الصيامُ وابتعادُ الناس عن الغاية من تشريعه
صدى المسيرة| خاص:
لم يعد خافياً على أحدٍ أن المالَ الخليجي والمشروعَ الأمريكي الصهيوني وظّفا الإعلامَ بشكل كبير وملحوظ من حيث نتائجه وانعكاسه على الواقع فيما يتعلق بإخراج شهر رمضان المبارك عن غاية تشريع الصوم فيه وتعزيز القيم والمثل الإسْلَامية، ومع مرور السنين واستمرار “الحرب على الإعلامية على رمضان” تحوّل شهر الصيام إلى محطّة لتجهيز قوائم المسلسلات والأطعمة، والمسابقات التلفزيونية والاذاعية؛ ليس لأن هذه البرامج محرمة، ولكن لأنه يجري توظيفُها وتضمينُها مضامينَ خارجةً عن الأَخْلَاق وتقود متابعها إلى عوالمَ مختلفةٍ بعيدةٍ عن الغاية التي أرادها الله من وراء تشريع الصوم وتعزيز العبادات.
يقولُ السيدُ الشهيدُ حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه: إن “الغاية من شرعية الصيام ترويض النفس على الصبر” ورغم أن هذه الجملة تكررت على ألسنة مشايخ دين آخرين، بما يعني أن ذلك إجماعٌ لا خلاف عليه، لكن انعكاس الصوم على واقع المسلمين اليوم مختلف جداً، ويمكن التقاطها من الثقافة السائدة لدى الناس، فقد اعتدنا أن يقولُ أحدنا للآخر “لا تكلم فلان الآن فهو صائم” وأشياء أخرى من هذا القبيل، والتي تؤكد، للأسف، أن واقع المسلمين بعيد كُلّ البعد عن الغاية من تشريع الصوم، بل إنه بات واقع مضاد لهذه الحالة، وتعود الناس على تقبل “عدم صبر الآخرين” نظرا لصيامهم.
كما إن القيمَ والصفاتِ التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يتعلمها المؤمن ويتحلى بها من خلال غاية تشريع الصيام، لا تقتصرُ على شهر رمضان، بل إنه محطة انطلاق للتمسك بتلك القيم وترويض النفس على الصبر لما يحتاج من عمل واجتهاد ليصبح ملازما لتصرفاتنا وردود أفعالنا بقية شهور السنة، ففضيلة الصبر ليست مناسبة يتحلى بها الإنْسَان شهرا ويفقدها في شهر لاحق.
كما يقول السيد الشهيد إن الغاية أيضاً “أن يستشعر الإنْسَان هذه الغاية من شرعية الصيام، يستشعر أنه يتجلد، ويتصبر، ويتحمل، ليعلم نفسه، يعلمها أنه هو الذي سيسيطر عليها بناءاً على توجيهات الله، بينات الله، هدى الله”.
إذن فإن حاجةَ الإنْسَان لتعلُّمِ الصبرِ يجعَلُ من شهر رمضان مدرسةً لتعلم هذه الفضيلة، ويجعل من بقية شهور السنة واقع لممارسة فضيلة الصبر والتحمل والجلد في مواجهة الشدائد، والسيطرة على النفس للابتعاد عما يريد الله منا أن نبتعد عنه ولو كان مرغوباً، والاقتراب مما يريد الله منا الاقترابَ منه ولو كان يحتاج للجهد أَوْ تستثقله النفس البشرية التي تحاول جر صاحبها للطرق غير السليمة.
من جانب آخر وكما أن الغايةَ من شرعية الصوم، كما تحدث السيد الشهيد، ترويض النفس على الصبر، فإن اللهَ مهَّد للناس في سُورة البقرة، بحيثُ رَغَّبَ إليهم الصوم، وأعطاهم إشارة على أنهم قادرون على ترك المأكل والمشرب، بأن أخبرهم بأن أمماً سبقتهم كُتب عليها الصيام واستطاعته.
يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أَوْ على سفر فعدةٌ من أيام أُخَر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمَن شهد منكم الشهرَ فليصمْه ومن كان مريضاً أَوْ على سفر فعدة من أيام أُخَر يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر ولتكملوا العُدةَ ولتكبروا اللهَ على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)”.
ومن خلال الدرس الثامن من دروس رمضان للشهيد السيد حسين بدر الدين حوثي، في تناوله للآيات السابقات أنه لو كان الله بدأ بإخبار الناس أن عليهم صيامَ شهر، فإن ذلك سيبدو صعباً جداً عليهم لكن البداية كانت “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم” ثم جاءت الاستثناءات في حالة المرض والسفر.. إلخ التي تلت قوله تعالى “شهر رمضان”.
يقول السيد الشهيد: “شهر رمضان أليس هو مقبولاً؟ لو يأتي من البداية كتب عليكم الصيام شهر، قبل أن يبين كيف الصيام وكيف الاستثناءات بالنسبة له أنه: إذا كان واحد مسافراً أَوْ مريضاً أَوْ لا يستطيع إلا بصعوبة بالغة أن يصومَ باعتبار الحالة التي هو فيها فيمكن أن يفطرَ ويكفّر عن كُلّ يوم إطعام مسكين ويأتي بقضية تشمل هذه يكون وفق القاعدة الإلهية في ماذا؟ في تسهيل تقديم التشريع، هذه قضية أساسية، قاعدة أساسية”.