وثائقُ تؤكّد فرْضَ قيادات المرتزقة إتاوات بمبلغ 90 مليون يومياً على النفط والغاز وبيع الخام لحسابهم الشخصي
بسبب الخلافات الخليجية مع قطر.. إعلامُ الإخوان يفضح جزءً من أكبر عملية فساد يمارسُها المرتزقة منذ بداية العدوان
صُنَّـاعُ الأزمات في اليمن!
صدى المسيرة | ضرار الطيب
جزءٌ بسيطٌ، ومُرعِبٌ، مما ظلت تتحدثُ عنه وسائلُ الإعلام المناهضة للعدوان، حول الفساد الشامل الذي يمارسه المرتزقة في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، طوال أكثر من عامين، وجد أخيراً فرصةً بسيطةً لإثبات نفسه عبر إعلام العدوان نفسه، بمجرد أن بدأت أزمةُ المصالح السياسية بين دول الخليج وقطر؛ لتحول الانقسامات بين فصائل المرتزقة إلى أدلة دامغة عن أكبر عملية نهب لثروات الوطن وأمواله مستمرة منذ أكثر من عامين.. كانوا يتقاسمونها بصمت، والآن يتقاذفون فضيحتَها فيما بينهم على مرأى ومسمع من الجميع.
أكبرُ عملية نهب للنفط والغاز
خمسة وتسعون مليون ريال يومياً، تذهب إلى قادة أمنيين وعسكريين من المرتزقة، كإتاوات مفروضة على قاطرات الغاز والشركات الصغيرة العاملة في مأرب.. هذا بعض مما كشفته وثائق نشرتها – في الأسبوع الفائت – قناة “بلقيس” ذات التوجه الإخواني المناصِر للعدوان، وحوت تلك الوثائقُ رسائلَ موجَّهةً من المدير العام التنفيذي لشركة صافر النفطية “أحمد محمد علي كليب” إلى الفار هادي، يشتكي فيها من الفساد القائم في الشركة!
في الواقع، لم يشتكِ “كليب” من الفساد القائم في الشركة، وإنما من فساد خصومه فقط، بالعلم أن الرجل من حزب الإصلاح، والشكوى لم تعكس إلا شكلاً جديداً من أشكال الصراع المعروف بين مرتزقة الإصلاح ومرتزقة الإمارات، وبالتالي فإن ما كشفت عنه الوثائق ليس إلا جزءاً بسيطاً مما يحدث في صافر.
وبرغم ذلك فإن هذا الجزء البسيط يحوي أرقاماً فلكية؛ لأن إدخال خمسة وتسعين مليوناً في عملية حسابية مع 800 يوم من العدوان، ينتج ما يقارب الثمانين مليار ريال.. هذه الإتاوات فقط، ومن طرف واحد!
تقول الوثائق أيضاً: إن النفط الخام يتعرض لنهب منظّم من داخل الآبار، وأن قيادات أمنية من قوات حماية الشركة تقومُ بتهريب ناقلات من النفط الخام وأن ضباطاً وقادةً عسكريين يتصرّفون مع الشركة وكأنها ملكيتهم الخَاصَّــة، بالإضَافَة إلى استحداث وظائفَ جديدةٍ وخضوع الشركة تماماً لحكم القادة الأمنيين والعسكريين.
والآن إذا فرضنا أن كُلّ ذلك النهب يتم في مساحة ما محدودة داخل إدَارَة الشركة، سيجب علينا أن نتساءَلَ عن إيرادات العمليات “القانونية” لبيع النفط، منذ أكثر من عامين، بالعلم أن المبالغ الناتجة عن الإتاوات والبيع “غير القانوني” فقط وَكما هو واضح، تستطيع أن تغطّي جزءاً ضخماً من ميزانية الجمهورية بكلها، وبما أن البنك المركزي في صنعاء هو من كان يسلّم رواتب الموظفين في صنعاء منذ أول العدوان إلى أن تم نقل البنك، بدون أن يعتمدَ في ذلك على أي إيراد من النفط في مأرب بالذات، وبما أن البنك والنفط صارا في يد المرتزقة الآن، فلماذا انقطعت الرواتب؟ أو بالأصح: أين تذهب ايرادات النفط؟!
الوثائقُ لم تُجِبْ عن ذلك السؤال بصراحة، وبدلاً عن ذلك قالت إن الشركة تكبدت خسائر تصل إلى أربعين مليون دولار؛ نتيجة أخطاء احتساب رسوم منشآت صافر من قبل الشركات الأخرى. ما يعني أن الشركة لا تتعرض لمجرد فساد محدود من بعض القيادات كما تقول وثائق “كليب”، وإنما لعملية نهب شاملة، وبالأصح: أكبر عملية نهب، ربما يكون الإصلاح ذا النصيب الأكبر منها، فقبل فترة ليست طويلة جداً كانت هناك أخبار أن “هاشم الأحمر” القيادي الإخواني يجني المليارات من أعمال التقطع وفرض الإتاوات في منفذ الوديعة فقط، وبالتالي علينا أن نضاعف المبالغ الواردة في وثائق “بلقيس” من الإتاوات وعمليات سرقة النفط وبيعه وتهريبه ربما إلى أكثر من ضعف.
مناورةٌ إعلامية بأثر عكسي
وثائقُ أخرى نشرتها “بلقيس” يومَ الجمعة الفائت، ضمن حملتها الإعلامية لفضحِ خصوم “الإخوان” من المرتزقة.. وهذه المرة من سُقطرى.
تكشف هذه الوثائق عملية “بيع” أرضية في منطقة دكسم، لمندوب مؤسسة “خليفة” الإماراتية، رغم وجود قرار حكومي يمنع ذلك، كما أشارت الوثائق إلى أن محافظ سقطرى يعبث بالأراضي والمنافذ هناك ويتصرف على هواه.
الجميع يعرف أن الإمارات تسعى إلى امتلاك سقطرى، ولكن الجديد في الأمر هو أن الإخوان انتظروا إلى أن صارت قطر في أزمة سياسية ليعترفوا بذلك، ويحصلوا على الوثائق.
تريد “بلقيس” من تلك الوثائق الهجوم على الدور الاماراتي في اليمن، وهي تعمل على ذلك منذ فترة، ولكن ما يحدث الآن هو أنها تفضح نصف المرتزقة لينفضح النصف الآخر تلقائياً؛ لأن عمليات الفساد التي تفضحها هذه الوثائق لم تكن “إماراتية” كاملة وإنما في إطار منظومة متكاملة يمثلها دولياً “تحالف” معروف ويمثلها في الداخل مجموعة من المرتزقة يشكّل الإصلاحُ الجزءَ الأكبرَ منهم.
ربما كان على “بلقيس” أن تجهّز وثائق أخرى تفصل حزب الإصلاح عن تشكيلة مرتزقة العدوان ثم تقوم بعد ذلك بنشر عمليات الفساد، وذلك مستحيل، وبالتالي فإن كُلّ ما نشرته القناة من عمليات النهب والفساد، يحوي إشارةَ توجيه إلى فساد حزب الإصلاح بشكل بديهي.
يبدو أن الأزمةَ القطريةَ الخليجية شكلت فرصة للكثير من الفضائح التي كانت رهينةَ التضليل الإعلامي لقوى العدوان ومرتزقته، وليكونَ الأمرُ أكثرَ خزياً فضّلت هذه الفضائح أن تُظهِرَ نفسَها عبر تلك الوسائل نفسها، وكما حدث لـ “بلقيس” في نشر فساد سلطات المرتزقة، فعلت قناة “الجزيرة” نفس الأمر في تغطية الجريمة التي ارتكبها طيرانُ العدوان السعوديّ في صنعاء، عندما قصف بيت المواطن “المهدي” وقتل من كانوا فيه من النساء والأطفال.
أرادت “الجزيرةُ” أيضاً أن تهاجِمَ السعوديّة بذلك، ولكنها تناست بغباء أن قطر كانت شريكةً مهمةً في تحالف العدوان طوال أكثر من سنتين من المجازر.
الآن فقط، وبعد عامَين من تدمير اليمن، بدأ إعلام الإخوان يعترف أن هناك فساداً ترعاه دولُ العدوان وقتلاً للأبرياء، هل صار الإخوان نزيهين فجأة هكذا؟ بالطبع لا، ولكنهم رأوا أن تلك الأموالَ التي ظلوا ينهبونها ويحرمون أبناءَ الشعب اليمني منها، والدماء البريئة التي سالت بمساعدتهم وبرّروا لها، منذ أول العدوان، صارت تشكّل رقماً إعلامياً يمكنُ الاستفادةُ منه في الأزمة القطرية الخليجية.. يفضحون أنفسَهم للدفاع عن قطر!