئيسية في ثلاث نقاط وهي: “مطالبة أَنْصَـار الله باسم المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتنفيذ بعض النقاط التي هي في الحقيقة الأهدافَ الرئيسية للعُـدْوَان كوقف إطلاق النار والانسحاب وتسليم الأسلحة، والتي بينها في قرار لمجلس الأمن “يعطي الحق للمجتمع الدولي الضغط في تنفيذها”، كما يجعل منها سلاحاً بيد المبعوث الأممي الجديد ضد أَنْصَـار الله على الطاولة، ناهيك عن كونه هدف إلى أن عدم تنفيذها سيدفع لفرض عقوبات جديدة.
- حرمان الثورة من استيراد أَية أسلحة من أَي نوع تحت ذريعة حرمان الأسماء التي وردت في القرار التي يعلم أنهم أصحابُ التأثير المطلق في المشهد اليوم، وحضورهم في أَي حل سياسي قادم سيكون كبيراً.
ويمكن القول بصورة أدق منع إيْرَان من أَية علاقة استراتيجية مع الـيَـمَـن، وإمكانية تقديمها العون والمساعدة للثورة اقتصادياً وعسكرياً تحت ذريعة حظر الأسلحة، حيث أعطت القرار كُلّ دول العالم الحق في تفتيش أَي شيء وارد إلى الـيَـمَـن براً أو بحراً وجواً سواءٌ على أراضيها أَوْ المياه الإقْليْمية والدولية.
- إدخال سماحة السيد عبدِالملك الحوثي حفظه الله في قائمة العقوبات تحت البند السابع بما يمثله من مكانة لدى الـيَـمَـنيين ولدى أَنْصَـار الله بالتحديد على كُلّ المستويات الدينية وغيرها، وبالتالي استهدافه يعتبر استهدافاً بالدرجة الرئيسية للأمة بكلها وللمشروع القرآني العالمي الذي يجسِّدُه، قولاً وعملاً.
ولم تكتفِ السعودية وأمريكا بذلك، بل عملت واشنطن وحلفاؤها على تغيير جمال بن عمر بمبعوث أممي جديد وتم فرضُه على الجميع، وتعتبر هذه الخطوة جوهريةً في الترتيبات لأي مسار سياسي، حيث سيسهلُ على المبعوث الجديد المراوغة في الطاولة والدفع نحو الاتجاهات الاستراتيجية لواشنطن والرياض بعيداً من التفاصيل